لمحة تاريخية عن نشأة العلمانية في أوروبا :
بدأت أول ظاهرة للإمتعاض من تدخل البابا عام 1075م عندما أراد ملك ألمانيا ( هنري الرابع ) أن يستقل بتعيين أساقفة ألمانيا .. مما دعا البابا (غريغوريوس) إصدار الحرمان عليه ، و أمر شعبه بمقاطعته ، وهذا أدى الى اضطرار ( هنري الرابع ) الى الحضور للبابا خاشعا طالبا العفو وإلغاء الحرمان .
أما لو أردنا أن نذكر العوامل التي مهدت لظهور العلمانية ونجاحها في أوروبا:
1 ـ الاهتمام الواسع في عصر النهضة بالدراسات الإنسانية ، وذلك لصلتها بالإنتاج وعلاقات الانتاج .. فساهم (دانتي ) في قصيدته الطويلة (الكوميديا الإلهية ) وسخريته من البابوات .. كما دعا (ميكافيلي ) الحكام الزمنيين ، الى التمرد على سلطة الكنيسة لاستكمال قوة سلطتهم ..
2 ـ في القرن السابع عشر ظهر مجموعة من المفكرين .. ( هوبس في بريطانيا ) .. و ( سبينوزا في هولندا ) كما رفض ( ديكارت) فلسفة القرون الوسطى و عدم الاحتكام الى أي سلطة عدا سلطة العقل .. وقد كان (جون لوك ) في بريطانيا أكثر الفلاسفة وضوحا في طلب فصل الدين عن الدولة .. مما حدا بالكنيسة المطالبة بإعدام كل من يتكلم بمثل هذا الكلام .. استشعارا منها بالخوف على سلطتها .. وهذا مما جعل الكتاب يكتبون بأسماء مستعارة ، وينسبون أنفسهم الى أقطار غير أقطارهم ..
3 ـ في القرن الثامن عشر .. تصاعدت فكرة النضال من أجل الحريات التي تواكبت مع سحق كرامة العمال العاملين عند أرباب العمل .. والذين كانوا تحت حماية ثقافة الإقطاع التي تدعمها الكنيسة .. فظهر في فرنسا ( مونتسكيو) و (فولتير ) و ( جان جاك روسو) .. وكان فولتير أشدهم في ذلك عندما قال( إن خرافة الحروب الدينية أهلكت شعوب أوروبا .. و أن لوثر لم يكن مخطئا ) .
4 ـ في القرن التاسع عشر .. استمر الاتجاه نحو النزعة العلمانية ، وكان أبرز من ظهر ( أوغست كونت ) وأن المرحلة اللاهوتية تمثل في حياة البشر المرحلة البدائية المعتمدة على الخيال وتفسير الظواهر لقوى خفية .. والمرحلة الثانية هي مرحلة النهج الميتافيزيقي .. وما بعدها يجب حضور المرحلة الثالثة (الوضعية ) .. لربط علاقات الإنسان بما حوله بوضوح ..
كما ظهر ( فيورباخ) الملحد الذي أثر بدوره على ماركس .. باعتبار أن الإنسان هو محور الفكر .. وليس أي جهة أخرى ..
5 ـ في القرن العشرين تصاعدت وتيرة الإلحاد في أوروبا .. فظهرت كتابات (سيجموند فرويد ) و (جان بول سارتر ) .. فتكثفت الحاجة الأدبية لتطبيق العلمانية ..
لكن وبعد ظهور الشيوعية في العالم .. تصالحت الفكرة الرأسمالية مع الدين وغضت النظر عن تكوين أحزاب ذات صلة دينية ( الحزب الديمقراطي المسيحي) كما استخدم الدين في زيادة حالة التوتر لمواجهة الشيوعية ..
ولا بد الإشارة هنا ، بأن رجال الدين المسيحي قد اختلفوا في العصر الحديث حول موضوع العلمانية .. ففي عام 1924 أعلن البابا (بيوس الحادي عشر) في رسالته ( قبوله بفصل الدين عن الدولة الذي اعتمدته فرنسا .. ولكنه أدان العلمانية المعادية لله والدين ) ..
في عام 1958 ثار الكرادلة للدفاع عن الاستفتاء حول دستور فرنسا العلماني في وجه النشاط الكاثوليكي ضد ذلك الدستور ..
أما إيطاليا مركز الثقل البابوي فقد تم عام 1947 اعتماد العلمانية ، بفصل الدين عن الدولة .. وكذلك في عام 1976 تراجع الحزب المسيحي الديمقراطي الإسباني والمدعوم من أساقفة إسبانيا عن الظهور مجددا .. وهو شعور يوحي بضرورة التقبل الشعبي الأوروبي لفكرة العلمانية ..
في تركيا ما فتئ البرلمانيون في كل مرحلة بالمطالبة بعدم التشكيك بالنهج العلماني .. وسنتناول في الحديث المقبل العلمانية في البلدان العربية .
ــــــــــــ
مراجع :
الموسوعة الفلسفية
العروبة والعلمانية : جوزيف مغيزل
الاسلام في حل مشاكل المجتمعات الإسلامية المعاصرة .. د محمد البهي ص 12
يتبع
__________________
ابن حوران
|