الحياة السياسية و الجيش في تركيا ..
ابتدع مصطفى كمال أتاتورك ، نظاما يكاد يكون فريدا في طبيعته ، وقد شكل مجلسا من عشرة أشخاص لحماية النظام السياسي الذي ابتدعه ، فالجيش الذي يقل عدده عن مليون فرد بقليل ، هو من يراقب الحياة السياسية ، لا العكس ، ورئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء ، هما اثنان من عشرة من قادة تركيا الفعليين ، ومجلس الأمن القومي هذا ، يضم رئيس الأركان العامة للجيش وقادة القوات البرية و الجوية والبحرية وقائد الجندرمة ورئيس المخابرات العامة ورئيس المخابرات العسكرية إضافة الى رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء .
لذلك فإنه منذ عام 1960 كان هناك انقلابا عسكريا كل عشرة سنوات ، بحجة الابتعاد عن أسس ( الأتاتوركية ) ..
انقلاب عام 1960
بالرغم من توافق الحزبين الرئيسيين في مواقفهما ، فإن انقلاب عام 1960 الذي قام به الجنرال (جمال كورسيل ) ، واعتقل فيه كل من جلال بايار (رئيس الجمهورية ) الذي حكم عليه بالإعدام ، ثم خفف الى المؤبد بسبب تقدمه في السن ، وإعدام كل من عدنان مندريس (رئيس الوزراء) و فطين رشدي زورلو (وزير الخارجية ) وحسن بولتكان ( وزير المالية ) فيما تم تخفيف عقوبة الاعدام عن اثني عشر آخرين ..
لقد كانت الدوافع المعلنة من قادة الانقلاب مبينة بالبيان التالي : ( أن القوات المسلحة التركية بقيادة الجنرال جمال كورسيل قامت بالثورة من أجل إقرار الحقوق العامة .. إننا نعلن لحلفائنا و أصدقائنا وجيراننا وللعالم الحر أننا نلتزم بمبادئ الأمم المتحدة و حقوق الإنسان ، والسلام في الداخل والخارج تلك التي وضعها أتاتورك . كما أننا مخلصون لحلفائنا في الناتو (حلف شمال الأطلسي) والسنتو (الحلف المركزي) .. ومعتقدون بالمبادئ التي وجدت من أجلها ، ونكرر أن هدفنا هو السلام في تركيا والعالم )*1
وفي معرض حديثه عن المقارنة بانقلاب الجيش التركي وتشبيهه بما يحصل في المنطقة العربية ( آنذاك ) .. صرح قائد الانقلاب (جمال كورسيل ) في 27/3/1960 قائلا : ( الثورة التركية لا تشبه الثورات الأخرى في دول الشرق الأوسط ، لأنه في الأخيرة تؤدي الثورات الى إيجاد النظام الديكتاتوري . ولكننا نجعل ثورتنا أداة لإيجاد الديمقراطية (!) ) *2
أدى الانقلاب الى اعتقال 300 نائب بالبرلمان ، وطرد أربعة آلاف ضابط من الجيش التركي ، بينهم 235 ضابط برتبة جنرال .. وهو تشديد قبضة القوة المسيطرة على تنظيمات الجيش ..
كما بادر (عصمت إينونو) المبعد عن الحياة السياسية لمدة عشر سنوات ، بفعل تولي خصومه الحكم ، الى المبادرة بتأييد الانقلاب وخاطب حزبه ( الجمهوري) قائلا : ( إنني أدعو حزبي الى أن يثق بما قام به الجيش ، وأن ينتظروا المستقبل المشرق القائم على أسس العدالة الديمقراطية الحقة ، والاعتماد على تقاليد الجيش التركي الراسخة باعتباره حامي أسس الديمقراطية التي وضعها أتاتورك ) * 3
المراجع
ـــ
1 ـ ابراهيم خليل احمد / تركيا المعاصرة / الموصل 1988/ ص 168
2ـ احمد نوري النعيمي /ظاهرة التعدد الحزبي في تركيا 1945ـ1980 /بغداد / 1989 ص 138
3ـ عماد احمد الجواهري /المبادئ الأتاتوركية / مجلة دراسات عربية (المتوقفة حاليا) / دار الطليعة / بيروت /العدد 8/ 1985
__________________
ابن حوران
|