عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 03-07-2006, 05:37 PM
abunaeem abunaeem غير متصل
Banned
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
المشاركات: 660
إفتراضي

بين الولاء للإسلام والمعرفة الحقة بالأحكام

إن العالم الإسلامي يمر بأزمة حادة، أسبابها متعددة وأحيانا متناقضة. لقد أصبح النظام السياسي العربي مهترئا، ويتم استخدام الإسلام بشكل روتيني، بينما الرأي العام يتعرض للتخويف والإسكات وتقوده عاطفة عمياء لدرجة أنه يمكن أن ينساق وراء فكرة التطبيق غير العادل للشريعة الإسلامية والحدود.

أما فيما يخص السؤال الديني الأكثر تحديدا فيمكن ملاحظة أن ثمة أزمة سلطة مصحوبة بغياب في الداخل الإسلامي للنقاش بين العلماء ومدارس الفكر المختلفة وداخل المجتمعات والجاليات الإسلامية نفسها. ويصبح جليا أن هناك آراء متنوعة مقبولة داخل الإسلام، يتم تداولها اليوم داخل إطار يتسم بالفوضى وهو يتعايش مع ثلة من الآراء الشرعية الإسلامية المتناقضة مع بعضها، والتي يحاول كل منها أن يدعي أنه يتمتع بالصبغة الإسلامية أكثر من الآخر. وفي مواجهة هذه الفوضى التشريعية فإن عموم المسلمين يكتفون بـ"صبغة الولاء للإسلام" تلك، أكثر من اهتمامهم بالآراء المبنية على المعرفة الحقة والفهم الذي يحكم المبادئ والأحكام الإسلامية.


دعونا نستحضر الواقع كما هو. يوجد اليوم أزمة ذات أبعاد أربعة تتمثل في النظم السياسية المنغلقة والقمعية، ثم هناك المؤسسات الدينية التي تروج لمطالبات متناقضة مع بعضها، ومعدلات أمية عالية بين شعوب تسعى لأن تكون مندمجة بالتعاليم الإسلامية من خلال حماسة دينية وعاطفية وليس من خلال فكر حقيقي.

إن حقائق كتلك لا يمكن -بأي حال من الأحوال- أن تشرعن صمتنا. فنحن متورطون ومذنبون حينما نرضى بأن نعرض الرجال والنساء للعقوبة أو للرجم أو الإعدام باسم تطبيق أصولي للمصادر النصية.

إن المسئولية تقع على عاتق المسلمين في كل أنحاء العالم. ذلك أن الأمر يعود لهم بالأساس لكي يرتفعوا لمستوى التحدي للبقاء ملتزمين برسالة الإسلام في الفترة الراهنة. إن الأمر يعود لهم لكي يدينوا النواقص والخيانة التي تتم من قبل بعض المؤسسات أو الأفراد المسلمين لمقاصد الإسلام الحقة. يخبرنا أحد الأحاديث النبوية عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) "لينصر الرجل أخاه ظالما أو مظلوما، إن كان ظالما فلينهه، فإنه له نصر، وإن كان مظلوما فلينصره" رواه الشيخان والترمذي.

من هذا المنطلق تكون هناك مسئولية منوطة بكل عالم لديه ضمير، وكل امرأة ورجل أينما كانوا لأن يرفعوا أصواتهم بالاحتجاج.

إن بعض المسلمين الغربيين عادة ما يختبئون خلف أطروحات من نوع أن تطبيق الحدود أو الشريعة ليس واجبا عليهم بما أنهم في موقع "الأقلية". ثمة صمت ثقيل الوطء يثير القلق حيال هذه المسألة. أو أن يتخذوا موقفا يتمثل في الإدانة من بعيد دون بذل جهد بسيط لتطوير العقليات. إن أولئك المسلمين الذين يعيشون في فضاءات من الحرية السياسية ويستطيعون الحصول على التعليم والمعرفة، عليهم -باسم التعاليم والمقاصد الإسلامية- مسئولية هائلة لمحاولة إصلاح الأوضاع الحالية، وذلك بالعمل على فتح باب النقاش حول تلك المسألة وأن يدينوا ويسعوا لوضع حد لكل الممارسات الظالمة التي ترتكب باسم الإسلام.


