عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 11-07-2006, 10:08 AM
المصابر المصابر غير متصل
كاتب مغوار
 
تاريخ التّسجيل: Mar 2006
الإقامة: أرض الله
المشاركات: 3,304
إرسال رسالة عبر ICQ إلى المصابر إرسال رسالة عبر MSN إلى المصابر إرسال رسالة عبر بريد الياهو إلى المصابر
إفتراضي


ولد شامل باساييف عام 1965 في قرية فيدينو جنوب شرق الشيشان ، وهو أحد ثلاثة إخوة ، وقد كان شقيقه الأكبر "شيرفان باساييف" قائد مدينة باموت خلال الحرب الشيشانية الأولى ، أما شقيقه الأصغر فاستشهد عام 1995 في فيدينو .. تزوج باساييف من زوجته الأولى - و هي أبخازية - ابان مشاركته في الحرب التي خاضتها أبخازيا لاستقلالها عن جورجيا ، وله من هذه الزوجة صبي وأربعة بنات ، و في عام 1999 تزوج للمرة الثانية من شيشانية و أنجب منها بنتا ..

انتسب شامل عام 1987 لمعهد الهندسة في موسكو , ولدى تخرجه - ومثل كثير من أقرانه الشيشانيين - التحق بالجيش السوفييتي السابق لأداء الخدمة العسكرية ولإكتساب المهارت القتالية والتعلم على الأسلحة الحديثة ..

عندما أعلنت الشيشان استقلالها في مطلع التسعينيات ، وظهرت النوايا الروسية : قام بتشكيل "وحدات المجاهدين الخاصة" مع بعض أعوانه ، وحمل على عاتقه صد الهجوم الروسي وإحياء ذكرى آباءه وأجداده ، وفي غضون أشهر ذاع صيته وعرفه الشيشانيون لشدة نكياته في العدو ولشدة بأسه وصدق عزيمته ، فالشعب الشيشاني يعشق البطولة ويعرف جيدا معنى الرجولة ..

لم يكن شامل رحمه الله قطريا أو إقليميا ، بل كان رحمه الله مسلما يعيش هم المسلمين ويرى أن القوقاز كلها مسلمة وأنه لا ينبغي للكفار أن يحتلوا أرض الإسلام ، ولذلك انضم إلى الوحدة العسكرية التابعة لكونفدرالية الشعوب القوقازية, وشارك في النضال ضد الروس في إقليم كاراباخ ، وفي العام 1992م أصبح قائد الوحدات العسكرية التابعة للكونفدرالية ودعم مع هذه الوحدات النضال الذي خاضته أبخازيا في العام نفسه من أجل استقلالها عن جورجيا , ولعب دورا كبير في ذلك الاستقلال.

في عام 1994م توجه إلى ولاية "خوست" الأفغانية لمدة شهرين حيث عرين المولوي جلا الدين حقاني أعزه الله ونصره , ثم عاد شامل إلى الشيشان ليجاهد الروس هناك تحت إمرة الرئيس الراحل جوهر دوداييف – رحمه الله – فشارك في بدايات المعارك ضد المرتدين عملاء الروس من الشيشانيين الذين أرادوا الإنقلاب على دوداييف بأمر من موسكو ، فأذاقهم المجاهدون وبال أمرهم علقما وذلا وهوانا ..

وفي ديسمبر عام 1994م أصبح باساييف قائد جبهة فيدينو عند دخول القوات الروسية إلى الشيشان. وقد خطط لعملية احتجاز الرهائن في مدينة "بودينوفسك" الروسية (في يونيو 1995) , وكانت عملية استراتيجية استهدف من خلالها لفت أنظار العالم لما يحدث في الشيشان ، وأتت العملية أكلها وذاع صيته على مستوى العالم وعرف العالم ما يجري في القوقاز ..

في أبريل 1996م انتُخب "صقر القوقاز" قائدا للقوات الشيشانية المسلحة ، وأدار الهجمة الكبيرة التي استهدفت القوات الروسية في العاصمة غروزني ، وكانت معركة تاريخية شارك فيها ثلاثمائة مجاهد ضد خمسة عشر ألف روسي يحتلون جميع المواقع الإستراتيجية في المدينة ، وبعملية أشبه بالمعجزة العسكرية استطاع هذا العبقري تحرير جروزني وسحق القوات الروسية ليُجبر موسكو على القبول بمطالب المجاهدين والانسحاب من الأراضي الشيشانية أذلة صاغيرن ، فكان الفتح المبين على يد هذا القائد الذي لم تعرف القوقاز مثله منذ أكثر من قرن من الزمان ..

استقال "شامل" رحمه الله في ديسمبر 1996م من رئاسة القوات الشيشانية المسلحة ليترشح لمنصب الرئاسة في الشيشان. فأجريت الانتخابات في يناير 1997م ، وفاز بنسبة 23.5% من أصوات الناخبين محتلا المرتبة الثانية بعد اصلان مسخادوف ..

