معاني إستشهاد قادة الجهاد
معاني استشهاد قادة الجهاد
حامد بن عبدالله العلي
الحمد لله ربّ العالمين ، أشهد أن لا إله إلاّ هـو وليّ المتقين ، وأشهد أنّ محمداً صلـــى الله عليه وسلـم عبده ورسوله ، قائدالمجاهدين ، وسيد الغـرّ المحجّلين ..
وبعــد :
إنّ حكاية جهاد أمّتنا المشرف اليوم ، هي والله حكاية إنتصار رايات الحق الظافرة ، المتجلّلة بالآيات الباهرة ، وهي ذاتها قصة إنتصار الحق الأوحد الذي يحمله الإسلام ، في معركته مع باطل الجاهلية ، في كلّ زمان ،،
حيث تتراجع المعايير المادية ، فتتحوّل إلى آيات تثبت أن هذه المعركة محسومة النتيجة قبل أن تبدأ ، فالحقّ وأهله منصورون ، والعاقبة لهم مقطوعٌ بها ، ولكنّ الشأنّ فقط ، فيمن يستعمله الله تعالى في هذه المعركة ، وفيمن يُبعد عن الصفّ ، أعاذنا الله من ذلك .
ولنضربْ مثلاً من التاريخ ، للمنهزمين الذين يقولون كيف تقاتلون عدواً لاطاقة لأحدٍ بقتاله ! كما قال المنافقون من قبل ( غَرَّ هَؤُلاءِ دِينُهُمْ ) .
حكى لنا التاريخ قصة فيها عبرة تذكّرنا بقوله تعالى ( كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّـهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ )
فقد خرج ارمانوس ملك الروم عام 463هـ ، إلى بلاد المسلمين في مائتي ألف مقاتل ، ومعه خليط من، الروم ، والفرنجة ، والروس ، والصرب ، والأرمن ، والبوشناق ، وسلك سبيله إلى العراق ، وقد أقطع من غروره ، بطارقته الأرض حتى بغداد ، وعين له نائبا على بغداد أيضا ، وذلك كله قبل أن يسير إليها ، وقد عزم أن يبيد الإسلام وأهله ، وإذا انتهى من العراق مال إلى الشام.
ووصل الخبر إلى القائد الإسلامي المجاهد ألب أرسلان ، وكان في أذربيجان فلم يتمكن من جمع الجند ، ولم يكن معه إلا خمسةَ عشر ألفا فقط ، فانطلق بهم إلى أرمانوس الذي كان قد نزل في ملاذ كرد في تركيا .
وقال ألب أرسلان : إنّي أقاتل محتسبا صابرا ، فإن سلمت فنعمة من الله تعالى ، وإن كانت الشهادة فإن ابني ملكشاه ولي عهدي ، وجد في السير ، وأرسل مقدمته أمامه ، فالتقت بمقدمة الروس ، وكان عددهم عشرة آلاف فهُزم الروس ، بإذن الله ، وأُسر قائدهم .
واقترب الجمعان ، وأرسل ا لسلطان إلى ملك الروم يطلب الهدنة ، فقد خافه لكثرة من معه ،
فمن مع ملك الروم خمسة عشر ضعفا أكثر من جيش المسلمين ، فرد عليه ملك الروم لا هدنة إلا في الري
فاستشار ملك المسلمين إمام الجند أبا نصر محمد بن عبدالملك البخاري ، فأجابه :
إنك تقاتل عن وعد الله بنصره ، وإظهاره على سائر الأديان ، وأرجو أن يكون الله تعالى قد كتب بإسمك هذا الفتح ، فالقهَم يوم الجمعة بعد الزوال ، في الساعة التي يكون الخطباء على المنابر ، فإنهم يدعون للمجاهدين بالنصر ،والدعاء مقرون بالإجابة
فلما جاء يوم الجمعة وحان وقت الزوال فصلى أبو نصر بالناس ، وبكى السلطان ، وبكى الناس لبكائه ، ودعا ودعوا معـه بعد الصلاة ،
وقال لهم : من أراد الإنصراف ، فلينصرف فما هاهنا سلطان يامر وينهى ، وإنما جهاد ورغبة في لقاء الله ،
ثم ألقى القوس و النشاب ،
وأخذ السيف ، ولبس البياض ، وتحنط ، وقال ( إن قتلت فهذا كفني )
وزحف إلى الروم ، وزحفوا إليه ، فلما اقترب منهم ترجّل ، ومرّغ وجهه في التراب ، وبكى وأكثر من الدعاء ، وطلب النصر من الله ، ثم ركب ، وحمل على الروم ، وحمل المسلمون حتى وصلوا إلى وسط الروم وحجز الغبار بينهم ،
وما هي إلا جولة حتى أنزل الله نصره ، وهزم الروم ، ومنحوا المسلمين أكتافهم ، فقتلوا منهم خلقا كثيرا ، حتى امتلأت الأرض بالجثث ، وقدر عدد القتلى بمائة وخمسين ألفا ، أي أن كل مسلم قتل عشرة من الروم ، ووقع ملك الروم وبطارقته جميعا أسرى بأيدي المسلمين .
