عرض مشاركة مفردة
  #20  
قديم 01-08-2006, 03:50 AM
حق وعدل حق وعدل غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2006
المشاركات: 138
إفتراضي

قبل أن نقوّم أداء النظام في هذا الجانب نشير إلى التأصيل الشرعي العام لهذه القضية:

أولاً: لقد ثبت بالكتاب والسنة أن التمكين للإسلام، ورفع كلمة الله، وإقامة شعائر الإسلام وإظهارها، واجب شرعي على من تولى أمر المسلمين قال تعالى: {الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر}، (الحج؛ 22:41). نقل القرطبي عن الضحاك في تفسير هذه الآية قوله: [هو شرط شرطه الله عز وجل على من آتاه الله الملك]، (تفسير القرطبي 7/73). وقال الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله: [جميع الولايات مقصودها أن يكون الدين كله لله، فإنه سبحانه إنما خلق الخلق لذلك، وذلك هو الخير والبر والتقوى]، (المجموعة الكاملة 9/42). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [يجب أن يعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين، بل لا قيام للدين إلا بها]، (السياسة الشرعية 139). وقال إمام الحرمين الجويني: [الغرض - من الإمامة - استيفاء قواعد الإسلام طوعاً أو كرهاً والمقصد الدين]، (غياث الأمم 138). وقال الماوردي رحمه الله: [الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا]، (الأحكام السلطانية 5). وهكذا فإن الغرض الأول الذي شرعت من أجله الإمامة هو تحقيق الدين على مستوى المجتمع والدولة.

ثانياً: ثبت بالكتاب والسنة أن رفع شعائر الإسلام، والتمكين لدين الله لا يتحصل إلا بقيام الولاة بالأمر بالمعروف، كل معروف، والنهي عن المنكر، كل منكر، ولذا صار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمعناه الشامل واجباً منوطاً بولي الأمر إذا قصّر فيه قصّر عن شعيرة عظيمة من شعائر الإسلام، وإذا نقضه نقض مقصود الإمامة في الإسلام، قال تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر}، (آل عمران؛ 3:110) وقال: {الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وأمروا بالمعروف ،ونهوا عن المنكر}، (الحج؛ 22:41)، وقال تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض، يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر}، (التوبة؛ 9:71)، والإمام وكيل أو نائب عن الأمة في تحقيق عهد المؤمنين مع الله في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد نص شيخ الإسلام ابن تيمية على ذلك بشكل واضح وصريح فقال: [جميع الولايات الإسلامية إنما مقصودها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]، (الحسبة في الإسلام 6). وقد كرر ابن القيم نفس عبارة الشيخ ابن تيمية تقريباً في كتابه الطرق الحكمية في السياسة الشرعية بقوله: [وجميع الولايات الإسلامية مقصودها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]، (الطرق الحكمية 246). وقال الشيخ عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ رحمه الله: [ومما يجب على ولي الأمر: تفقد الناس من الوقوع فيما نهى الله عنه ورسوله من الفواحش ما ظهر منها وما بطن بإزالة أسبابها، وكذلك بخس الكيل والميزان، والربا]، (الرسائل والمسائل 2/11) . قال شيخ الإسلام في حديثه عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: [هذا واجب على كل مسلم قادر وهو فرض على الكفاية، يصير فرض عين على القادر الذي لم يتم به غيره، والقدرة هو السلطان والولاية، فذوو السلطان أقدر من غيرهم، وعليهم من الوجوب ما ليس على غيرهم]، (الحسبة في الإسلام 6).

