عرض مشاركة مفردة
  #3  
قديم 02-07-2006, 02:46 PM
abunaeem abunaeem غير متصل
Banned
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
المشاركات: 660
إفتراضي

ولقد عانت الامة الاسلامية من سوء التفكير السياسي الكثير من المصائب والويلات . فالدولة العثمانية مثلا , حين كانت اوروبا تحاربها في القرن التاسع عشر , انما كانت تحاربها في الاعمال السياسية اكثر منها في الاعمال العسكرية , وانه وان وقعت اعمال عسكرية ولكنها كانت مساعدة للاعمال السياسية . فمثلا ما كانوا يسمونه بمشكلة البلقان , وهي مشكلة خلقتها الدول الغربية بالتصريحات , فأعلنوا ان دول البلقان يجب ان تحرر من العثمانيين , اى من المسلمين , ولكن لم يكونوا يعنون انهم سيحاربون الدولة العثمانية , وانما كانوا يعتمدون على ايجاد القلاقل والاضطرابات في البلقان , فجاءوا بفكرة القومية والتحرر , فأخذها البلقانيون , واخذوا يقومون بالثورات , فكانت الدولة العثمانية تقوم بعمليات عسكرية ضد هذه الثورات مراعية وضع الدول الاخرى , وتحاول استرضاء الدول الاخرى مع ان هذه الدول الاخرى هي التي كانت تسند الثورات , وهي التي كانت توهم العثمانيين , وهي التي كانت تجعلهم يشتغلون ضد الثورات , من اجل ان يكون عملهم انهاكا لقواهم , للقضاء على الثورات , وهكذا كان من نتيجة خطأ الدولة العثمانية . وضلالها في التفكير السياسي ان خسرت البلقان , ثم لاحقتها فكرة القومية في عقر دارها , حتى قضت عليها القضاء المبرم .

وهذا بخلاف روسيا او الاتحاد السوفياتي فانها قد وقعت في نفس المشكلة في اوروبا الشرقية في الخمسينات , فان امريكا نادت بتحرير اوروبا الشرقية من الشيوعية , واخذت تنادى بالتحرير واخذت تسند هذه الدول والشعوب سرا وعلنا . ولكن روسيا لم تقف موقف العثمانيين , وعرفت ان فكرة التحرير هذه هي حرب ضد روسيا او الاتحاد السوفياتي ولذلك لم تهادن امريكا , وانما اتخذتها العدو الاول , ولما قامت ثورة بولونيا سحقتها ولم تجعل لها اى منفذ للنجاح , ولما ثارت بلغاريا سحقتها دون اية رحمة , وشددت قبضتها الحديدية على اوروبا الشرقية , واستعدت لحرب امريكا اذا هي تحركت لاسناد اوروبا الشرقية سرا وعلنا , مما ادى الى اخفاق امريكا اخفاقا ذريعا حتى اضطرت امريكا بعد اخفاقها , وادراكها موقف روسيا السياسي وفهمها السياسي , ان تتنازل عن فكرة محاربة الشيوعية واضعاف روسيا , الى عقد اتفاقيات مع روسيا , والتعايش معها , كل ذلك ليس ناتجا عن قوة روسيا , وانما ناتج عن التفكير السياسي الصحيح لدى الاتحاد السوفياتي .

