عرض مشاركة مفردة
  #25  
قديم 09-07-2006, 07:25 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

عربيا .. دور رجال الدين في دعم ومعارضة الحكومات :

لو أتينا لمناقشة الشكل الكهنوتي في الإسلام ، لرأينا أن تلك الصفة غير موجودة به ، كما هي عند الأديان الأخرى ، وأنه لم يظهر صراع على مر التاريخ بين رجال الدين ورجال الحكم (الزمان ) ، بالشكل الذي ظهر في أوروبا ، ولكن لا بد لنا من أن نذكر ، أن الدين كان ولا يزال يستخدم كورقة لتزكية الحكام ، واكتسابهم قوة ( كاريزمية ) إضافية ..

وليس غريبا على استخدام تلك الورقة ، فهي سمة مشتركة عند كل دول العالم القديم ، من الفراعنة الى أهل الرافدين الى الأكاسرة الى أمراء أوروبا الخ .. حيث كان الفراعنة يحكمون على أساس أنهم أبناء الآلهة ..وهكذا كان يفعل غيرهم في العراق القديم وبلاد فارس ..

ولم يخرج الحكام المسلمون عن مثل تلك المحاولات ، فعندما حوَل الخليفة الأموي (معاوية بن أبي سفيان ) الحكم الى وراثي ، اعتمد على مقولة ( أن الأرض لله ) و أنه خليفة الله في الأرض ، فيهب حكمها لمن يشاء . وهذا ما جعل بعض الأتقياء المسلمين ك (أبي ذر الغفاري ) ينظرون بعين غير راضية لتلك الاجتهادات ..

وقد زادت تلك السمة عند العباسيين ، وبرز ذلك في خطبة أبي جعفر المنصور التي قال فيها : ( أيها الناس ، لقد أصبحنا لكم قادة وعنكم ذادة ، نحكمكم بحق الله الذي أولانا وسلطانه الذي أعطانا ، و إنما أنا سلطان الله في أرضه وحارسه على ماله ، جعلني عليه قفلا ، إن شاء يفتحني لإعطائكم و إن شاء يقفلني)*1

وإن لم نشأ أن نأخذ أقوال المنصور من زاوية التفكير النظري الواسع ، فإنها استغلت لتكون كأنها نظرية عقائدية ، استغلت في التوسيع لفكرة الإمامة عند منظري الشيعة ، والذي يكون فيه الإمام وفق نظريتهم معصوما ، وأن التشريع السماوي قد انتهى .. فعلى الأرض وكيلها يدبر نيابة عن الله شؤونها *2

لا شك أن نظريات مثل هذه وضعت بإسم الإسلام ، تشكل عند تطبيقها من قبل حكام يفتقرون للكفاءة والإخلاص طريقا للاستبداد والتخلف .. رغم أن شروحات تلك النظريات تتسم بالعدل والمساواة و تختصر كل المثاليات التي تبشر بذلك .

فالإمام المنتظر سيملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت جورا .. ولكن النتيجة العملية لكل هذا النشاط الذهني الذي امتد قرونا طويلة وهو يشرح تفاصيل التفاصيل ، لم يوصل الأمة إلا المزيد من التفكك و الجمود ..

وهكذا كنا نجد أن الفقهاء القريبون من الحاكم يشرحون للعامة عدله ووجوب طاعته ، في حين أن المعارضين ، يكتبون وينشرون كل تفاصيل عن جوره وظلمه ووجوب تنحيته !

وكان الحكام المسلمون لا يتوانوا في ملاحقة الفقهاء الذين لا يرضون عن أرائهم في مسألة ما .. ( الحجاج و أبو سعيد الخدري ) و ( المأمون وابن حنبل ) .. وغيرهم ..

لذا فإننا لو تجردنا من تعاطفنا لحاكم أو فقيه ، وناقشنا الموضوع باعتباره تاريخي سياسي ، لرأينا أن أجدادنا كانوا يميلون للمنهج ( البراغماتي ) في تسيير أمور دولهم .. وهي صفة يتساوى فيها معظم حكام الأرض وفي كل العصور ..

لكن استمرار التركيز على استنهاض أفكار ، يحلو للمتكلمين أن يبعثوها كما يتصوروها .. لا كما كانت أصلا . لذلك قادت تلك الجهود لتنتشر في عصر المماليك والعثمانيين عبارات مثل ( ان السلطان ظل الله على الأرض ) و (نائبه الموكل بخلقه ) و ( سيفه المسلط على رقاب العباد ) *3

كل هذا أدى لظهور جهود تدعو الى الإصلاح الديني في نهاية القرن التاسع عشر ..

يتبع

المراجع :
1 ـ الإسلام والسلطة الدينية .. د محمد عمارة ص 21 .. وانظر أيضا الإسلام وأصول الحكم علي عبد الرازق ص 4
2 ـ د محمد عمارة المصدر السابق ص 8
3 ـ الإسلام والعروبة د محمد عمارة ص 72
__________________
ابن حوران