ثالثاً: ثبت بالكتاب والسنة كذلك أن تعطيل هذه الشعائر وإنعاش الباطل، وإضعاف الحق سبب في الهلاك والدمار والعذاب الدنيوي، فضلاً عن الإثم المترتب على ذلك، قال تعالى: {وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميراً}، (الإسراء؛ 17:16). قال القرطبي في تفسيرها «وقيل أمّرنا: جعلناهم أمراء لأن العرب تقول: أمير غير مأمور أي غير مؤمر، فإذا أراد (الله) إهلاك قرية مع تحقيق وعده على ما قال تعالى أمر مترفيها بالفسق والظلم فحق عليها القول بالتدمير]، (تفسير القرطبي 1/230). وقد تظافرت الأحاديث النبوية في هذا المعنى فمنها ما رواه الترمذي وأبو داود عن عبدالله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما وقع النقص في بني إسرائيل، كان الرجل منهم يرى أخاه يقع على الذنب، فينهاه عنه، فإذا كان الغد، لم يمنعه ما رأى منه أن يكون أكيله وشريبه وخليطه، فضرب الله قلوب بعضهم ببعض، ونزل فيهم القرآن فقال: {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانو يعتدون}، (المائدة؛ 5:78)، وقرأ حتى بلغ: {ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيراً منهم فاسقون}، (المائدة؛ 5: 78-81)».

وعند الترمذي وأبي داود كذلك عن قيس بن أبي حازم رضي الله عنه قال: قال أبو بكر بعد أن حمد الله وأثنى عليه: (يا أيها الناس، إنكم تقرأون هذه الآية وتضعونها على غير موضعها: {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم، لا يضركم من ضل إذا اهتديتم}، (المائدة؛ 5: 105)، وإنما سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه، أوشك أن يعمهم الله بعقاب» وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي، ثم يقدرون على أن يغيّروا ولا يغيّرون، إلا يوشك أن يعمهم الله بعقاب»). وعند أبي داود عن جرير بن عبدالله البجلي رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من رجل يكون في قوم يعمل فيهم بالمعاصي، يقدرون على أن يغيّروا عليه ولا يغيّرون، إلا أصابهم الله منه بعقاب قبل أن يموتوا». وعند الترمذي عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «والذي نفسي بيده: لتأمرنّ بالمعروف، ولتنهونّ عن المنكر، أو ليوشكنّ الله أن يبعث عليكم عقاباً منه، ثم تدعونه فلا يستجيب لكم».

فهذه الأدلة، وغيرها كثير، دليل قاطع على أن تقصير الأمة متمثلة في نوابها، وعلى رأسهم الحاكم، في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبب مباشر في حلول العذاب الدنيوي فضلاً عن الإثم والسيئات، فكيف إذا كان الحال أكثر من مجرد تقصير، بل أمر بالمنكر ونهي عن المعروف وإشاعة للفاحشة ودفاع عن الباطل، وحرب للدعوة؟!

رابعاً: نص العلماء على أن الطائفة الممتنعة التي تصر على تعطيل الشرائع الثابتة، أو استحلال الحرام الثابت الذي لا عذر لأحد فيه، فإنها تعامل معاملة مانعي الزكاة الذين قاتلهم أبو بكر رضي الله عنه ليس لإنكارهم النبوة، ولا القرآن، ولا حتى لتركهم الصلاة، بل لمجرد تعطيل تلك الشعائر الثابتة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: [وأيما طائفة ممتنعة انتسبت إلى الإسلام وامتنعت عن بعض شرائعه الظاهرة المتواترة فإنه يجب جهادها باتفاق المسلمين حتى يكون الدين كله لله]، (السياسة الشرعية ص108). ويقول في موضع آخر: [فأيما طائفة امتنعت من بعض الصلوات المفروضات أو الصيام أو الحج، أو التزام تحريم الدماء والأموال والخمر والزنا، أو عن نكاح ذوات المحارم، أو عن التزام جهاد الكفار، أو ضرب الجزية على أهل الكتاب، وغير ذلك من واجبات الدين ومحرماته التي لا عذر لأحد في جحودها وتركها، التي يكفر الجاحد لوجوبها، فإن الطائفة الممتنعة تقاتل عليها، وإن كانت مقرة بها]، (الفتاوى ج28 ص503). وتأمل قوله: [أو التزام تحريم الدماء والأموال والخمر والزنا]، وأين يقع الربا في ذلك، وتأمل قوله كذلك: [وإن كانت مقرة بها]، فلا يكفي الإقرار بل لابد من التطبيق.

