
23-07-2006, 08:37 AM
|
Banned
|
|
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
المشاركات: 660
|
|
حصار دمشق
قرر الصليبيون مهاجمة دمشق من الغرب، حيث ستوفر لهم غوطتها إمداد مستمرا بالأغذية. وصلوا في 23 يوليو 1148 بجيش من القدس في الطليعة، يتبعه لويس ثم كونراد يغطي مؤخرة الجيش. كان المسلمون متحضرون للهجوم وهاجموا الجيش المتقدم بشكل مستمر عبر الغياط. نجح الصليبييون بشق طريقهم وملاحقة المدافعين عبر نهر بردى إلى دمشق؛ وبوصولهم لأسوار المدينة فرضوا عليها فورا حصارا. وفي 27 يوليو قرر الصليبييون الإنتقال إلى الجانب الشرقي للمدينة الذي كانت حمايته أقل شدة من تلك في الناحية الغربية ولكن ايضا بإمدادات أقل بكثير من الطعام والماء. كان السلطان المجاهد نور الدين قد وصل فعلا وأصبح من المستحيل العودة إلى مواقعهم الأولى الأقوى. واجبر كونراد وبلدوين وجيشه على الانسحاب والعودة إلى القدس.

هزيمة ملوك الصليبية الثلاث ( ما اشابه الليلة بالبارحة ) الهولندي بلدوين الثالث Balduin III )ملك القدس وفرسان الهيكل ورفاقه الملك الالماني KONRAD.III كونراد الثالث والفرنسي Ludwig VII. لودفيغ السابع او (لويس السابع ) وانسحابهم مذعورين امام الهجوم الصاعق لامير جيوش المسلمين السلطان الشهيد نور الدين عام 1148
***
وهذه لمحة بسيطة عن المعركة واثرها البالغ في تكوين نفسية وشخصية السلطان الصالح صلاح الدين فيما بعد و قد شهدها صغيرا _وعمره حوالي عشر سنوات _ مع عمه المجاهد الشهيد : نور الدين محمود بن ايوب زنكي رحمه الله تعالى وجزاه خير الجزاء عن امة محمد ...
كانت تجربة حصار دمشق ومحاولة احتلالها قاسيتين على صلاح الدين، أنه سواء شاهدها مشاهدة عيان واشترك فيها على ارغم من صغر سنه، أو سمع عن تطوراتها، إنه شاهد الفرنج عن كثب يحاولون أن يهدموا ما بنته عائلته، فأحس بعدم الاستقرار، وبالخوف. ومما زاد في أثر هذه الحملة في نفسه أنه فقد أول مرة أخا له عزيزا عليه، استشهد في دمشق وهو يدافع عنها سنة 543هـ/1148م، فأصبحت انطباعاته المريرة بشأن الحملة حافزا له للعمل ضد ذلك العدو، الذي حاول أن يحرمه بلده، وتمكن من أن يحرمه أخاه.(26)
أيقن نور الدين، ونجم الدين أيوب، واسد الدين شيركوه، وغيرهم أن الفرنج سيعودون في محاولات أخرى لاحتلال دمشق، وأدركوا ان حكامها عاجزون عن الدفاع عنها، فبدأوا يعدون لاحتلال نور الدين لها. وكان نجم الدين أيوب يعمل من داخل دمشق لتهيئة الجو الملائم كي يدخلها نور الدين، بينما ساعد أسد الدين نور الدين في الإعداد لدخولها من الخارج. وقد وصف ابن الأثير دور الأخوين في تسهيل دخول نور الدين دمشق بقوله: «فلما تعلقت الهمة النورية بملك دمشق، أمر اسد الدين فراسل أخاه نجم الدين أيوب وهو بها، في ذلك. وطلب منه المساعدة على فتحها، فأجاب الى ما يراد منه، وطلب هو وأسد الدين من نور الدين كثيرا من الإقطاع والأملاك ببلد دمشق وغيرها. فبذل لهما ما طلبا منه، وحلف لهما عليه، ووفى لهما لما ملكها (دمشق)، وصارا عنده في أعلى المنازل، ولا سيما نجم الدين، فإن، سائر الأمراء كانوا لا يقعدون عند نور الدين إلا أن يأمرهم أو أحدهم بذلك إلا نجم الدين أيوب، فإنه كان إذا دخل اليه قعد من غير أن يؤمر بذلك.»(27) ولقد كرر الأخوان العمل ذاته في مصر فيما بعد، إلا إن صلاح الدين ناب عن والده فيه. وبدأ نجم الدين يسطع في دمشق، واختاره نور الدين سنة 551هـ/1156م ليرافقه في حلب، ومنحه إقطاعا. ولا نري لماذا اختار نور الدين صلاح الدين بالذات، ألأنه لمس فيه صفات ميزته من باقي إخوته، أم لأن نجم الدين واسد الدين توسما فيه لما لم يتوسماه في إخوته، فأسلمه لنور الدين ليدربه، وهذا شرف كبير له، ام أن المؤرخين اختاروا أن يركزوا على صلاح الدين من دون إخوته؟
