ولا يخفى على الباحث ما حظي به ابن حزم - رغم كثرة أعدائه - من عُلوَ المكانه وتفردها في المصادر الأندلسية , وغير الأندلسية , وهناك ما يشبه الاتفاق على أنه (( أجمع أهل الأندلس قاطبة لعلوم الإسلام وأوسعهم معرفة , مع توسعه في علم اللسان ووقور حظه من البلاغة والشعر والمعرفة بالسير والأخبار ...))
قال فيه أبو عبدالله الحميدي صاحب كتاب (( جدوة المقتبس في تاريخ علماء الأندلس )) أنه (( كان حافظا ,عالما بعلوم الحديق وفقهه , مستنبطا للإحكام من الكِتاب والسنة , متفننا في علوم جمة , عاملا بعلمه . زاهدا في الدنيا بعد الرياسة التي كانت له ولأبيه قبله في الوزارة وتدبير المماليك , ومتواضعا ذا فضل جمة , وتواليف كثيرة في كل ما تحقق به من العلوم ..))
ثم قال : (( وما رأينا مثله فيما اجتمع له من ذكاء ةسرعة الحفظ وكرم النفس والتدين , وكان له في الآداب والشعر نفس واسع , وباع طويل , وما رأيت من يقول الشعر على البديهة أسرع منه , وشعره كثير قد جمعناه على حروف المعجم ومنه :
هل الدهر الا ما عرفنا وأدركنا ...... فجائعه تبقى ولذاته تفنى
اذا امكنت فيه مسرة ساعة ..... تولت كمر الطرف واستخلفت حزنا
الى تبعات في المعاد وموقف....... نود لديه أننا لم نكن كنا
حصلنا على وهم واثم وحسرة ..... وفات الذي كنا نلذ به عينا
حنين لما ولى وشغ بما اتى .... وغم لما يرجى فعيشك لا يهنا
كأن الذي كنا نسر بكونه ...... اذا حققته النفس , لفظ بلا معنى
تتقطر نفس ابن حزم في هذه الأبيات ألما وهما وتشاؤما لما اصابه من نكبات الغربة والتشرد وتبدل الأيام والأصحاب , ويدل ورود مثل هذه الأشعار في المصادر والأندلسية على أنه قد ترك شعرا كثيرا , يتجاوز ما احتوته رسالة ((طوق الحمامة)) واشارة الحميدي السابقة واضحة الدلالة على وجود ديوان شعري له , جمعه على حروف المعجم ولكن هذا الديوان فقد مع كثيرا من أعماله لم يخرج الى النور حتى الىن . وقد جمع شعر ابن حزم وصر في طبعة نشير اليها في قائمة مؤلفاته .
توفي ابن حزم سنة 456 هـــ/1064 مــ بعد ان عاش اكثر من سبعين عاما قضاها في رحاب العلوم والآداب والفنون , وقد يكون من المفيد أن نورد للقارئ ما كتبه القاضي أبوالقاسم صاعد بن أحمد الاندلسي عن ولادة ابن حزم ووفاته , وهو ما نقله عنه ابن بشكوال في كتاب ((الصلة)) ومنه :
قال صاعد : كتب لي أبومحمد بن حزم يقول بخطه :
(( ولدت بقرطبة في الجانب الشرقي , في ربض منية المغيرة , قبل طلوع الشمس وبعد سلام الامام من صلاة الصبح , آخر ليلة الأربعاء آخر يوم من شهر رمضان المعظم , وهو اليوم السابع من نوفبر سنة اربع وثمانين وثلثمائة بطالع العقرب )) .
قال صاعد : ((ونقلت من خط ابنه (أبي رافع ) أن أباه توفي -رحمه الله - عشية يوم الأحد لليلتين بقيتا من شعبان سنة ست وخمسين واربعنائة . فكان عمرة رحمه الله احدى وسبعين وعشرة أشهر وتسعة وعشرين يوما ))