دعوة التعليق.. وغياب إطار التطبيق

إذا أخذنا في الاعتبار كل هذه العوامل فإننا اليوم نسعى لإطلاق دعوة عالمية من أجل تعليق فوري لمسألة العقوبات الجسدية وعقوبة الرجم والحكم بالإعدام في الدول ذات الأغلبية المسلمة. مع الأخذ في الاعتبار أن الآراء الفقهية ليست واضحة أو لا تحظى بإجماع (حيث لا توجد أغلبية واضحة) حينما يتعلق الأمر بفهم النصوص وتطبيق الحدود. بالإضافة لذلك فإن النظم السياسية والحال التي أضحت عليها المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة لا توفر ضمانات لمعاملة تتصف بالعدالة والمساواة أمام القضاء. استنتاجا من ذلك نرى بأن هناك مسئولية أخلاقية ودينية لأن نطالب بوقف تطبيق الحدود التي يتم إلحاقها بالشريعة الإسلامية بشكل مصطنع.

يصاحب هذه الدعوة عدد من الأسئلة الأساسية التي ستواجه المؤسسات والسلطات الدينية الإسلامية في كل أنحاء العالم مهما تكن تقاليدهم (سنة أو شيعة) أو أيا كانت المدرسة الفكرية التي ينتمون لها (الأحناف، المالكيين أو الجعفريين)، وأيا كانت تياراتهم (سلفيين أو إصلاحيين):

أولا: ما هي النصوص (بالإضافة لدرجة اعتمادها أو صحتها) التي تجعل الإشارة للعقوبة الجسدية والرجم وحكم الإعدام الموجودة في أهم أركان مصادر النصوص الإسلامية يمكن أن تحصر فيما يسميه المتخصصون الحدود؟ وما هي الهوامش أو الحواشي للتفسيرات الممكنة؟ وعلى أي نقاط يمكن التدليل على مواضع الاختلاف في تاريخ القانون الإسلامي حتى الفترة المعاصرة؟

ثانيا: ما هي الشروط المنصوص عليها بالنسبة لكل من هذه العقوبات في المصادر ذاتها؟ وما هو إجماع العلماء أو بالعلماء الفرادى خلال فترات تاريخ القانون والفقه الإسلامي؟ أين هي الاختلافات حيال هذه الشروط؟ وما هي طبيعة "الظروف المخففة" التي يمكن الحديث بتفصيل من قبل السلطات الدينية عبر التاريخ أو بين مدارس الفكر المختلفة؟

ثالثا: كان العلماء دائما يضعون في اعتبارهم الإطار والواقع السياسي والاجتماعي كأحد الشروط المطلوبة لتطبيق الحدود. وهذه المسألة من الأهمية بمكان لدرجة أنها تتطلب معاملة خاصة ومشاركة في النقاش من قبل المفكرين لا سيما أولئك المتخصصين في العلوم الإنسانية. وبالتالي فمن المهم توجيه السؤال التالي: ما هو الواقع والإطار الاجتماعي والسياسي الذي نسعى لتطبيق الحدود فيه؟ وما هي الشروط المطلوبة فيما يتعلق بالنظم السياسية وتطبيق التشريعات العامة، مثل حرية التعبير والمساواة أمام القانون والتعليم الشعبي وحالة الفقر في المجتمع وعملية التهميش الاجتماعي؟ وما هي في هذا المجال نقاط الاختلاف بين مدارس الفقه المختلفة وبين العلماء؟ وعلى أي أرضية تستند هذه الاختلافات؟