واليوم ، وغدا ، وإلى أن يلاقي المؤمنون مع عيسى عليه السلام ، جحافل الباطل التي تملأ الأرض ، فتضمحل أمام صولة الإسلام ،ستبقى هذه هي المعادلة الوحيدة في دائرة أرض المعركة،
النصر أو الشهادة ، والعاقبة محسومة لنا .
وفي جهاد أمتنا اليوم ، آياتٌ كثيرة ، تجلِّي هذه الحقيقة العظيمة ،
آياتٌ في الأحداث ،
وآياتٌ في الأشخاص ،
والأشخاص العظام هم الذين يُجري الله تعالى على أيدهم الأحداث العظيمة ، فيصنعون تاريخ الأمم
ولهذا كان الحديث عن رموز الأمة ، في غاية الأهمية ، وتتضاعف أهميته ، عندما تكون هذه الرموز في حال الجهاد ، وتتضاعف أكثر وأكثر عندما تكون الأمة، في جهاد تحدد عاقبتُه مصيرها ، كما هو اليوم .
عنوان المرحلة التي تمر بأمّتنا ، هجمة صهيوصليبية تستهدف كلّ مقدساتنا ، شديدة المكر ، بالغة القوة ، مسخرةٌ لها وسائلُ ومادياتٌ على مستوى إمكانات الدول ، إستطاعت أن توظِّف حتى الخطاب الديني ـ المزيف بلا ريب ـ ليسهّل وصولها إلى أهدافها الخبيثة ،
ويقابل هذه الهجمة مشروع واحد ، هو مشروع الجهاد العالمي ، المنطلق من شعوب امتنا ، فالدول سخرت للحملة الصهيوصليبة ، بما لم يعهد مثله في تاريخ الإسلام ،
والمشرع الجهادي يشمل جهاد اللسان ، وجهاد السنان .
وهدفه صدّ هذه الهجمة ، وحماية الإسلام من آثارها المدمرة .
والمعركة تدور رحاها اليوم في فلسطين ، والعراق ، وأفغانستان ،وغيرها .
وهذه المعركة يقودها رجالٌ عظماء ، كما ذكرنا أن الشخصيات العظيمة ، هي التي تصنع التاريخ،
ويجب علينا أن نشير إلى هؤلاء الرموز بما يستحقونه ، ونضعهم في مكانتهم ، ونلقي الضوء على إنجازاتهم ، وجوانب العبقرية والتميّز فيهم .
يجب أن نصنع نحن ذلك ، انطلاقا من فهمنا للمعركة وطبيعتها ، ولانسمح أبدا لأعداءنا أن يفرضوا علينا بالترهيب أن نلغي رموزنا ، ونتكتم عن دورهم المشرف في امتنا ، فإن هذا من أعظم الإنهزام والوهن والضعف .
وعندما يكون الحديث عن قادة عظمت تضحياتهم في أرض هذه المعركة ، فإن الخلافات الجانبية ، والثانوية ، وتعدد الرؤى في جزئيات مشروع المواجهة ، يجب ان يختفي عند الحديث عنهم ،
فقد تجاوزوا برمزيتهم هذه الجزئيات ، عندما وصلوا إلى مستوى أن صارت مجرد أسماءٍهم ترجمةً لمشروع صراع أمة تواجه هجمة على سويداء هويتها .
ولنتحدث الآن عن معاني استشهاد أمير الإستشهاديين ـ نحسبه ونحسبهم كذلك ـ أبو مصعب الزرقاوي ، تنويها لرمز من رموز أمة الجهاد ، وإغاظة للصليبين والصهاينة ، وللمنافقين ، وللذين في قلوبهم مرض ، وللذين أعماهم الحسد ، وألقت الأحقاد على أبصارهم بغشاوة ، فلم يروا الإبداع المتمثل في هذه الشخصية الجهاديّة الفذة .
فدعنا نسجّل عند الله تعالى ، في هذه الليلة ، كلمة حق نقولها فيه ، ودع التاريخ يرقمها ، ودعنا نحتسبها عند الله تعالى ، ابتغاء ثوابه ، وطلبا لرضوانه .
|