ومثلا حين رأت امريكا ان اسرائيل التي اقامتها دولة , تكاد تفلت من يدها , وتكاد انجلترا تسترجع هذه البلاد بتحويل ما يسمى بدولة اسرائيل الى كيان اخر يسمى فلسطين . حين رأت امريكا ذلك في اواخر الستينات , اطلقت على مشكلة فلسطين اسم مشكلة الشرق الاوسط , وصارت تقوم بالاعمال السياسية , التي تمكنها من ان تتولى المشكلة وحدها . وصارت تتخذ كلمة السلام , وفكرة حل المشكلة وسيلة لتعقيد المشكلة , وهكذا استمرت في التضليل السياسي , حتى ارتمى كل من العرب واليهود في احضانها , وصارت تتبع اسلوب المغالطة , واسلوب التضليل حتى انهكت قوى كل من العرب واليهود فاتجهت , لا الى حل المشكلة , بل الى نقل المنطقة من حالة اضطراب , وتسمية حالة حرب , الى حالة هدوء نسبي وتسمية حالة سلام , وذلك لكي تتمكن على مهل وبهدوء من تركيز المنطقة على الوضع الذى رسمته لها , حتى تطرد الانجليز نهائيا من المنطقة , وتنفرد وحدها في السيطرة وبسط النفود على المنطقة كلها , عن طريق تقوية ما يسمى بدولة اسرائيل , وبذلك كان ما يمسى بمشكلة الشرق الاوسط مثل مشكلة البلقان سواء بسواء , وكما وقع العثمانيون واهل دول اوروبا الجنوبية , في الشرك من جراء التضليل السياسي , وقع العرب واليهود في الشرك نفسه , واذا لم يوجد التفكير السياسي لدى المسلمين اليوم لادراك مشكلة الشرق الاوسط , كما ادركت روسيا مشكلة اوروبا الشرقية , فان مصير الشرق الاوسط سيكون مثل مصير البلقان سواء بسواء .

فسوء التفكير السياسي هو الذى يدمر الشعوب والامم , وهو الذى يهدم الدول او يضعفها , وهو الذى يحول بين الشعوب المستضعفة وبين الانعتاق من ربقة الاستعمار , وهو الذى يحول بين الامم المنحطة وبين النهوض , ولذلك فان التفكير في النصوص السياسية , امر بالغ الاهمية , ونتائجة فظيعة او عظيمة , واخطار الخطأ او الضلال فيه , اخطار مدمره , ومن هنا كان لا بد من العناية الفائقة , بالتفكير السياسي , عناية تفوق العناية بأى تفكير . ذلك انه ضرورى للشعوب ضرورة الحياة .
الا ان التفكير السياسي , وان كان اصعب انواع التفكير واعلاها , فانه لا يكفي فيه ان يكون تفكير افراد فقط , فان الافراد لا قيمة لهم مهما كثر عددهم , ومهما كان تفكيرهم سليما او عبقريا , فان التضليل في التفكير السياسي اذا تمكن من الشعب او الامة , لا تنفع تجاهه ,عبقريات الافراد , ولا قيمة للعبقريين في التفكير السياسي , مهما كان عددهم , ومهما كانت عبقرية تفكيرهم , فان الضلال اذا تمكن من الشعب او الامة جرف تياره كل شيء , ووقعت الامة او الشعب فريسة سهلة لهذا التضليل , وكانت هي ومعها العبقريون لقمة سائغة يلتهمها الاعداء , وما نجاح مصطفى كمال في هدم الدوله الاسلامية وازالة الخلافة في اوائل القرن العشرين الميلادى ونجاح جمال عبدالناصر في الخمسينات والستينات من هذا القرن , في الحيلولة دون تحرر العرب وقد كانوا عقب الحرب العالمية الثانية متحفزين للتحرير , الا امثلة حية , على ان سوء التفكير السياسي اذا اجتاح الشعوب والامم , فانه لا تنفع تجاهه عبقرية العبقريين , ما داموا افرادا ولو بلغ عددهم الالاف , لذلك فان سوء التفكير السياسي لا يشكل خطر على الافراد , وانما يشكل خطرا على الشعوب والامم , ومن هنا لابد من العناية بالتفكير السياسي لدى الشعوب والامم , عناية تفوق كل شيء . صحيح ان التفكير السياسي , اذا وجد عند الافراد وسار لديهم في الطريق المستقيم يمكن بهم ان يوجد التفكير السياسي الذى يقف في وجه الاعداء , ويكشف تضليلهم , ولكن هذا انما يتأتى اذا انتقل تفكير هؤلاء الافراد الى الشعب او الامة , واذا اصبح عند الامة كما هو عند الافراد , واذا انتقل الى ان يكون تفكير الامة لا تفكير الافراد , فيصبح هؤلاء الافراد جزءا من الامة لا افرادا , وتكون الامة كلها امة مفكرة وليس افرادا منها , واذا لم يتحول التفكير الفردى الى تفكير جماعي , ولم يصبح تفكير الافراد تفكير امة لا تفكير افراد , فانه لا قيمة لهذا التفكير , ولا قيمة لهؤلاءالافراد , فتفكير الافراد السياسي لا يقوى على الوقوف في وجه الاعداء , وفي وجه تضليلهم مهما كثر عددهم , وسمت عبقرياتهم , وانما الذى يقف في وجههم هو تفكير الشعوب والامم , اى هو التفكير السياسي الذى يكون عند الشعوب والامم .
صحيح ان الافراد العباقرة , هم اناس عاديون , مثلهم مثل باقي الناس , لا يتميزون بانسانيتهم عن اى انسان عادى , والناس ينظرون الى هؤلاء الافراد نظرة عادية , فان عبقريتهم لا تشاهد ولا تلمس , ولا يحس بها , ولذلك فانهم حين تتحرك عبقريتهم وينتجون , لا يرى فيهم في اول الامر اية ميزة , ولا يدرك في انتاجهم اى تفوق ولا اي عبقرية , فهم ان كانوا مثقفين فان مثلهم كثيرين مثقفون , وان كانوا اذكياء فان مثلهم الكثير من الاذكياء , فاذا لفت النظر الى افكارهم , فانما يلفت النظر من قبل افراد اخرين , يقبلون على انتاجهم , ليكونوا مثلهم , او ليساعدهم هذا التفكير على الارتفاع في مجتمعهم وفي وسطهم , او لاتخاذه وسيلة لتحقيق مارب شخصية او غايات انانية , واذا ظل كذلك ولم ينتقل الى الجماعات , فانه يبقى فرديا مهما كثر الافراد المفكرون هذا التفكير , ولو كان تفكيرا فريدا يقبله كل من ذاقه او عرفه , ولذلك فحتى ينفع هذا التفكير السياسي , ويصبح قادرا على الوقوف في وجه الاعداء , لابد ان يتحول الى تفكير جماعي ويخرج من قوقعه الفردية , ومن شرنقة العزلة , فاذا تحول الى تفكير جماعي ‎وانتقل الى الشعب او الامة , فقد وجدت القوة التي تنبت شجرة النهضة .