وقد علق ابن خلكان على اهتمام نور الدين بصلاح الدين قائلا: «كان مخايل السعادة عليه (صلاح الدين) لائحة، والنجابة تقدمه من حالة الى حالة، نور الدين يرى له ويؤثره، ومنه تعلم صلاح الدين طرائق الخير وعل المعروف والاجتهاد في أمور الجهاد.»(2 ولم يطل صلاح الدين الإقامة في حلب، فعاد الى دمشق حيث كانت عائلته تتحكم بمراكز إدارية حساسة فيها، فأخوه شمس الدولة توران شاه يعمل شحنة لدمشق، (تولى المنصب سنة 550هـ/1155م); وعمه أسد الدين نائب عن نور الدين في مشارفة الديوان، ووالده إداري عام; وعندما قرر أخوه شمس الدولة توران شاه أن يتخلى عن ولاية الشحنة ـ تولاها صلح الدين سنة 551هـ/1156م،(29) وكان عمره آنذاك تسعة عشر عاما. ولئن لم يكن متمرسا في هذا النوع من الإدارة، فإن والده كان خبيرا به، ومن ثم دربه عليه. وهكذا بدأ صلاح الدين يدخل عالم الإدارة والسياسية والقيادة من خلال عمله في ولاية الشحنة. ومع أنه تولى الشحنة اول مرة لمدة قصيرة، واختف خلالها مع صاحب الديوان، إنه لفت الأنظار بعمله وبحزمه وربما بكرمه، حتى أن بعض الشعراء العطشين الى من يرعاهم حاولوا أن ينضموا اليه. وكان من هؤلاء الشعر عرقلة الكلبي الذي اشاد في الى مدائحه له، بحزمه وشدته وقضائه على الفساد بقوله:
تكفرها العقوبة والصفاد
لصوص الشام توبوا من ذنوب
فمولاي الصلاح لكم فساد
لئن كان الفساد لكم صلاحا
إني لكم ناصح في مقالي
وبقوله أيضا:
رويدكم يا لصوص الشآم
يوسف رب الحجا والحجال
وإياكم وسمي النبي
وهذا مقطع أيدي الرجال(30)
فذاك مقطع أيدي النساء
عاد صلاح الدين، بعد أن استقال من شحنة دمشق سنة 551هـ/1156م الى حلب، فعينه نور الدين سفيرا بينه وبني أمرائه، وأصبح يصحبه في سفره ويرافقه في اثناء إقامته، حتى سنة 560هـ/1164م، عندما ولاه نور الدين شحنة دمشق مرة ثانية. كانت هذه الولاية بعد عودته من الحملة الأولى في مصر، التي أدخلته عالم السياسة والحرب ومهدت له الطريق لدخول مصر.(31)
***
دور العلماء في حركة الجهاد:
وكانت مشاركة العلماء بارزة في هذه الحركة الشعبية ، كما برز دورهم في إثارة الناس للجهاد ، بل شارك بعضهم بالفعل في أعمال الغزو والجهاد .. فعلماء مثل القاضي كمال الدين الشهرزوري - زمن عماد الدين زنكي وابنه نور الدين - والقاضي الفاضل والقاضي بهاء الدين بن شداد والفقيه عيسى الهكاري والعماد الأصفهاني - زمن صلاح الدين الأيوبي - كانوا يحتلون المكانة العالية عند أمرائهم، ويكلفون بالأعمال السياسية ومهمات التفاوض والمراسلات مع الخلافة أو الحكام الآخرين؛ فضلاً عن المشاركة الفعلية في إدارة البلاد وأعمال الجهاد (5)..
وكانت للعلماء مشاركة ثقافية وعلمية في الحض على الجهاد وبيان ضرورته وفضله، فقد ألف ابن شداد كتابه "فضائل الجهاد" للسلطان صلاح الدين الأيوبي، وجمع فيه كثيرًا من الأحاديث التي تحث على الحرب وجهاد الكفار.. وألف ابن الأثير صاحب كتاب "الكامل في التاريخ" كتاب "تاريخ أتابكة الموصل"، وأهداه إلى السلطان الصغير القاهر مسعود صاحب الموصل تذكيرًا له بأمجاد آبائه أمراء الموصل؛ وحثًا له على أن يسلك سبيلهم، وألف أبو شامة كتاب "الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية" تمجيدًا لنور الدين وصلاح الدين، وتوجيهًا لأمراء عصره الذين فشا بينهم الخُلف والشقاق، حتى يقتدوا بسيرتهما ويعرضوا عما هم فيه من حروب ومنازعات فرقت كلمتهم، وأطمعت أعداءهم"(6).
