عرض مشاركة مفردة
  #5  
قديم 06-08-2006, 10:39 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

سمو أدب شعب الرافدين

لقد تميزت آداب السومريين والأكديين و البابليين وما أتى بعدهم ،بأنه أدب مكتمل السمات ، معظمه شعري ذو طابع رفيع و خصوصية متميزة ، الأمر الذي جعله يؤثر على الآداب العالمية اللاحقة مع احتفاظه بالأصالة والأسبقية .

يقول الباحث طه باقر ( .. إنما يثير الدهشة لدى الباحث الحديث أن يجد ذلك الأدب الموغل في القدم ، يتميز بالمقومات الأساسية التي تميز الآداب العالمية الشهيرة ، سواء كان ذلك من ناحية الأسلوب وطرق التعبير أم من ناحية الموضوع والمحتوى والصور الفنية المعبرة ، والأصالة والجرأة وأهمية الموضوعات التي تناولها )*1

وقد عرف أدب وادي الرافدين أشكالا تعبيرية نذكر منها :

الأساطير :

هناك فرق بين الحكايات الشعبية الخرافية والأساطير ، وإن كانت الاثنتان قد سبقتا التاريخ المدون .. فالحكاية الشعبية الخرافية تعتمد أسلوب قصصي متخلف يقوم على اعتقاد باطل في كثير من الأحيان ، في حين أن الأسطورة قد تكونت في بدايتها عن تأمل فلسفي فكري عميق ، لتفسير ظاهرة طبيعية ، فأخذت الشعوب تلك الأساطير كثوابت في اعتقاداتها ، وتداخلت تلك الاعتقادات مع المعتقدات الدينية السماوية ، واحتلت مكانا في نفوس الشعوب الذين ورثوها عمن قبلهم من الحضارات المتعاقبة .

وتعتبر منطقة وادي الرافدين مهدا للأساطير ، وقد اشتهر منها أساطير دونت في أعمال أدبية راقية ، كملحمة (كلكامش) و ملحمة (الخليقة) و (الطوفان) ونزول إنانا ـ عشتار الى العالم السفلي وغيرها *2

أدب الحكمة و أجناس أدبية أخرى

قد لا ندلل بتلك العجالة على شيء من غنى آداب وادي الرافدين ، ولكننا سنجتهد في (تكثيف ) ما نود التدليل إليه بتلك الأنواع من الآداب ، التي تشمل حكم ووصايا ، و العدل الإلهي والحوار بين اثنين من أصناف مختلفة من الكائنات ..

فتلك عينة من الحكم السومرية :

• لا تدع الغضب يظهر على وجهك في أثناء الخصام .
• المال مثل الطير لا يعرف موطنا ثابتا .
• إرم كسرة للكلب فيهز لك ذيله .
• لن يترك العدو بوابة مدينة ضعيفة السلاح .
• لا كسب بدون تعب .
• إذا كانت خميرة الجعة حامضة فهل تكون الجعة حلوة ؟
• هل تضرب الثور إذا كان دائبا على السير ؟
• شد حزامك يكن إلهك معك .
• إذا أسأت الى صديقك فما عساك أن تفعل مع عدوك ؟*3

وفي أدب وادي الرافدين نوع من أدب المناظرة ، فهناك مناظرة بين الراعي والفلاح و الصيف والشتاء ، والفأس والمحراث ، والقمح والشعير وغيرها ، وقد سبق أدباء وادي الرافدين غيرهم حتى (كليلة ودمنة ) في الأدب الساخر والحوار بين الحيوانات ، وهاكم هذا النموذج بين البعوضة والفيل :

( وقفت مرة بعوضة فوق ظهر فيل وهو يمشي ، فقالت له : هل أثقلت عليك يا أخي ؟ فإن كنت فعلت فإنني سأنزل عنك عند بلوغنا مورد الماء . فأجابها الفيل: من أنت ؟ لم أحس أنك كنت فوق ظهري ولن أعرف عندما ستنزلين !)*4

كما أجاد أهل الرافدين بالشعر الغزلي .. وقد تكون القصيدة التالية أول قصيدة غزل في تاريخ البشرية وهي بين (أنانا و دموزي ) :

أيها العريس الحبيب الى قلبي
جمالك باهر .. حلو .. كالشهد
أيها الأسد الحبيب الى قلبي
جمالك باهر .. حلو .. كالشهد
لقد أسرت قلبي فدعني أقف بحضرتك ، وأنا خائفة مرتعشة
أيها العريس دعني أدللك
فإن تدليلي لك أطعم وأشهى من الشهد
الخ القصيدة *5

وبرع أدباء من الرافدين في وضع التراتيل

يا منير الظلمات ويا من يمحو الشر في العلى وفي الدنى
تنشر أشعتك كالشبكة على البسيطة و الجبال والبحار
أنت تمسك بأطراف الأرض المعلقة من وسط السماء
....
أنت الذي تحاكم الأشرار و تختبر الأخيار
أنت تحكم في مصير من يغشون في الوزن والحساب
وتعاقب القاضي الذي لا ينهج محجة العدل
والمرتشي الذي يضلل طريق العدل *6

يتبع

المراجع
ــــ
1ـ طه باقر / مقدمة في أدب العراق القديم ص 34
2ـ ملحمة كلكامش / طبعة أنيس فريحة
3ـ طه باقر / المصدر السابق ص 147-156
4ـ المصدر السابق ص 182
5ـ من ألواح سومر / طه باقر ص 364
6ـ طه باقر / مقدمة في أدب العراق القديم ص 202
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس