عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 14-09-2006, 06:56 AM
alaa_abes2 alaa_abes2 غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2006
المشاركات: 96
إفتراضي

3 - سد الفجوة التي بينهم وبين الشباب :

لقد لاحظ الشيخ القرضاي كما لاحظ غيره من الناصحين للأمة , أن الشباب الذي وقع في حفرة التكفير والتفسيق والتبديع , والتي جرته إلى التطرف طوراً أو الإرهاب طوراً آخر , إنما كان سببه الرئيس هو إعراضه عن العلماء , وعزوفه عن مجالسهم , ونتج عن ذلك أن غاص هؤلاء الشباب في بطون الكتب مباشرة , دون أن يتعلموا فن السباحة في عالم يحتاج إلى سباح ماهر , وغطاس بارع , فخرج هؤلاء الشباب باللؤلؤ والمرجان من أمهات الكتب مشوباً ومخلوطاً بغيره أو كما يقول الشيخ القرضاوي : دون أن يضعوه على مشرحة التحليل وطرحها على بساط البحث , ولكنه قرأ شيئاً وفهمه واستنبط منه , وربما ساء القراءة , أو أساء الفهم , أو أساء الاستنباط وهو لا يدري .

لقد نشأت فجوة واسعة بين العلماء والشباب , وكان السبب الرئيس في عزوف الشباب عن العلماء وحدوث هذه الفجوة أن عدداً من العلماء في كل قطر من أقطارنا العربية والإسلامية ساروا في ركاب السلاطين فسبحوا بحمدهم , وهتفوا بأسمائهم , وصفقوا لأهوائهم , وضحكوا في وجوههم , ونفخوا البخور بين أيديهم , فباركوا مظالمهم, وشاركوهم طغيانهم ومفاسدهم .

ولقد كان الشيخ محقاً حين وصف هؤلاء بقوله : علماء الدنيا , الذين يزينون للناس سوء أعمالهم فيرونه حسناً .

رضوا أن يجعلوا العلم خادماً للسياسة , وأن يبيعوا الدين بالطين , وأن يكون العلماء أبواقاً للسلاطين , وإخواناً للشياطين .

وهؤلاء لا يستحون أن يغيروا جلودهم في كل حين كالثعابين , وأن يلبسوا لكل حالة لبوسها غير متورعين , ولا خجلين , فهم مستعدون لأن يحللوا ما حرموه من قبل , وأن يحرموا ما حللوه , لا تبعاً للدليل والبرهان , ولكن تبعاً لتغيير السلطان .. فلكل مقام مقال , ولكل زمان دولة ورجال, ومقالهم جاهز لكل مقام , وهم دائماً رجال كل دولة , وكل زمان!

هذا الصنف الخبيث يحاط عادة بهالة من الدعاية تستر جهله , وتغطي انحرافه , وتنفخ فيه ليكون شيئاً مذكوراً , وتحدث حوله ضجيجاً يلفت إليه الأسماع , ويلوي إليه الأعناق , وإن كان هذا لا يجعل من جهله علماً , ولا من فجوره تقوى , ولكن :

كمثل الطبل يسمع من بعيد وباطنه من الخيرات خال

وحين قال الشيخ القرضاوي لأحد هؤلاء الشباب : يجب أن تأخذوا العلم من أهله , وتسألوا أهل الذكر من العلماء فيما لا تعلمون .

قال : وأين نجد هؤلاء العلماء الذين نطمئن إلى دينهم وعلمهم ؟ إننا لا نجد إلا هؤلاء الذين يدورون في فلك الحكام , إن أرادوا الحل حللوا , وإن أرادوا الحرمة حرموا, إذا كان الحاكم اشتراكياً باركوا الاشتراكية ووصلوا نسبها إلى الإسلام , وإذا كان رأسمالياً أيدوا الرأسمالية باسم الإسلام !

العلماء الذين إذا أراد حاكمهم الحرب فالسلم حرام ومنكر , وإذا تغيرت سياسته فأراد السلم , صدرت الفتاوى بالتبرير والتأييد " يحلونه عاماً ويحرمونه عاماً " .

العلماء الذين سووا بين الكنيسة والمسجد , وبين الهند الوثنية وباكستان الإسلامية.