هذا هو التفكير السياسي الذى ينفع وهو التفكير الجماعي لا التفكير الفردى , اى هو تفكير الشعب والامة , وليس تفكير الافراد حتى لو كانوا من العبقريين , لذلك يجب تثقيف الامة التثقيف السياسي , ويجب تمرين الامة وتعليمها على التفكير السياسي , حتى يكون التفكير السياسي , هو تفكير الامة وليس تفكير الافراد .

هذا هو التفكير السياسي فهو تفكير بالعلوم السياسية والابحاث السياسية , تفكير بالحوادث السياسية الوقائع السياسية والتفكير الاول لا قيمة له , ولا يزيد عن مجرد المعرفة للافكار, اما التفكير السياسي فانه هوالذى ينفع ويفيد , وهو الذى يكون له اثر باهر وتأثير عظيم , ولذلك فانه ان جاز التفكير السياسي في العلوم السياسية والابحاث السياسية , وكانت منه فوائد للافراد من العلماء في السياسة , فان التفكير في الوقائع والحوادث , هو واجب على الكفاية للامة , يجب ان يعمل لايجاده بالامة , لا سميا على الذين لديهم مثل هذا التفكير . سواء اكانوا من المتعلمين او غير المتعلمين .

__________

عن الوعي
http://www.al-waie.org/

http://www.airss-forum.com/Details.asp?id=119595