عرض مشاركة مفردة
  #10  
قديم 27-09-2006, 08:26 AM
زومبي زومبي غير متصل
Banned
 
تاريخ التّسجيل: Dec 2005
المشاركات: 664
إفتراضي

ـ يلخص شيخ الإسلام ابن تيمية هذا التطور في تلك المرحلة بقوله: "في أواخر عصر التابعين حدث ثلاثة أشياء: الرأي، والكلام (*)، والتصوف، فكان جمهور الرأي في الكوفة، وكان جمهور الكلام والتصوف في البصرة، فإنه بعد موت الحسن وابن سيرين ظهر عمرو بن عبيد وواصل بن عطاء، وظهر أحمد بن علي الهجيمي ت200هـ، تلميذ عبد الواحد بن زيد تلميذ الحسن البصري، وكان له كلام في القدر(*)، وبنى دويرة للصوفية ـ وهي أول ما بني في الإسلام ـ أي داراً بالبصرة غير المساجد للالتقاء على الذكر والسماع ـ صار لهم حال من السماع والصوت ـ إشارة إلى الغناء. وكان أهل المدينة أقرب من هؤلاء في القول والعمل، وأما الشاميون فكان غالبهم مجاهدين".

• ومنذ ذلك العهد أخذ التصوف عدة أطوار أهمها:

ـ البداية والظهور: ظهر مصطلح التصوف والصوفية أول ما ظهر في الكوفة بسبب قُربها من بلاد فارس، والتأثُّر بالفلسفة (*) اليونانية بعد عصر الترجمة، ثم بسلوكيات رهبان (*) أهل الكتاب، وقد تنازع العلماء والمؤرخون في أول مَن تسمَّ به. على أقوال ثلاثة:

1 ـ قول شيخ الإسلام ابن تيمية ومن وافقه: أن أول من عُرف بالصوفي هو أبو هاشم الكوفي ت150هـ أو 162هـ بالشام بعد أن انتقل إليها، وكان معاصراً لسفيان الثوري ت 155هـ قال عنه سفيان: "لولا أبو هاشم ما عُرِفت دقائق الرياء". وكان معاصراً لجعفر الصادق وينسب إلى الشيعة (*) الأوائل، ويسميه الشيعة مخترع الصوفية.

2 ـ يذكر بعض المؤرخين أن عبدك ـ عبد الكريم أو محمد ـ المتوفى سنة 210هـ هو أول من تسمى بالصوفي، ويذكر عنه الحارث المحاسبي أنه كان من طائفة نصف شيعية تسمي نفسها صوفية تأسست بالكوفة. بينما يذكر الملطي في التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع أن عبدك كان رأس فرقة من الزنادقة (*) الذين زعموا أن الدنيا كلها حرام، لا يحل لأحد منها إلا القوت، حيث ذهب أئمة الهدى، ولا تحل الدنيا إلا بإمام عادل، وإلا فهي حرام، ومعاملة أهلها حرام.

3 ـ يذهب ابن النديم في الفهرست إلى أن جابر بن حيان تلميذ جعفر الصادق والمتوفى سنة 208هـ أول من تسمى بالصوفي، والشيعة تعتبره من أكابرهم، والفلاسفة ينسبونه إليهم.

ـ وقد تنازع العلماء أيضاً في نسبة الاشتقاق على أقوال كثيرة أرجحها:

1ـ ما رجَّحه شيخ الإسلام ابن تيمية وابن خلدون وطائفة كبيرة من العلماء من أنها نسبة إلى الصُّوف حيث كان شعار رهبان (*) أهل الكتاب الذين تأثر بهم الأوائل من الصوفية، وبالتالي فقد أبطلوا كل الاستدلالات والاشتقاقات الأخرى على مقتضى قواعد اللغة العربية، مما يبطل محاولة نسبة الصوفية أنفسهم لأهل الصُّفَّة من أصحاب رسول (*) الله صلى الله عليه وسلم، أو محاولة نسبة الصوفية أنفسهم إلى علي بن أبي طالب والحسن البصري وسفيان الثوري رضي الله عنهم جميعاً، وهي نسبة تفتقر إلى الدليل ويعوزها الحجة والبرهان.

