إزالة الفقر أو مولد الاقتصاد السياسي :
الأمير والفقير و الشحاذ :
اعترفت كل الحضارات القديمة بوجود التمايز في القدرة على حيازة الأموال ، فلم تستغرب تلك الحضارات من تكدس المال لدى الأمراء و التجار و الكهنة والمحاربين ، ولم تستغرب وجود ناس فقراء جدا وناس يشحذون ، وكان قد يخرج أمير أو ثري فيتحسن على مجموعات من الناس والعبيد فيطعمهم ويكسوهم و يسكنهم ، فيصبح مشهورا بإحسانه ..
لكن لم تفرد تلك الحضارات في ( الصين والهند والدولة العباسية ) بحوثا كما أوردت في الفلك والرياضيات والطب و الفلسفة .. باعتبار تلك ظاهرة طبيعية كشروق الشمس وهبوب الرياح وغيرها ..
ومن المستغرب حقا ، أن شعوب أمريكا ( قبل اكتشافها ) وشعوب إفريقيا ، قبل وصول أثر الحضارات المعروفة إليها .. قد سبقت العالم في بحث تلك الظاهرة .. فلم يكن متسول واحد في أمريكا قبل غزوها أو إفريقيا قبل إخضاعها لسلطة الحضارات المعروفة ، فقد كانت لدى تلك الشعوب نظم تراعي توزيع الثروات بطريقة فريدة ..
مولد الدولة (العقلانية ) والمساجلات الاقتصادية الأيديولوجية :
نتيجة لاختلاط الأوروبيين بشعوب العالم ، ونتيجة لاتساع رقعة نشاطهم بعد الاستكشافات والحركات الاستعمارية ، ونتيجة لبدء بذور التقدم والتطور التقني والصناعي و ما نتج عنه من تموج لحركة الأموال بيد أصحاب النفوذ .. نتيجة لكل ذلك بدأ حراك ذهني ( أيديولوجي ) لفلسفة ما يجري و الكيفية التي يرى بها المفكر تنظيم العلاقات الإنتاجية بين مختلف الناس .
فبرز محوران تم الإضافة عليهما بكثير من الكتابات ، التي شكلت فيما بعد مدارس عقائدية وسياسية في العالم ..المحور الأول : يعطي الفرد (الفردانية ) معطى أولي ويعتبره هو الأساس في الاهتمام و التشريع والتوجه .. والمحور الثاني : أعطى للأمير ( الدولة و أعوانها ) معطى أولي ، وحملها مسئولية استتباب الأمن و التطور وتوزيع الثروات .. ( هوبز .. وميكافيلي ) ..
لم تحسم المساجلات بين التيارين ، حتى اليوم ، فشاهدنا في نهاية القرن العشرين تحول من نقيض الى نقيض ، قاده دعاة من الطرف الأول ليتحولوا الى الطرف الثاني .. ولم تنتج إجابات واضحة عما جرى ، بل تبريرات ساذجة ومقولات فكرية عقيمة ، خصوصا فيما يتعلق بفكر الاقتصاد السياسي .
فمن زاوية تجد دعاة الحرية الفردية و اعتبار الفرد هو وحدة الاهتمام الرئيسة ، تجدهم تفوقوا على أصحاب اعتبار الدولة المركزية أو ( التوتاليتاريا ) .. وأصبحوا ينادوا بالعولمة ، وهي تتفوق على فكرة الأممية بإلغاء الخصوصيات الوطنية والقومية ..
في حين نجد من كانوا ينادون الى التوتاليتاريا ، يلهثون من أجل أن يقبلوا في صفوف الطرف النقيض ، ويبذلون قصارى جهدهم من أجل أن يرضى ذلك الطرف عنهم ويضمهم الى صفه !
يتبع
__________________
ابن حوران
|