نظرة أخلاقية اجتماعية حية :
سبق أهل العراق القديم في نظرتهم الإنسانية كل الحضارات ، فيقول (كريمر) : (لقد تعلق السومريون ، كما يؤخذ مما كتبوه ودونوه ، بحب الخير والصدق ، والقانون والنظام ، والعدالة والحرية ، والاستقامة و الرأفة . كما كانوا يمقتون الشر والكذب والزور وعصيان القانون ، والإخلال بالنظام والظلم والاضطهاد وارتكاب المعاصي والضلال والصرامة وتحجر القلب . وكان حكامهم وملوكهم يتباهون دائما بأنهم أقاموا القانون والنظام في البلاد ، وحموا الضعيف من القوي ، والفقير من الغني ، ومحوا الشر والظلم والعنف )*1
واستمر الأمر على ذلك في عهد الأكديين و البابليين ، ولكنه تناقص عندما انتشرت الحروب في عهد الآشوريين ، وما تبعها من ويلات وخراب .
نسوق مثالين هنا ، الأول من قانون (لبت عشتار ) خامس ملوك سلالة (أيسن) 2017 ـ 1794 ق . م ، إذ جاء في الخاتمة ما يلي :
( استنادا الى كلمة الإله (أونو) الصادقة ، تسببت في أن تتمسك بلاد (سومر ) و (أكد ) بالعدالة الحقة . واستنادا الى أمر الإله ( أنليل ) ، أنا ( لبت عشتار) ابن الإله ( أنليل) قد قضيت على البغضاء و العنف ، وعملت على إبراز العدالة والصدق ، وجلبت الخير للسومريين والأكديين . ونشرت الرفاه في بلاد سومر وأكد ) * 2
والمثال الثاني سنسوقه من نتف وردت في مقدمة و خاتمة شريعة (حمورابي) 1792 ـ 1750 ق . م .. المشهورة ، حيث جاء في المقدمة :
( آنذاك أسمياني ( الإلهان ) أونو و أنليل بإسمي ،
حمورابي ، الأمير التقي الذي يخشى آلهته .
لأوطد العدل في البلاد
لأقضي على الخبيث و الشر
لكي لا يستعبد القوي الضعيف
ولكي يعلو ( العدل) كالشمس فوق ذوي الرؤوس السود (جماهير الشعب)
ولكي ينير البلاد
من أجل خير البشر ) * 3
وجاء في الخاتمة
( أنا حمورابي الملك الكامل
لم أكن مهملا أو مزعجا لذوي الرؤوس السود
لقد بحثت لهم عن أماكن أمينة
وأعنتهم على (حل) مشاكلهم القاسية
وجعلت النور يشرق عليهم
استأصلت دابر العدو من الشمال الى الجنوب
وأنهيت الحرب و أرحت البلاد
وجعلت سكان المدن ينعمون بالصفاء والهناء
فأصبحت الراعي المحسن الذي صولجانه العدالة
ونشرت ظلي الوارف على مدينتي
وفي أحضاني حملت شعب بلاد سومر و أكد
وقد نعموا بحمايتي
وسايستهم بسلام وحميتهم بحكمتي العميقة
لكي لا يظلم القوي الضعيف
ولكي ترعى العدالة اليتيم والأرمل
لقد كتبت كلماتي النفيسة على مسلتي
لأقضي البلاد بالعدالة ولأوطد النظام في البلاد
ولكي أمنح العدالة للمظلوم
عسى أن تسود عدالتي البلاد
دع كل شخص مظلوم وله شكوى أن يمتثل أمام تمثالي
وعسى أن يريح ضميره ( ويقول):
حمورابي ، السيد الذي هو أشبه بالأب الحقيقي للشعب )* 4
وإن دفع الأذى وملاحقة الشرور هي سمة تجسدت في ملحمة (كلكامش) عندما يلتقي البطلان ( كلكامش ) و (أنكيدو ) اللذان تعاونا على قتل (خمبابا) رمز الشر ويخلصوا كل الناس من شروره .. نجد أن كلكامش يشجع أنكيدو بقوله :
( أيليق بصديقي أن يحجم ويتخلف ؟
كلا يا صديقي علينا أن نتقدم ونوغل في قلب الغابة
وسيحمي أحدنا الآخر ، وإذا ما سقطنا في النزال
فسنخلف من بعدنا اسما خالدا ) * 5
ــــ
المراجع
1 ـ صموئيل كريمر / من ألواح سومر/ ترجمة طه باقر ص 192
2 ـ د فوزي رشيد/ الشرائع العراقية القديمة / بغداد1979/ص 66
3ـ المصدر السابق ص 113
4 ـ المصدر السابق ص 168
5 ـ ملحمة كلكامش ص 105
__________________
ابن حوران
|