عرض مشاركة مفردة
  #21  
قديم 02-08-2006, 10:24 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

في الظروف السيئة تضيع معاني البطولة :

في كثير من الأحيان ، يطرح تجار بضاعة يسمونها بضاعة نهاية موسم (ستوكات ) ، أو تلك التي لم يعد لها بريق يشد المشترين . كما يبيع بعض المزارعين محصولهم في الأرض لأصحاب الأغنام ، كمرعى لرعي أغنامهم به . وقد يكون من بين البضائع في الحالة الأولى عينات فائقة الجودة ، ولكن قرار البيع جعل صاحب البضاعة يغض النظر عن تلك العينات الجيدة .. وفي المثال الثاني ، قد يكون في الحقل عينات متفوقة من المزروعات ، ولكن حساب الحصاد و أجور الجمع قد جعل صاحب الزرع ، يقرر بيعه ، مضحيا بالعينات المتفوقة من المزروعات ..

في الحالة العربية المتردية ، لا تخلو الساحات العربية من أفراد أو هيئات تتسم بالبطولة ، فقد يظهر علماء و فلاسفة و مقاتلين أبطال ، وقد يظهر حاكم إداري في ناحية أو قضاء أو محافظة ، يتسم بالعدل و الإخلاص والروح المعطاءة ، كما قد نجد وزيرا أو قاضيا نزيها ، يقوم بعمله على أحسن وجه ، لكن لا تلمسه الحواس ، ولا تقر بالاعتراف بوجود مثل هؤلاء الأبطال .

قد يخالفني البعض الرأي فيما أقول ، مفندا رأيه ، بأن الناس يقروا ويعترفوا بهؤلاء الأبطال و يلمسوا أثرهم في محيطهم الضيق .. و القول لمن يحمل بمثل هذه الرؤية ، أنه صادق فيما يقول .

لكن قد نجد لاعبا فذا في فريق كرة قدم ، ويلمس من يشاهد مهاراته باللعب أنه لاعب فذ ، ولكن في حالة أن يكون بقية أعضاء فريقه ، من أصحاب اللياقات المتدنية و المهارات الضعيفة ، فإن ذلك لن يغير من النتيجة شيئا .. وسيخرج الجمهور بنهاية المباراة ساخطا على الفريق الخاسر ، ومتناسيا دور ذلك اللاعب الماهر والفذ ..

كذلك الحال بوجود موظف عدل نزيه ، في دائرة تسبح بالفساد ، فإن المراجعين لن يعطوا تقييما لتلك الدائرة ، إلا بالفساد ..

إن خميرة الفضيلة ، تؤدي دورها الفعال ، عندما تعزل عن وسط ما يفسد أثرها ، فكما أن اقتراب العجين من بعض أصناف الطعام ( الشمام مثلا) يفسد ذلك العجين و يجعل الخبز الناتج ذا مذاق غير طيب . فإن أثر الفضلاء في أجواء الفساد ، لن يجعل للفضيلة دورا واضحا ..

لكن لا يفهم من ذلك بأن هناك دعوة خفية ، لترك الساحة للمفسدين ، ولو كانت الحجة التي يتسلح بها أصحاب دعوات عزل الفضلاء عن أجواء الفساد لها ما يبررها ، إذ أن حجتهم تقول : بأن الفضلاء يخففوا من رداءة مذاق الفساد ويطيلون بعمره .. إذ أن جهدهم الفاضل سيجير الى من هم في الحكم ، ويضفي عليه بعض جوانب الخير !

إن رصف جهد الخيرين أينما وجدوا ، وانتباه الكتاب و السياسيين و النقابيين لجهدهم و توظيفه في التأشير على حالات الفساد ، فإنه لن يؤشر على بطولة الخيرين والفضلاء فقط ، بل يجعل الحرب مستعرة على الفساد ، حتى يتم تصفيته بشكل نهائي ..

فكثيرا ما نرى من مقالات ووجهات نظر لمثقفين ، ترسم صورا افتراضية عن شعب بكامله ، مفترضة خلوه من أي عنصر خيِر ، وهذا العمل يسهم بشكل أو بآخر بطمس آثار حراك الخيرين في البلاد ..
__________________
ابن حوران