-30-
نتائج البحث
من خلال استعراضنا لأهم أديان الفرس نستطيع أن نستخلص النتائج التالية "19" :
1_ عبد الفرس قوى الطبيعة والأجرام السماوية ، وآلهة تمثل قوى أخلاقية ، أو آراء معنوية مجسمة ، وكان الدين عندهم يتدخل في أقل أمور الحياة اليومية ، وكان على الفرد أن يصلي للشمس أربع مرات أثناء النهار ، كما يصلي للقمر وللنار وللماء ، ونار البيت لا يجوز أن يخبو لهيبها .
وهناك فرق بين المجوسية والثنوية ، ومن الأديان التي تنتسب للمجوسية : الكيومرثية ، والزروانية ، والزردشتية ، أما الأديان التي تنتسب الى الثنوية فهي : المانوية ، المزدكية ، الديصانية .. والفرق بينهما ان المجوسية قالت بقدم النور وحدوث الظلام فى حين قالت الثنوية بأن النور والظلمة أزليان قديمان ، فهما متساويان في القدم ومختلفان في الجوهر والطبع والفعل والمكان والأجناس والأبدان والأرواح .
وعلى كل حال فالمجوسية والوثنية أصبحت من تراث الفرس ، والفرق بينهما بسيط ، فجميع أتباع هذه الديانات عبدوا النور والظلمة والشمس والقمر ، واعتقدوا بالحلول والتناسخ ، والأساطير والخرافات .
2_ تأثرت ديانات الفرس باليهود والنصارى والبوذيين .
فاليهود حلوا بلاد فارس منذ أن سباهم (بختنصر ) ، وازداد عددهم في عهد الاشكانيين ، وقد اليهود أنفسهم منذ القرن الأول الميلادي
(19) الملل والنحل للشهرستاني ، ج1 ، ص 244 دار المعرفة .
-31-
واعترف بعض ملوك فارس بهم ، وقد أنشأوا مدرسة ( سورا ) المشهورة في أوائل القرن الثالث الميلادي ، وصاهروا ملوك الفرس ومرازبهم ، فامتزج الدم اليهودي بالفارسي ، فزوجة ( بختنصر ) كانت يهودية واسمها ( دينارد ) ، وكانت سبب رد بني اسرائيل الى بيت المقدس "20" .
وتأثرت ديانة الفرس باليهودية ، كما تأثرت بما عند اليهود من تنظيم وسرية وتقية ، واستمر أثر اليهود في معتقدات الفرس في مختلف حقب التاريخ .
وانتشرت النصرانية في كل مكان من ايران ، وعندما انتهى الحكم الى الاشكانيين كان للجالية النصرانية مكان في ( الرها ) ، وكان هناك اسقفيات كثيرة في المناطق الأرمينية والكردية والأهواز ، وحالوا غير مرة أن يجمعوا الجماعات تحت ادارة مركز واحد في المدائن ، غير أنهم فشلوا لأسباب ذاتية داخلية ، وعاش نصارى ايران في سلام وان كان الموقف قد تغير عندما اعتنق ( قسطنطين ) الديانة النصرانية ، وقام نصارى ايران بالتآمر على سابور فاستشاط غضبا ، وبدأ اضطهادهم منذ عام 339 وحتى هلاك سابور الثاني .
وكذلك لم يكن أزدشير الثاني ، خليفة سابور ، محبا للنصارى ، واستمر اضطهاد النصارى حتى جاء يزدجرد الأول 399 _ 421 فتحسنت العلاقات النصرانية
الزردشتية"21" .
(20) مروج الذهب : المسعودي ، ج1 ، ص 288 .
(21) ايران في عهد الساسانيين ، ص 253 .
-32-
أما أثر النصرانية في معتقدات الفرس ، فسبق أن رأينا كيف جاءت ( المانوية ) بعقيدة التثليث والحلول مأخوذتين من عقيدة النصارى .
واختلط رجال الدين الفرس بالبوذيين فأخذوا عنهم وأعطوهم ، وزاد هذا الاختلاط عندما كان أصحاب الديانة المغلوبة يفرون من بلادهم ويلتجئون الى الهند أو الصين كما حصل للزردشتية والمانويين .
3_ والزعامة الدينية في بلاد فارس كانت تتمثل في قبيلة من القبائل ، فالسيطرة الدينية قديما كانت لقبيلة (ميديا ) ، وفي عصر أتباع زردشت أصبحت السيطرة لقبيلة ( المغان )
ورجال القبيلة الدينية هم ظل الله في الأرض ، وقد خلقوا لخدمة الآلهة ، والحاكم يجب أن يكون من هذه القبيلة ، وتتجسد فيه الذات الالهية ، وتتولى هذه العائلة شرف سدانة بيت النار .
ان عبادة الله عن طريق القبيلة هو الذي دفع الفرس الى التشيع لآل البيت لا حبا بآل البيت ولكن لأن هذا التصور يلائم عقيدة المجوس .
4_ السرية أصل من أصول عقائد المجوس :
فالزردشتيون استمروا يعملون وينشطون بشكل سري بعد أن تعرضوا للاضطهاد على أيدي أتباع (مزدا ) ، والمانوية تحولت الى حركة سرية بعد أن بطش بهرام بن هرمز بهم ، والمزدكية أصبحت دعوة سرية بعد أن نكل بهم أنو شروان .
ومع السرية كانت أديان الفرس منظمة تنظيما هرميا دقيقا يراعون به ظروف العصر ، وكانت تنظيماتهم من القوة بحيث تمكنهم من الوصول الى قصور الحكام في حالات
-33-
ضعفهم ،أما في غير حالات الضعف فالحكام من أفراد القبيلة التي ترعى شؤون الدين .
5- تاريخ أديان الفرس يمتاز بالفتن وكثرة الثورات ومن الأمثلة على ذلك أن ثورة عارمة وقعت بين بابك وجوتجهر ، ثم نشبت فتنة بين سابور و أزدشير .
وفي هذه الفتن والمعارك كان الأخ يقتل أخاه ، والأب ابنه بدون رحمة ولا شفقة ، وعندما يشعر ملوك فارس بأن الخطر قد أحاط بهم كانوا ينقضون على من يزعمون أنهم أنبياء لهم ، فبهرام بن هرمز قتل ماني ، وكسرى أنو شروان قتل مزدك .
وعلى ضوء معرفتنا لهذه الحقيقة نعلم أسباب الثورات والفتن في البلاد التي يسيطر عليها المجوسيون في عصرنا هذا ، كما نعلم لماذا كانوا وما زاولوا يصفون خصومهم عن طريق الاغتيالات .