عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 14-09-2006, 06:54 AM
alaa_abes2 alaa_abes2 غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2006
المشاركات: 96
Lightbulb القرضاوي والعلماء

القرضاوي والعلماء

أكرم كساب - موقع القرضاوي/ 13-9-2006


عُرفت دعوة الشيخ القرضاوي بالشمول. والشمول عند القرضاوي يمكن تقسيمه إلى قسمين:

القسم الأول : الشمول الفكري.

القسم الثاني : الشمول في ميدان الدعوة .

والذي أحب التنويه عليه هنا هو: شمول دعوته للعلماء والمصلحين؛ فلم تكن دعوة الشيخ القرضاوي مهملة هذا الجانب المهم؛ الذي يعي الشيخ جيداً أن صلاح الأمة بصلاح دعاتها وعلمائها , وأن الدعاة و العلماء والمصلحين هم قلب الأمة ونبضها الحي , وصوتها العالي وأملها المرجو , ودفتها الموجهة , فكيف إذا فسد القلب ؟ ووقف النبض ؟ وسكت الصوت ؟ وضاع الأمل ؟ وتاه الربان ؟

هنا يكون الأمر كما قال القائل :

يا أيها العلماء يا ملح البلد ما يصلح الملح إذا الملح فسد

وكما قال ابن المبارك رحمه الله :

وهل أفسد الدين إلا الملوك وأحبار سوء ورهبانها

لقد رتع القوم في جيفــة يبين لذي اللب إنتانها

لهذا فقد كان الشيخ حريصاً على أن يوجه دعوته إلى الدعاة والمصلحين , وتمثلت دعوة الشيخ للدعاة والعلماء المصلحين في محاور أهمها :

1. تقوى الله سبحانه والتحلي بأخلاق العلماء .

2. الاهتمام بواقع المسلمين .

3. سد الفجوة التي بينهم وبين الشباب .

4. تجميع كلمتهم .

1 - تقوى الله تعالى والتحلي بأخلاق العلماء :

وهذا ضروري لكل عالم , ملازم لكل داعية , مصاحب لكل مصلح , فإن العالم الذي خلا قلبه من تقوى الله تعالى لن تقوم له قائمة , ولن تقوم به قائمة , وقد قال علي بن أبي طالب t : " قسم ظهري رجلان , جاهل مستنسك , وعالم متهتك؛ ذاك يغرهم بتنسكه , وهذا يضلهم بتهتكه .

وهذا هو النوع الذي حذر منه رسول الله e حين قال: " إن أخوف ما أخاف عليكم بعدي كل منافق عليم اللسان ".

وأشنع ما في العالم أو الداعي المصلح الخالي من تقوى الله تعالى أنه يتفقه لغير الدين, ويتعلم لغير العمل , ويطلب الدنيا بعمل الآخرة , وهذا الصنف جاء وصفه في الحديث الذي رواه أبو الدرداء مرفوعاً: " أنزل الله في بعض الكتب أو أوحى الله إلى بعض الأنبياء : قل للذين يتفقهون لغير الله, ويتعلمون لغير العمل، ويطلبون الدنيا بعمل الآخرة , يلبسون للناس مسوك الكباش , وقلوبهم كقلوب الذئاب , ألسنتهم أحلى من العسل , وقلوبهم أمر من الصبر , إياي يخادعون وبي يستهزؤن ؛ بي حلفت لأتيحن لهم فتنة تذر الحليم فيهم حيران " .

هذه التقوى وتلك الأخلاق التي جعلت الإمام الشافعي يقول :

أمطري لؤلؤاً جبال سرنديب وفيضي آبار تبريز تبــراً

أنا إن عشت لست أعدم قوتاً وإذا مت لست أعدم قبـراً

همتي همة الملوك و نفسـي نفس حر ترى المذلة كفراً

وإذا ما قنعت بالقوت عمري فلماذا أهاب زيداً وعمـراً

ولقد كان الشيخ حريصاً على إسداء النصيحة للعلماء حتى لا يبيعوا دينهم بدنياهم وآجلهم بعاجلهم , لأنه يرى بأن العلماء : كلمتهم هي العليا؛ لأنها قبس من كلمة الله تعالى, هم الموجهون للحياة والناس , إلا إذا انقلبت الأوضاع ورضي العلماء أن يسيروا في ركاب الأمراء .