بينما أسهم آخرون في الجهاد العسكري بأنفسهم، فمنذ وقت مبكر من عمر الصراع – سنة 504هـ بينما الأمة تعاني الانهيار البالغ مع تأسيس الإمارات الصليبية - تجهز جماعة من الفقهاء البغداديين للمسير إلى الشام لجهاد الصليبيين(7)، وشارك الفقيه عيسى الهكاري مع صلاح الدين في معاركه، وأُسر في موقعة الرملة سنة 573هـ، فافتداه صلاح الدين(.
وفي المعركة الكبرى التي نشبت عند عكا سنة 585هـ قتل الظهير أخو عيسى الهكاري، وكان والي بيت المقدس، وقد جمع بين الشجاعة والعلم والدين، وقُتل جمال الدين أبو علي بن رواحة شيخ ابن الأثير المؤرخ(9)، وفي حصار الصليبيين دمياط سنة 615هـ شارك العلماء في حشد الناس للجهاد , وفي أعمال القتال نفسها، مثل تقي الدين طاهر الحلي الذي كان يحرض العامة على الجهاد، والفقيه المالكي جلال الدين عبدالله بن شاس الجذامي السعدي الذي قاتل بنفسه (10)..
وتصدى العلماء في دمشق مثل عز الدين بن عبد السلام شيخ الشافعية , وأبي عمرو بن الحاجب شيخ المالكية لتخاذل الصالح إسماعيل حاكم دمشق الذي سلم الصليبيين بيت المقدس وصفد والشقيف أرنون وغيرها، وسمح لهم بدخول دمشق لابتياع السلاح، فأفتى العز بن عبد السلام بتحريم بيع السلاح للفرنج؛ وتوقف عن الدعاء للصالح إسماعيل على منبر جامع دمشق، وظل في معارضته الشديدة حتى أمر الصالح باعتقاله، ثم أطلق سراحه، فاتجه إلى مصر؛ وذلك سنة 639هـ(11).
واستمرت مشاركة العلماء في أحداث الجهاد في عصر المماليك؛ ففي زمن بيبرس اشترك العباد والزهاد في فتح أرسوف سنة 663هـ(12)، كما اشترك الفقهاء في فتح عكا زمن الأشرف خليل بن قلاون ليشاركوا بذلك في تسطير نهاية الوجود الصليبي بالمشرق الإسلامي(13).
دور العامة في حركة الجهاد:
ومنذ وقت مبكر من زمن العدوان الصليبي شارك العامة في التصدي المسلح له ما أمكنهم ذلك، فقد هاجم بعض العامة من الأتراك والعرب مؤخرة الجيش الصليبي وهو في طريقه إلى حصار عرقة؛ حتى كمن لهم الكونت ريموند السانجيلي وفتك بهم، وباغتت جماعة من سكان حصن الأكراد بسهل البقاع الصليبيين المحاصرين لهم، حتى كادت تأسر قائدهم ريموند السانجيلي بعد أن تركه حرسه.
وشارك المطوعة والمجاهدون في بعض المعارك التي خاضها القادة المسلمون منذ بداية الصراع؛ وكانوا يدفعون الثمن الفادح حين تحل الهزيمة بهؤلاء القادة المترفين، مثلما حدث حين شاركوا في جيش كربوغا أثناء حصاره أنطاكية، ولما انهزم حصدتهم سيوف الصليبيين، وشاركوا في جيش الأفضل الجمالي الذي هزم قرب عسقلان سنة 492هـ "وأتى القتل على الراجل والمطوعة وأهل البلد؛ وكانوا زهاء عشرة آلاف نفس".
وقام العامة بدور كبير في المرحلة التالية التي شهدت بواكير الصحوة الإسلامية ومعارك التحرير(1، فكان أعيان الموصل وراء اختيار عماد الدين زنكي واليًا عليهم بعد اغتيال آقسنقر البرسقي، واضطراب أحوالهم بعده، وتخوفهم من سطوة الصليبيين(19)، واستقبل أهل حلب ولاية عماد الدين زنكي بفرحة غامرة سنة 522هـ، وبادر أهل حران إلى تسليمها إليه خوفًا عليها من الصليبيين(20).
وعندما غزا الدماشقة صليبيي طرابلس سنة 531هـ اجتمع مع قائدهم كثير من الغزاة المتطوعة، ومن التركمان أيضًا، ونشبت المعركة التي قتل فيها بونز "كونت طرابلس "(21)، وعندما هاجمت الحملة الصليبية الثانية دمشق سنة 543هـ اشترك المتطوعة والزهاد والفقهاء في قتالهم حتى ردوها (22).
ولما غزا أسد الدين شيركوه مصر للمرة الثانية واتجه إلى الإسكندرية بادر أهلها إلى تسليمها إليه سنة 562هـ، لميلهم إلى مذهب أهل السنة، وكراهيتهم للشيعة، وقدموا إلى صلاح الدين مساعدة كبيرة لما حاصرهم الصليبيون الذين استنجد بهم الوزير الفاطمي شاور، وصبروا على مشاق الحصار حتى انسحب الصليبيون(23).
|