وبعد هذا الاستعراض لما يفرضه الإسلام على الدولة من إقامة الشعائر، والتمكين للدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وخطر تعطيل ذلك على المجتمع، دعنا نرى إنجاز النظام السعودي في هذا الجانب ونقوّمه من هذا المنطلق، ونرجو من إخواننا الذين يحرصون على إصابة الحق في معتقدهم وعملهم، أن يتأملوا الأمر بحنكة وفطنة ويتخلوا عن السذاجات والتبسّط وخداع النفس ويقبلوا بحقائق الأمور ولا تغرهم الدعاوى والافتراءات.

حين ننظر إلى النظام السعودي الحالي بهذه الطريقة نخرج باستنتاج غريب مؤدّاه أن ذلك النظام لم يقصر في ذلك الواجب الشرعي الذي من أجله شرعت الإمامة في الإسلام، بل نقضه نقضاً، وعمل على خلافه، ولقد تبين أن تعامل النظام مع قضية التمكين لدين الله في الأرض، وإظهار الشعائر، والدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، عبارة عن خطة كاملة واستراتيجية عريضة، مؤداها مسخ المجتمع في جزيرة العرب، وبتر الأمة عن إرثها الإسلامي العظيم، وتحويل المسلمين إلى مجرد أفراد من المسلمين كل دينه بينه وبين ربه، ونزع الجانب الاجتماعي، وجانب الدولة عن الإسلام على الأقل من الناحية العملية. ودعنا نستعرض بعض النماذج لواقع الشعائر الإسلامية في النظام السعودي الحالي:

النموذج الأول: شعيرة الجهاد، والحد الأدنى منها الذي تعتبر بعده معطلةً تعطيلاً كاملاً هو حماية البيضة وتحصين الثغور، حتى يكون المسلمون في أمن على دينهم وأنفسهم وأموالهم وأعراضهم. قال الماوردي في تعداده لمسؤوليات الإمام: [الثالث: حماية البيضة، والذب عن الحريم، لتتصرف الناس في المعايش وينتشروا في الأسفار آمنين من تغرير بنفس أو مال]، (الأحكام السلطانية ص16). وقال إمام الحرمين: [وأما اعتناء الإمام بسد الثغور فهو من أهم الأمور وذلك بأن يحصن أساس الحصون والقلاع - إلى قوله - ويرتب على كل ثغر من الرجال ما يليق به]، (غياث الأمم ص156). ومن المعلوم من الدين بالضرورة وجوب الجهاد وتحقيق أدنى درجاته بما ذكره ولاشك أن الإضعاف المتعمد للجيش، وانكشاف البلد أمام الأعداء، والاعتماد الكامل في حماية البلاد على أعداء الإسلام، بل جعل الاعتماد على هؤلاء، والاحتماء بهم أمراً عادياً، والاعتراف به صراحة أمام الناس، وعقد المعاهدات من أجله هو تعطيل صريح ونقض كامل لأدنى مراتب تلك الشعيرة العظيمة. وعندما انكشفت تلك الجريمة النكراء في حرب الخليج الثانية، توقع بعض محسني الظن أن الوضع سيصلح، لكن الذي حدث هو التأكيد على هذا الواقع، من خلال بقاء قوات «الحماية» في بلاد المسلمين، والتوقيع على مزيد من المعاهدات في ذلك. ولا نزيد تعليقاً على اعتقادنا اعتبار هذا الوضع مما ينطبق عليه كلام ابن تيمية في وصف الطوائف الممتنعة، حيث اعتبر رحمه الله مجرد التوقف عن جباية الجزية من تعطيل الشعائر فكيف بما ذكرناه.