الموضوع: عملاق الذكريات
عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 18-08-2006, 06:35 AM
أم فاطمة أم فاطمة غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2006
المشاركات: 11
إفتراضي عملاق الذكريات

كان يوماً غامضاً ذلك اليوم....
يحمل في طياته الكثير لذلك الراكب قاربَه ،
مبحرٌ تدغدغهُ أنشودة البحرِ، كاشفاً عن ساعديه القويين، يجدّفُ نحو المجهول.
يجوب الآفاق بحثاً عن شيءٍ ما، ربما أحلامه!! أو ربما حريته!!.
كانت الريح رطبةً ساعتها، والأمواجُ صاخبةً تعزفُ لحناً كئيباً،
عجباً لغريبِ الأطوار هذا!.. لماذا لا يشعرُ بتلك الأجواء المغلفة برداءٍ من صوفٍ رماديّ داكن يوحي بالخوف..
ربما هو حالمٌ تخيّل تلك الريح نسمةً توشوشُه بأنغامها اللطيفة من حين لآخر، أو تخيل الأمواج أشجاراً جافةً تحملُ أوراقاً ذابلةً تتساقطُ على حافة البحرِ ، معلنةً قدوم الخريف.... يجدّف تارةً وتارةً يضطجعُ محدّقا في السماء...
ورنا بناظريه بعيداً... تذكّر تلك الأفراح التي كفّ عن التمتع بها منذ مدةٍ...........
تذكّر تلك الحرّية التي كان ينعُم بها .....
وتذكّر تلك الأرض، وتذكّر الرفاق والأحباب.....ثم.... ثم عاد فجأةً إلى صوابهِ...
لا، لا أريد أن أتذكّر....... هو ماضٍ والماضي لا يعود.... ونسي الأمر برهةً.
لا لم ينسَ! يا إلهي. تباًّ لهذه الذكريات التعيسة... كأنّ لها جنوداً معسكرين في مخيّلتي تأمرني فأطيع.. أو كأنها عملاقٌ متجهّمُ القسماتِ يضربني بسوطٍ غليظ فأستجيب.........
آهٍ.... الذكرى دمارٌ لمن حلّ بهم البلاءُ..
رأى نفسهُ طفلاً، ورأى قريتَه الأمّ، ورأى تلك العينين السوداوين، والخدّين المتوردين،و تلك الضفيرةََ الطويلةَ التي أعلنت له قدوم مراهقته التي لم تدم طويلاً............
سخفاءٌ هم البشر.. الذين يسحقون بعضهم بعضا.... يا الله ... لماذا لا يحرثون الأرض؟! لماذا لا يروون حقولهم؟! لماذا يكفون عن الحب؟؟؟؟؟.
لكن لا.. يستحيلُ عليّ أن أتذكّر هذا كلّه، لماذا أقسو على نفسي كلّ هذه القسوة!!.
تنهّد وأشاح بوجهه، وتجاهل الصوت الهامس في داخله، وأحسّ بقلبهِ يكادُ ينفجر شفقةً عليه.. حاول تجاهل ذلك السؤال الملحّ الذي لا يجدُ له جواباً، وأطرق برأسهِ وراح يغضّ الطرف عن ذكرياتهِ ويسلو شيئاً فشيئاً....
ولكن الريح عادت تزمجرُ لتصفعه بردائها الصوفيّ الخشن وتعيده إلى صوابه...
عبثاً تحاول السلوان، ثمة ناسٌ في كلّ مكان شاهدون على ذكرياتك........
انزلقت الشمس عن الأفق، وازدادت السحبُ دكنةً، وغدا الجوُّ حاكاً مكفهرّا تكاثفت ظلمته..... كأنه جبُنَ وخشي زبد البحر وتلاطم الأمواج، أو كأنه ظنها تسخرُ من ذكرياته... مرّت ساعات على تلك الحال....
رأى رقعة البحر وفسحة السماء فتصوّر نفسه طفلاً صغيراً، وليس هناك مخلوقٌ سواه، حينئذٍ تملّكه الخوف، فكلّ ما حوله معتمٌ مظلم... تلفت حوله ، شعر بأنفاسه ترتعش .. حتى أسنانه تصطكّ من شدة الهلع ........ ففكر في الرجوع.
الرد مع إقتباس