إن تدارس هذه الأسئلة أمر من شأنه توضيح شروط النقاش فيما يتعلق بالمساحات التي تتيحها النصوص للتفسير والتأويل مع الأخذ في الاعتبار في الوقت ذاته حالة المجتمعات المعاصرة وتطورها. هذا التفكير الذي يتم داخل الجماعة الإسلامية يتطلب من البداية فهما مضاعفا للنصوص والأطر؛ وذلك بالالتزام بمقاصد رسالة الإسلام. وإجماعا هذا الأمر لا بد أن يتيح لنا إجابة سؤال يتعلق بمدى قابلية التطبيق، ووفقا لأي طريقة ومنهاج، وما لم يعد ممكنا تطبيقه، آخذين في الاعتبار أن الشروط الواجب توافرها هي ضرب من ضروب المستحيل لأن يتم تحقيقها كلها في آن واحد وكذلك عملية تطوير المجتمعات التي هي في عملية حراك يبعدها عن النموذج الذي يجب أن تحتذيه.

هذا العمل يتطلب من الداخل الإسلامي الوقت والحزم وإقامة فضاءات من الحوار والنقاش وذلك على المستوى القومي والعالمي وبين العلماء والمفكرين المسلمين، وداخل الجاليات الإسلامية، بما أن النقاش لن يدور حول العلاقة مع النصوص، ولكن بشكل متساو علاقة النص بالإطار الذي تطبق فيه. وليس ثمة تطبيق للعقوبات التي تجيز المقاربات القانونية والممارسات غير العادلة كما هو حادث اليوم. إن عملية التجميد تلك من شأنها أن تفرض وتتيح نقاشا هادئا ودون أن يستخدم الأمر كحجة لاحتكار الإسلام. إن الممارسات غير العادلة التي تم تقنينها باسم الإسلام لا بد حتما أن تنتهي على الفور.

قد يفسر البعض هذه الدعوة على أنها محاولة تحريضية للتقليل من شأن المصادر النصية في الإسلام، معتقدين أن مجرد طلب تعليق العمل بالحدود هو خطوة ضد النصوص القطعية للقرآن والسنة. ولكن العكس هو الصحيح، ذلك أن كل النصوص الفقهية يجب قراءتها في ضوء المقاصد التي شرعت بالأساس من أجلها. ومن بين الأمور الضرورية نجد أن أحد الأمور المنصوص عليها هو أن الحفاظ على كرامة الفرد (النفس البشرية) وبسط العدل هي الأمور الأساسية.

وبالتالي فإن التطبيق الحرفي للحدود، والذي لا يراعي الأطر الاجتماعية والسياسية التي سيتم فيها التطبيق -وكذلك دون إبداء أي احترام للشروط المعلنة والصارمة- يبدو كأنه أمر جوهري من التعاليم الإسلامية، بينما هو في حقيقة الأمر خيانة لهذه التعاليم لأنه يؤدي بالنهاية لحدوث مظلمة.

وقد قام الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) بإيقاف العمل بحد السرقة على السارقين حينما علق العقوبات المفروضة بحقهم خلال أوقات المجاعة، وذلك رغم كون النص القرآني قاطعا شديد الوضوح حول هذه العقوبة، ولكن الحال الذي كانت عليه المجتمع آنذاك قضت بأنه سيكون من الظلم أن تطبق العقوبة بشكل حرفي؛ لأن العقوبة في نهاية الأمر كانت ستطاول الفقراء الذين إذا قاموا بالسرقة فسيكون لغرض واحد فقط هو التحايل على فقر مدقع.

ولذلك باسم مبدأ العدل المطلق الذي تقره رسالة الإسلام العالمية، قرر عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) وقف تطبيق هذا النص؛ لأن استمرار التفسير الحرفي للنص كان سيعني عدم الولاء لقيمة عليا من قيم الإسلام ألا وهي العدل. وباسم الإسلام ومن خلال تفسير النصوص قام هو بتعليق تطبيق أحد هذه النصوص. وبالتالي فإن الطلب بتعليق العمل بالحدود هو أمر له سابقة ذات أهمية قصوى.