عرض مشاركة مفردة
  #3  
قديم 03-03-2001, 02:02 PM
ناقد ناقد غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Feb 2001
المشاركات: 22
Post

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته:

أنا أشكر الأخ المفكر على مبادرته بطرح هذا الموضوع المهم جدا. ولي عليه بعض التعليقات كما يلي
لا يمكن إجراء الكلام ولا العلم بالجواب على ما طرحه إلا بعد تجاوز مرحلة التعريفات أعني التصورات التامة عن هذا العلم. ومن ثم نذكر أهم الإشكالات التي تثور حوله، وبعض أهم الأمور التي تتعلق به.
أولا:
تعريف علم الكلام:
علم الكلام كما عرفه أكابر العلماء هو العلم بالعقائد الإيمانية عن الأدلة القطعية. أو علم الحجاج عن العقائد الإيمانية بالأدلة القطعية، فهو علم يبحث فيه عن الاستدلال على الأصول الإيمانية وكل ما يلزم عنه تشكيك بالدين. والعلم الذي صفته كذلك لا بد أن يكون علما شريفا.
وعلم الكلام هو أعلى العلوم الإسلامية، لأن موضوعه أشرف المواضيع، فموضوعه كما نص عليه العلامة الأصفهاني في شرح الطوالع هو ذات الله تعالى وذات المخلوقين من حيث إيصالها إلى الاستدلال على الأصول الإيمانية (النقل ليس حرفيا لأنني أكتب هذا التعليق كله وليس أمامي أي مرجع، بل كله من الذاكرة، وبدون ترتيب مسبق).
وقد صرح الإمام العلامة السعد التفتازاني في شرح التهذيب الكلام أن موضوع علم الكلام هو المعلوم من حيث إيصاله إلى الاستدلال على العقائد الإيمانية.
وكما أرى فإن القول بأن موضوع علم الكلام هو المعلوم أقرب من القول بأن موضوعه هو الذات، وإن كان هذا هو أيضا اختيار الإمام الغزالي في الاقتصاد.
فعلم الكلام لا بد أن يبحث في أي معلوم من المعلومات سواء الخارجية أو الذهنية، بشرط صلاحية هذا المعلوم لكونه واسطة لإثبات العقائد الإيمانية. ولذلك فعلم الكلام أشمل العلوم الإسلامية لأن موضوعه هو أعم المواضيع.
وعلم الكلام أشرف العلوم منهاجا لاعتماده على الأدلة القطعية، ولأنه يبحث في المسائل من ناحية كلية، ليس كبحث الفقيه ولا محدث، فكل العلوم الإسلامية تستقي أصولها من علم الكلام، وهو لا يأخذ أصوله من أي علم آخر غيره، فكل ما يحتاجه علم الكلام فيجب بحثه فيه، فلا يأخذ مقدمات لا من الفلسفة ولا من غيرها.
وهذا لا يمنع اعتماد الكلام على غيره من العلوم، فمثلا لا مانع من أخذ المتكلم مقدمة من العالم الطبيعي، كاستحالة كون العالم لا نهاية له في الأبعاد، هذه المقدمة إن أخذها المتكلم من الطبيعي لا ضرر في ذلك، ولكن يجب عليه أخذها بدليلها لا مجردة عن الدليل، ثم يوجه هو أساليب النقد إلى هذا الدليل فإذا رأى مطابقته للحق في نفس الأمر، وضعها في علم الكلام بدليلها إن كانت مفيدة لبناء الاستدلال على العقائد الإيمانية. وهكذا.
فعلم الكلام غير محدود بحد معين من الأدلة، بل هو العلم الذي لم ينضج ولم يحترق كما وصفه بعض العلماء، بمعنى أنه علم ما زال إمكانية الاجتهاد فيه موجودة. ولن تزال.
بل إن علم الكلام هو العلم الوحيد الذي لن ترتفع حاجة البشر عنه في زمن من الأزمان. وهو العلم الذي كلمها ازدادت الشبه والتشكيكات الواردة على الإسلام من أعدائه، ازدادت الحاجة إليه. لأن وظيفة المتكلم هي حلُّ هذه الشبه، والرد على الشكوك.
الحاجة إلى علم الكلام في هذا الزمان: الحقيقة إن الحاجة إلى هذا العلم إن كانت موجودة في الأزمان الماضية، فهي في هذا الزمان أشد وأوثق، لكثرة الشبهات التي يوردها المخالفون للأديان، وخاصة الإسلام، فنحن بحاجة إلى إعادة إحياء هذا العلم ليكون سلاحا ماضيا في أيدي المسلمين يواجهون فيها غيرهم ويعتمدون عليه في إقامة دعائم الدين.
ولا يجوز الاعتماد على مجرد روايات عن بعض العلماء السابقين في تحرين علم الكلام، لأنه قد ثبت بأبحاث دقيقة أن ما ورد عن مثل الإمام الشافعي وغيره لا يرد على علم الكلام مطلقا، بل على بعض مذاهب المتكلمين ممن قد انحرفوا عن الحق في أقوالهم، وذلك كحفص الفرد، ولا يجوز حمل كلام الشافعي على ذم علم الكلام مطلقا، لأنه لا يحتمل هذا التعميم أصلا. ولأن سائر علماء الأمة حضوا على الاستزادة من هذا العلم عند ظهور أركانه على يد الإمام الأشعري وغيره من أتباعه والموافقين له.
والله سبحانه وتعالى يقول في الكتاب العزيز(وادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن)، فالرد على المخالفين بالتي هي أحسن هو واجب بنص القرآن.
وكذلك فعل الصحابة والتابعون عندما باشروا بالرد على المخالفين سواءا في القدر أو في الإمامة والخلافة والأمثلة على ذلك كثيرة.
ولهذا جرى غالب العلماء المسلمين على اعتبار هذا العلم أشرف العلوم.