وفي أبريل 1997م عينه الرئيس الشيشاني أصلان مسخادوف رئيسا للوزراء , كما انتخب رئيسا لكونغرس الشعبين الشيشاني والداغستاني الذي تأسس في يونيو 1998م. وبموجب قرار اتخذه الكونغرس في اجتماعه الثاني أصبح باساييف رئيس مجلس الشورى الإسلامي الذي تأسس في أغسطس 1999م.

عند مهاجمة القوات الروسية لمنطقة بوتليخ الداغستانية (في أغسطس 1999م) توجه صقر القوقاز الأمير "باساييف" مع سيف الإسلام الأمير "خطاب" - رحمهما الله - إلى المنطقة للدفاع عنها. وعادا إلى الشيشان مطلع سبتمبر من العام نفسه بعد غزو روسيا للشيشان مجددا , واستمرا في قتالهما للقوات الروسية ، وبُترت ساق باساييف (في فبراير 2000م) بعد ان انفجر فيه لغم بينما كان يقود انحياز المقاتلين من غروزني ليلا ، قال الأمير "زليم خان يندرباييف" رحمه الله في مقالة له "ولعلي أتحدث عن لحظات الخروج من مدينة (غروزني) التي طوقها العدو من جميع الجهات ، فبعد معارك طاحنة وصعبة وجدت المفرزة الأمامية للمجاهدين منطقة شاسعة مزروعة بالألغام ، ولا يمكن الالتفاف حولها ، ولا بد من عبورها دون تأخير ؛ لأن التأخير يعني اكتساح العدو للجميع !.. عندها تقدم قائد العملية (شامل باساييف) إلى ساحة الألغام قبل الآخرين وقال لمن معه : إذا صادفت لغماً فانفجرتُ فلا تتمهلوا ، جروني جانباً أو إلى الوراء ، وتقدموا وافعلوا هذا كل مرة عند انفجار شخصٍ ما !. وتقدم (شامل) وانفجر فيه اللغم ، فسحبوه جانباً ، وحدث الارتباك ، ولكن رئيس بلدية غروزني (لاتشي دوداييف) - وهو ابن أخ جوهر دوداييف الرئيس السابق لجمهورية الشيشان - تقدم إلى الأمام مع المجاهدين وشق الطريق فانفجر فيه لغم ووقع شهيداً ، وهكذا سقط المجاهدون واحداً تلو الآخر في ساحة الألغام ، واستشهد منهم سبعة وعشرين مجاهداً بعد أن فتحوا الطريق الوحيد لخروج المجاهدين من المحاضرة" (انتهى) ..
هذه هي القيادة الفذة ، وهذا هو الصدق والإخلاص والتضحية ، لم يكن شامل في المؤخرة ، بل كان يقود الرجال إلى المعالي وهو أمامهم يقتحم الأهوال لا يبالي بنفسه في سبيل قضيته ، ومثل هذا لا بد أن يخشاه عدوه ، فالذي يقتحم الموت لا يخاف البشر ، والخوف أول الوهن ، ومن كان هذا شأنه فإن عدوه لا بد خائف منه ، ولا أظن أن مثل هذا الرجل يجرؤ أحد أن يقتله ..

لقد تم اغتيال القائد خطاب رحمه الله بطريقة دنيئة تعبر عن حالة اليأس والجبن الذي وصل إليه الروس ، ومن قبله دوداييف وزليم خان ، ولا أظن الروس يقدرون على مواجهة شامل وجها لوجه ، ولا أظن قصتهم وعمليتهم التي زعموها إلا حلم يراود سادتهم الذين يعلمون جبن وخور جنودهم الذين لا يقاتلون عن مبدأ أو عقيدة ..

إن أغلب الظن أن يكون مقتل القائد شامل رحمه الله عرضي ، بمعنى أنه حادث ليس لقوات الروس ولا المنافقين يد فيه ، فهم أجبن من أن يقتربوا من صقر القوقاز ومخالبه القاتلة .. إن لكل إنسان أجل ، وأجل "صقر القوقاز" ما كان ليُخطئه ، وقد كُتب عليه الموت في الداغستان (في 14 جمادى الآخر لعام 1427هـ الموافق للعاشر من يوليو 2006م) ليلحق بصاحب دربه وصديق جهاده خطاب في جنان الخلد بإذن الواحد الديان ..

مات شامل عن عمر يناهز الـ (41) سنة ليقول لشباب أمته بأن التاريخ لا يكتبه الرجال بأعمارهم بل بأفعالهم ، فكم طاعن في السن مات ولم يعرفه أحد ، وكم شاب أخذ الموت جسده وبقيت ذكراه في قلوب المسلمين ..