2ـ الاشتقاق الآخر ما رجحه أبو الريحان البيروني 440هـ وفون هامر حديثاً وغيرهما من أنها مشتقة من كلمة سوف SOPHاليونانية والتي تعني الحكمة. ويدلِّل أصحاب هذا الرأي على صحته بانتشاره في بغداد وما حولها بعد حركة الترجمة النشطة في القرن الثاني الهجري بينما لم تعرف في نفس الفترة في جنوب وغرب العالم الإسلامي. ويضاف إلى الزمان والمكان التشابه في أصل الفكرة عند الصوفية واليونان حيث أفكار وحدة الوجود والحلول (*) والإشراق (*) والفيض (*). كما استدلوا على قوة هذا الرأي بما ورد عن كبار الصوفية مثل السهروردي ـ المقتول ردة ـ بقوله: (وأما أنوار السلوك في هذه الأزمنة القريبة فخميرة الفيثاغورثيين وقعت إلى أخي أخميم (ذي النون المصري) ومنه نزلت إلى سيارستري وشيعته (أي سهل التستري) وأضافوا إلى ذلك ظهور مصطلحات أخرى مترجمة عن اليونانية في ذلك العصر، مثل الفلسفة (*)، الموسيقا، الموسيقار، السفسطة (*)، الهيولي.

• طلائع الصوفية: ظهر في القرنين الثالث والرابع الهجري ثلاث طبقات من المنتسبين إلى التصوف وهي:

• الطبقة الأولى: وتمثل التيار الذي اشتهر بالصدق في الزهد إلى حد الوساوس، والبعد عن الدنيا والانحراف في السلوك والعبادة على وجه يخالف ما كان عليه الصدر الأول من الرسول (*) صلى الله عليه وسلم وصحابته بل وعن عبّاد القرن السابق له، ولكنه كان يغلب على أكثرهم الاستقامة في العقيدة، والإكثار من دعاوى التزام السنة ونهج السلف، وإن كان ورد عن بعضهم ـ مثل الجنيد ـ بعض العبارات التي عدها العلماء من الشطحات، ومن أشهر رموز هذا التيار:

ـ الجنيد: هو أبو القاسم الخراز المتوفى 298هـ يلقبه الصوفية بسيد الطائفة، ولذلك يعد من أهم الشخصيات التي يعتمد المتصوفة على أقواله وآرائه وبخاصة في التوحيد والمعرفة والمحبة. وقد تأثر بآراء ذي النون النوبي، فهذبها، وجمعها ونشرها من بعده تلميذه الشبلي، ولكنه خالف طريقة ذي النون والحلاّج و البسطامي في الفناء (*)، حيث كان يُؤْثر الصحو (*) على السكر (*) وينكر الشطحات، ويؤثر البقاء على الفناء، فللفَناءِ عنده معنى آخر، وقد أنكر على المتصوفة سقوط التكاليف (*). وقد تأثر الجنيد بأستاذه الحارث المحاسبي الذي يعد أول من خلط الكلام (*) بالتصوف، وبخاله السري السقطي ت 253هـ.

وهناك آخرون تشملهم هذه الطبقة أمثال: أبو سليمان الداراني عبد الرحمن بن أحمد بن عطية العني ت205هـ، وأحمد بن الحواري، والحسن بن منصور بن إبراهيم أبو علي الشطوي الصوفي وقد روى عنه البخاري في صحيحه، والسري بن المغلس السقطي أبوالحسن
__________________
نراع إذا الجنائز قابلتنا *** ونلهو حين تختفي ذاهبات
كروعة قلة لظهور ذئب *** فلما غاب عادت راتعـــــات