ولقد عذر الشيخ الشباب في عزوفهم هذا عن هؤلاء العلماء , لأن هؤلاء العلماء في نظر الشيخ منهم : من يحتج بالأحاديث الموضوعة , ويرد الأحاديث الصحيحة المتفق عليها, رأوا منهم من يستشهد بالإسرائيليات , ويستدل بالمنامات , وليس في رأسه إلا القصص والحكايات ! رأوا منهم من يؤيد البدع الرائجة , ويرفض السنن الثابتة , ويتملق أهواء العوام، وشهوات الخواص، ولا يلجأ في العلم إلى ركن وثيق , فلهذا نفضوا أيديهم منهم , ولم يعد لهم ثقة بما يصدر عنهم .

ولهذا وجه الشيخ دعوته إلى هؤلاء العلماء قائلاً : فالعلماء عليهم أن يصححوا موقفهم أيضاً , فلقد أعرض الشباب عن كثير منهم لما رأى فيهم عدم الاهتمام بالإسلام , ورأى فيهم التقرب من سلاطين الجور , والوقوف مع السلطة في الحق والباطل , ورآهم سراعاً إلى موائد الظلمة , رآهم يعرضون عن الشباب ولا يقولون كلمة حق , رأى هؤلاء انشغلوا عن الدين بالدنيا , بل عن العلم نفسه , حتى إن كثيراً منهم لم يكون نفسه التكوين العلمي الصحيح بحيث يستطيع أن يفهم الدين والحياة , ويعرف قضايا العصر وما تستحقه, فعلى هؤلاء أن يصححوا موقفهم , وعلى العلماء الذين رزقهم الله الفقه والإخلاص أن يتقربوا من الشباب وألا يبتعدوا بأنفسهم , فهناك الكثير من العلماء الطيبين, ولكنهم يؤثرون الهرب من المجتمع وما فيه , ويرون العزلة أسلم طريق .. في البعد عن الحكام والبعد عن الشعب نفسه, لكن الحل ليس في الفرار , وإنما أن يبحث أولئك الشباب للأخذ بيده وتسديد طريقه .

4 - تجميع كلمتهم :

لقد حرص الشيخ دائماً على التجميع, وفي دعوة الشيخ للعلماء حرص دائماً على توحيد كلمتهم، وتقريب وجهات النظر؛ حتى لا تذهب جهودهم سدى , أو تذهب أعمالهم أدراج الرياح .

كما أن الشيخ كان حريصاً على أن ينتقل في هذا الجانب إلى حيز العمل والتطبيق, وكان حلم الشيخ أن يكون هناك تجمع عالمي لعلماء الأمة، يضم نخبة من صفوة العلماء العاملين , والفقهاء المخلصين , والدعاة النابهين , وقام الشيخ بمراسلة عدد منهم وقد كلل الله جهود الشيخ بالنجاح بعد أن وافقه عدد كبير من هؤلاء العلماء وقاموا بمراسلته , وكانت العقبة هي اختيار الدولة التي تسمح بقيام هذه الهيئة ونظراً لأن الهيئة كان قيامها بعيداً عن كل حكومة أو هيئة سياسية , فلم يكن لدولة عربية أو إسلامية أي ترحيب بإنشاء هذه الهيئة بها , ولكن تم اختيار إحدى الدول الأوربية وهي " انجلترا " لهذا الغرض واختير الشيخ رئيساً لهذه الهيئة .

وقد ذكر الشيخ في كلمته التي ألقاها في افتتاح هذا الاتحاد أن هذا الاتحاد يسعى إلى: تحقيق هدف كلي، تنبثق منه أهداف جزئية شتي. أما الهدف الكلي الأكبر، فهو الحفاظ على الهوية الإسلامية للأمة، لتبقي كما أراد الله أمة وسطاً، شهيدة على الناس، آمرة بالمعروف، ناهية عن المنكر، مؤمنة بالله. والوقوف في وجه التيارات الهدامة التي تريد أن تقتلع الأمة من جذورها، داخلية كانت أم خارجية، وموالاة الأمة بالتفقيه والتثقيف والتوعية حتى تعرف حقيقة دورها ورسالتها، وتندفع إلى أداء مهمتها بإيمان وإخلاص، موحدة الغاية، موحدة المرجعية، موحدة الدار، مستقيمة للمنهج والطريق.

أكرم كساب

السكرتير العلمي والخاص لفضيلة الشيخ القرضاوي

Akram_kassab@hotmail.com