إن مثل هذه القيادات قلما تتكرر في تاريخ الأمم ، وقلما ينسى الناس بطولات أمثال هؤلاء الرجال ، فشامل – رحمه الله – لم يكن قائدا عسكريا عاديا ، ومن تابع عملية تحرير جروزني ، أو تلك العمليات التي خاضها في عمق الأراضي الروسية يستطيع أن يلقي الضوء على بعض ملامح عبقرية هذه العقلية العسكرية النادرة ، والحقيقة أن المسلمين مقصرون في الإستفادة من هذه الكفاءات وهذه الخبرات التي يدفع غيرهم في سبيل تحصيلها المليارات ..

لو كانت هناك جدية في النهوض العسكري للأمة لكانت عمليات باساييف تدرس في الكليات الحربية ، ولبحث الباحثون وكتب الكاتبون عن هذه العقليات الإستثنائية والعبقريات الإبداعية ، فما "سن تزو" وما "الإسكندر المقدوني" وما "هانيبال" وما "جيفارا" وما "نابليون" وما غيرهم من قادة الكفار أمام هؤلاء العمالقة .. إن عزائنا أن بعض إخوان شامل استفادوا من عقليته الفذة ليطبقوا بعض خططه الإبداعية الجريئة ضد العدو الروسي ، وهذا أدنى ما يستفاد من هذه القيادات ..

لقد كان شامل رحمه الله في السنوات الأخيرة قريبا جدا من الأنصار الذين هاجروا إلى الشيشان لنصرة إخوانهم في الدين ، وكان من أقرب الناس إليه "سيف الإسلام خطاب" رحمه الله ، ومفتي المجاهدين "أبو عمر السيف" وجماعة من المجاهدين العرب وغيرهم من الذين حلقوا في فضاء الشيشان مع الكواسر وتحت قيادة صقر القوقاز ليقطعوا بمخالبهم وجوه الروس ويردوهم على أعقابهم خاسرين ..

كأن الأمير "شامل" رحمه الله استطال الحياة بعد رفاقه ، وكأنه كان يغبطهم على ميتة طالما تمناها ، كما تمناها ونالها إخوانه ، فكانت عينه ترمق الأعداء والأخرى تحلق في السماء ، وكأنني به لم يطب له مطعم ولا مشرب بعد أبو عمر وأبو الوليد وخطاب ، فرحم الله هؤلاء الرجال كم أتعبوا من بعدهم ..

لقد قتل الروس القائد الفذ "جوهر دوداييف" ولم يتوقف الجهاد ، وقتلوا "أصلان مسخادوف" ولم يتوقف الجهاد ، وقتلوا "سيف الإسلام خطاب" ولم يتوقف الجهاد ، وقتلوا زليم خان" ولم يتوقف الجهاد ، وقتلوا "أبا الوليد الغامدي" ولم يتوقف الجهاد ، وقتلوا "أبا عمر السيف" ولم يتوقف الجهاد ، وها هو "شامل باساييف" يغادر أرض الجهاد ، ولن يتوقف الجهاد – بإذن الله - في الشيشان حتى يخرج آخر جندي روسي من أراضي المسلمين في القوقاز ، لا من الشيشان وحدها ، وهذا ما تعاهد عليه إخوان شامل ..

إن جهاد هذه الأمة ليس جهاد رجل ، بل جهاد مبدأ وعقيدة ، والأمة تزخر بالرجال الأفذاذ ، ولإن كان صقر القوقاز عند القوم "الإرهابي الأول" في الشيشان ، ذلك الإرهابي الذي زعموا – لشدة خوفهم – أنهم قتلوه ثلاث مرات قبل أن يموت حقيقة ، فإن من إخوان شامل من هو أشد منه إرهابا لأعداء الله ، وأشد نكاية ، ولا والله لم تعقم نساء الشيشان أن يلدن شاملاً آخر يذيق الكفار بأس الإسلام وقوته ..

إن قوة هذا الدين لا تُحبس في جسد بعينه ، بل هي قوة روحية معنوية تنتقل من جسد إلى جسد ومن شخص لآخر ، فكان دوداييف ثم خطاب ثم أبو الوليد ثم شامل وسيأتي من يحمل الراية عنهم أجمعين فتتحول وقوتهم القاهرة وعزيمتهم الباهرة في شخص واحد يكون أشد منهم إرهابا وأعظم فتكا بالأعداء لإجتماع خبراتهم وتجاربهم وعزيمتهم فيه ، فليفرح الروس قليلا ، فسوف يبكون كثيرا ..

اللهم ارحم عبدك شامل وتقبله في الشهداء .. اللهم اجعل روحه في حواصل طير خضر معلقة تحت عرشك يا كريم يا عظيم .. اللهم ألبس عبدك "شامل" تاج الوقار وأره مقعده من الجنة وامنه من الفزع الأكبر وزوجه الحور العين وشفعه في أهله واغفر له جميع ذنبه .. اللهم ارزقه الفردوس الأعلى واجعله مع الصديقين والشهداء والصالحين ، وألحقنا بهم يا كريم يا رؤوف يا رحيم ..


والله أعلم .. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ..


كتبه
حسين بن محمود
14 جمادى الآخر 1427هـ
__________________
الله أكبر