سمو أدب شعب الرافدين
لقد تميزت آداب السومريين والأكديين و البابليين وما أتى بعدهم ،بأنه أدب مكتمل السمات ، معظمه شعري ذو طابع رفيع و خصوصية متميزة ، الأمر الذي جعله يؤثر على الآداب العالمية اللاحقة مع احتفاظه بالأصالة والأسبقية .
يقول الباحث طه باقر ( .. إنما يثير الدهشة لدى الباحث الحديث أن يجد ذلك الأدب الموغل في القدم ، يتميز بالمقومات الأساسية التي تميز الآداب العالمية الشهيرة ، سواء كان ذلك من ناحية الأسلوب وطرق التعبير أم من ناحية الموضوع والمحتوى والصور الفنية المعبرة ، والأصالة والجرأة وأهمية الموضوعات التي تناولها )*1
وقد عرف أدب وادي الرافدين أشكالا تعبيرية نذكر منها :
الأساطير :
هناك فرق بين الحكايات الشعبية الخرافية والأساطير ، وإن كانت الاثنتان قد سبقتا التاريخ المدون .. فالحكاية الشعبية الخرافية تعتمد أسلوب قصصي متخلف يقوم على اعتقاد باطل في كثير من الأحيان ، في حين أن الأسطورة قد تكونت في بدايتها عن تأمل فلسفي فكري عميق ، لتفسير ظاهرة طبيعية ، فأخذت الشعوب تلك الأساطير كثوابت في اعتقاداتها ، وتداخلت تلك الاعتقادات مع المعتقدات الدينية السماوية ، واحتلت مكانا في نفوس الشعوب الذين ورثوها عمن قبلهم من الحضارات المتعاقبة .
وتعتبر منطقة وادي الرافدين مهدا للأساطير ، وقد اشتهر منها أساطير دونت في أعمال أدبية راقية ، كملحمة (كلكامش) و ملحمة (الخليقة) و (الطوفان) ونزول إنانا ـ عشتار الى العالم السفلي وغيرها *2
أدب الحكمة و أجناس أدبية أخرى
قد لا ندلل بتلك العجالة على شيء من غنى آداب وادي الرافدين ، ولكننا سنجتهد في (تكثيف ) ما نود التدليل إليه بتلك الأنواع من الآداب ، التي تشمل حكم ووصايا ، و العدل الإلهي والحوار بين اثنين من أصناف مختلفة من الكائنات ..
فتلك عينة من الحكم السومرية :
• لا تدع الغضب يظهر على وجهك في أثناء الخصام .
• المال مثل الطير لا يعرف موطنا ثابتا .
• إرم كسرة للكلب فيهز لك ذيله .
• لن يترك العدو بوابة مدينة ضعيفة السلاح .
• لا كسب بدون تعب .
• إذا كانت خميرة الجعة حامضة فهل تكون الجعة حلوة ؟
• هل تضرب الثور إذا كان دائبا على السير ؟
• شد حزامك يكن إلهك معك .
• إذا أسأت الى صديقك فما عساك أن تفعل مع عدوك ؟*3
وفي أدب وادي الرافدين نوع من أدب المناظرة ، فهناك مناظرة بين الراعي والفلاح و الصيف والشتاء ، والفأس والمحراث ، والقمح والشعير وغيرها ، وقد سبق أدباء وادي الرافدين غيرهم حتى (كليلة ودمنة ) في الأدب الساخر والحوار بين الحيوانات ، وهاكم هذا النموذج بين البعوضة والفيل :
( وقفت مرة بعوضة فوق ظهر فيل وهو يمشي ، فقالت له : هل أثقلت عليك يا أخي ؟ فإن كنت فعلت فإنني سأنزل عنك عند بلوغنا مورد الماء . فأجابها الفيل: من أنت ؟ لم أحس أنك كنت فوق ظهري ولن أعرف عندما ستنزلين !)*4
كما أجاد أهل الرافدين بالشعر الغزلي .. وقد تكون القصيدة التالية أول قصيدة غزل في تاريخ البشرية وهي بين (أنانا و دموزي ) :
أيها العريس الحبيب الى قلبي
جمالك باهر .. حلو .. كالشهد
أيها الأسد الحبيب الى قلبي
جمالك باهر .. حلو .. كالشهد
لقد أسرت قلبي فدعني أقف بحضرتك ، وأنا خائفة مرتعشة
أيها العريس دعني أدللك
فإن تدليلي لك أطعم وأشهى من الشهد
الخ القصيدة *5
وبرع أدباء من الرافدين في وضع التراتيل
يا منير الظلمات ويا من يمحو الشر في العلى وفي الدنى
تنشر أشعتك كالشبكة على البسيطة و الجبال والبحار
أنت تمسك بأطراف الأرض المعلقة من وسط السماء
....
أنت الذي تحاكم الأشرار و تختبر الأخيار
أنت تحكم في مصير من يغشون في الوزن والحساب
وتعاقب القاضي الذي لا ينهج محجة العدل
والمرتشي الذي يضلل طريق العدل *6
يتبع
المراجع
ــــ
1ـ طه باقر / مقدمة في أدب العراق القديم ص 34
2ـ ملحمة كلكامش / طبعة أنيس فريحة
3ـ طه باقر / المصدر السابق ص 147-156
4ـ المصدر السابق ص 182
5ـ من ألواح سومر / طه باقر ص 364
6ـ طه باقر / مقدمة في أدب العراق القديم ص 202
__________________
ابن حوران
|