كما يؤكد الشيخ على ضرورة تقوى الله والتحلي بأخلاق العلم لأن العلماء : يحفظون في صدورهم كلمات الله ويحملون في أيديهم مصابيح الهداية , ويملكون في خزائن قلوبهم أغلى الكنوز , وأثمن الثروات , وأشرف المواريث , وهو تراث النبوة , التي بغيرها يعيش الخلق في تيه المادية , وظلام الجاهلية وضلالات الأهواء والأوهام , فمن أقوم منهم قيلاً وأهدى سبيلاً ؟

ويؤكد الشيخ هذا المعنى فيقول : والعلم هنا ليس تحصيل معلومات سطحية من هنا وهناك , ولكنه نور يقذفه الله في قلب عبده , فيمنحه اليقين والرسوخ , ويبعد به عن القلق والاضطراب , وهذا هو العلم النافع .

العلم النافع حقاً هو الذي يرى الناس أثره على صاحبه : نوراً في الوجه , وخشية في القلب , واستقامة في السلوك , وصدقاً مع الله , ومع الناس , ومع النفس .

أما مجرد التشدق بالكلام المزوق , والثرثرة بالقول المعسول من طرف اللسان , دون أن يقصد القول العمل , فهذا هو شأن المنافقين الذين يقولون مالا يفعلون , ويأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم , وهو يتلون الكتاب , ويقرؤون الأحاديث .

2 - الاهتمام بواقع المسلمين :

من العلماء من يكتفي بالانكفاء على الكتب يعلم دقيقها وجليلها ؛ وهذا أمر محمود، وجهد مشكور؛ لكنه لا يكفي وحده , بل لا بد للعالم والداعية والمصلح أن ينزل إلى واقع الناس, لا ينبغي عليه أن يعيش في برج عاجي , أو في معزل عن واقع الأمة , وحاضر الخلق, وهذا ما أطلق عليه قديماً الشهيد سيد قطب رحمه الله " فقه الأوراق ", وهو مقابل لفقه الحركة أو كما يسميه الشيخ القرضاوي فقه المعركة أو فقه الواقع أو فقه الحياة أو فقه الدين أو الفقه القرآني .

ولهذا فإن الشيخ يرى أن مجرد الاهتمام بالعلم مجرداً عن الواقع ليس فقهاً وليس اجتهاداً لأن الفقه الحق والاجتهاد الحق هو: الذي ينطلق من معايشة الناس ومعرفة ما هم فيه, والفقيه الحق هو الذي يزاوج بين الواجب والواقع " كما يقول الإمام ابن القيم , فلا يعيش في دائرة ما ينبغي أن يكون , غافلاً عما هو كائن وواقع بالفعل .

ويؤكد الشيخ هذا المعنى فيقول : فالفقه هنا أعمق وأوسع من مجرد معرفة الأحكام الشرعية الجزئية من أدلتها التفصيلية , إنما هو إدراك بصير يربط أحكام الله في شرعه بعضها ببعض , ويربط قوانين الله في أرضه بعضها ببعض , ولا يكتفي بالنظر إلى السطوح دون الأعماق .

ويزداد هذا الإدراك عمقاً بالخوض في معترك الحياة , والصراع مع الفراعنة والطغاة , والدخول في أتون الابتلاء والمحن , الذي ينفي الخبث , ويصقل المعادن , ويميز الخبيث من الطيب .

لقد مر شيخ الإسلام ابن تيمية مع بعض أصحابه على جنود التتار ورآهم سكارى وقد أنكر البعض عليهم , لكن ابن تيمية قال : دعهم في سكرهم فإنما حرم الله الخمر لأنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وهؤلاء تصدهم الخمر عن قتل الأنفس ونهب الأموال .

قال القرضاوي معقباً : وهذا هو الفرق بين " الفقيه الحرفي " أو ما سميته " فقيه الأوراق " وبين فقيه الحياة أو فقيه الميدان والمعركة , الأول أنكر المنكر الذي رآه دون اعتبار للمقصد والواقع , والثاني نظر إلى الواقع في ضوء المقاصد فقال ما قال .

لقد رأينا فقهاء الأوراق , يقاتلون على أشياء يمكن التسامح فيها , أو الاختلاف عليها, أو تأجيلها إلى حين , ويغفلون قضايا حيوية مصيرية , تتعلق بالوجود الإسلامي كله . وهؤلاء قد لا ينقصهم الإخلاص , ولكن ينقصهم الفقه , ولئن جاز تسميتهم علماء فلا يجوز تسميتهم فقهاء لو كانوا يعلمون .