موقف المجسمة من هذا العلم:

لقد وقف المجسمة من هذا العلم موقف الرد والإنكار، وذلك لأسباب أكبرها إن المتمكن من هذا العلم يسهل عليه الإتيان بالأدلة القوية على بطلان مذهبهم، ولهذا فإنهم هم أنفسهم لم يترددوا من استخدام بعض ما توهموه أدلة عقلية لإثبات مذهبهم، تماما كما فعل ابن تيمية عندما قال في أكثر من موضع ( إن ما لا يمكن إدراكه بإحدى الحواس الخمس فلا يمكن وجوده) وكلامه هذا يعم الوجود الواجب والوجود الجائز. وهذه القاعدة يستخدمها ابن تيمية لإثبات كثير من أصول مذهب المجسمة. وهي عينها القاعدة التي يقول بها أصحاب المذهب الحسي والتجريبي في هذا الزمان ، وأكثرهم من المنكرين للأديان، أو العلمانيين المشككين في الأسلام.
ولا يجوز لواحد من أهل السنة أن يتشكك في أهمية علم الكلام لمجرد تشكيك المجسمة فيه، فهؤلاء وإن كانوا أصبحوا أكثر انتشارا في هذا الزمان لدعم بعض الدول لهم، إلا أن ذلك لا يجوز أن يكون سببا للتخلي عن الحق في نفسه.

بعض الإنجازات الكبيرة للمتكلمين:

لقد أنجز متكلمو المسلمين الأوائل إنجازات كبيرة، أهمها تنقية العقائد الإسلامية من المذاهب البدعية المخالفة للحق في نفس الأمر، ومنها الرد على الفلاسفة وبيان ضعف مذاهبهم كما فعل الإمام الغزالي والرازي والتفتازاني وغيرهم كثير، ومنها أنهم قد بيانا كبيرا أصول نظرية المعرفة الإسلامية. ومعلوم أن أكبر تميز للمسلمين كان يحصل بتوسط المتكلمين حتى صار هؤلاء هم المعبرين حقيقة عن الإسلام.

علم الكلام يجب أن يعود إحياؤه في هذا الزمان ليأخذ زمام القيادة للمسلمين.

ولا يجوز للبعض أن يتصور أن علم الكلام يبحث فقط في الرد على المجسمة، فهؤلاء أقل شأنا من أن يخصص لهم علم كامل، بل إنه متخصص في الدفاع عن العقائد الإيمانية وبيانها على أتم صورة باستعمال الأدلة القطعية.

ولي كلام طويل حول هذا العلم وفيه أرجو أن أتمكن بيانه من خلال الخيمة لاحقا.