عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 03-03-2001, 01:06 PM
أشعري أشعري غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2000
المشاركات: 498
Post

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله،

إن العلم باللّه وصفاته أجل العلوم وأعلاها رتبة، وأوجبها تحصيلاً وأولاها اعتناء، ويسمى هذا العلم "بعلم التوحيد" أو "علم العقيدة"، ويسمى أيضاً مع أدلته النقلية من الكتاب والسنة وأدلته العقلية "بعلم الكلام".

سبب تسمية علم التوحيد بعلم الكلام:
والسبب في تسمية علم التوحيد بعلم الكلام كثرة المخالفين فيه من المنتسبين إلى الإسلام وطول الكلام فيه من أهل السنة لتقرير الحق، وقيل لأن أشهر الخلافات فيه مسألة كلام اللّه تعالى أنه قديم (وهو الحق) أو حادث ( وهو الباطل)، فقالت الحشوية: "كلامه صوت وحرف"، وبه قالت المشبهة، وقالت المعتزلة: "إن اللّه تعالى متكلمٌ بمعنى أنه خالق الكلام في غيره".

موضوع علم الكلام:
وموضوع علم الكلام هو النظر، أي الاستدلال بخلق اللّه تعالى لإثبات وجوده وصفاته الكمالية وبالبراهين المستخرجة من النصوص الشرعية، ويكون ذلك حسب قانون الإسلام لا على أصول الفلاسفة، فالعقل عند علماء التوحيد شاهدٌ للشرع ليس أصلاً للدين، والنقل مُقدّم على العقل، والشرع لا يأتي إلا بمُجَوَّزات العقول.

الفرق بين الكلام المحمود والمذموم:
ولقد أجاد الحافظ علي بن الحسن بن هبة اللّه بن عساكر الدمشقي الشافعي مؤرخ الشام في كتابه "تبيين كذب المفتري فيما نُسب إلى الشيخ أبي الحسن الأشعري" في تبيين المقصود من علم الكلام والتفريق بين الكلام المذموم الذي نهى عنه الأئمة كالشافعي وبين الكلام المحمود الذي رغّب في تعلُّمه كثير من العلماء، ومن يرجع لكتاب التبيين يجد ذلك مفصلاً من صحيفة 333 إلى 363.

قال الحافظ ابن عساكر في "التبيين" (ص339): "والكلام المذموم كلام أصحاب الأهوية وما يزخرفه أرباب البدع المردية، فأما الكلام الموافق للكتاب والسنة الموضح لحقائق الأصول عند ظهور الفتنة فهو محمود عند العلماء ومن يعلمه، وقد كان الشافعي يُحسنه ويفهمه وقد تكلم مع غير واحد ممن ابتدع وأقام الحجة عليه حتى انقطع"، انتهى.

ثم يروي الإمام ابن عساكر في نفس الصحيفة عن الربيع بن سليمان خبر المناظرة التي حصلت بين الإمام الشافعي وحفصٍ الفرد ليبرهن على أن الشافعي كان يُحسن ويفهم علم الكلام فقد قال الربيع: "حضرتُ الشافعي بحضور عبد اللّه بن الحكم ويوسف بن عمرو بن يزيد، فسأل حفصُ الفرد عبدَ اللّه بن الحكم فقال: ما تقول في القرءان، فأبى أن يجيبه، فسأل يوسف بن عمرو فلم يجبه وكلاهما أشار إلى الشافعي، فسأل الشافعي فاحتج عليه الشافعي، فطالت فيه المناظرة، فقام الشافعي بالحجة عليه بأن القرءان كلام اللّه غيرُ مخلوق"، انتهى.

أما الذي يُروى عن الشافعي أنه قال: "لأن يلقى اللّهَ العبدُ بكل ذنب ما خلا الشرك خيرٌ له من أن يلقاه بعلم الكلام" بهذا اللفظ غير ثابت عنه، واللفظ الثابت عنه كما أخرج طرقه الحافظ ابن عساكر في "التبيين" (ص337) هو: "لأن يلقى اللّهَ عز وجل العبدُ بكل ذنب ما خلا الشرك خيرٌ له من أن يلقاه بشىء من هذه الأهواء"، والأهواء هنا جمع هوى وهو ما مالت إليه نفوس المبتدعة الخارجين عما كان عليه السلف، أي ما تعلّق به البدعيون في الاعتقاد كالخوارج والمعتزلة والمرجئة والنجارية وغيرهم، فليس كلام الشافعي على إطلاقه وهو الذي ناظر بشراً المريسي وحفصاً الفرد فقطعهما.

والله من وراء القصد.