عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 16-05-2000, 12:03 AM
محمد علي محمد علي غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: May 2000
المشاركات: 34
Post



العصمة اصطلاحاً هي الحفظ من الخطأ والزلل والنسيان، وهناك أدلة عقلية على ذلك ، وهي العامل والوحيد الذي يفرض على المسلمين أن يتقبلوا من النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- لأنه اذا لم يكن معصوماً لجاز أن يجتهد من نفسه ويخطيء فيحسب ذلك على الدين وهذا باطل ، وقد قال الله تعالى" وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا" وقال "أطيعوا الله وأطيعوا الرسول" وجاءت الآية على الاطلاق ، أي أن كل ما آتاكم الرسول خذوه منه على أنه دين الله .. فهو "لا ينطق عن الهوى* إن هو الا وحي يوحى" ، وقد يدعي البعض أن هذا محصور في تبليغ القرآن والعبادات متناسين أن الشريعة الاسلامية السمحاء شملت كل شؤون الحياة ، فلا يخلو أمر أبداً الا وكان للدين رأي فيه ، وقد أجمع المسلمون على أن قول وفعل النبي حجة عليهم وسنة يجب اتباعها وبها يتعبد الى الله ، فإذا أسقطنا عصمته -صلى الله عليه وآله وسلم- كيف نعلم أن صلاة الظهر مثلاً أربع ركعات ؟ ألا يمكن أن يكون قد نسي أو أخطأ في التبليغ ؟ أو أنه اجتهد من عند نفسه؟ وقس على ذلك كل كبيرة وصغيرة من أمور ديننا الحنيف . فصحة الدين تقتضي التسليم بعصمة صاحب الرسالة ، وكما أن الله جل جلاله حفظه في نفسه وحياته من جميع أعدائه والكافرين به حتى يقوم بدوره في تبليغ الناس وانذارهم ،قال تعالى"
يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك فإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس" فكذلك حفظه في عقله وقلبه من الهوى والغي والعصيان وهمزات الشيطان حتى يتم التبليغ بأمانة وعن جدارة .

أما عن وجود معصومين غير الأنبياء ، فنقول أن العصمة نوعان : كلية وجزئية ، الجزئية تكون في المؤمن الورع الذي وصل الى رتبة رفيعة من الورع وتقوى الله بحيث لا يقترف ذنباً أو يحدث نفسه بصغيره ، ومعلوم أن كل من تقرب الى الله تقرب الله اليه وزاده من ألطافه وعناياته الالهية ،والله يهدي من يشاء الهداية بأن يوفقه الى كل خير ويجنبه شر نفسه ، ويضل من شاء الضلالة بأن لا يلتفت له فيتلقفه الشيطان ويتبع هواه. أما العصمة الكلية فهي ما خص الله تعالى به الأنبياء ، ونحن نقول أيضاً : أهل بيت النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- بدليل قوله تعالى " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا" وقد يمر الانسان على هذه الآية ولا يفهم منها شيئاً -وقد مر بي من فعل ذلك فعلاً- ولكن بقليل من التفكير والتدبير يخلص الى هذه النتيجة : أن ذهاب الرجس والتطهير هو العصمة من المعاصي واتباع الباطل ، واذا ما أضفنا الى هذه الآية حديث الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة -عليها السلام " يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها" ، فلو كانت فاطمة -عليها السلام- ترضى بالباطل وتغضب على الحق فكيف يحق لنا أن نقول أن الله يرضى لرضاها ؟ لذا لزم أنها -عليها السلام - أن ترضى بما يرضي الله وتغضب لغضبه وهذا دليل بين على العصمة .
وكذلك حديث النبي -عليه السلام-: علي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيثما دار . فمن كان مع الحق ولزمه حيثما كان وجب أن يكون متنزهاً عن الخطأ والعصيان وهكذا.

أما أن العصمة"تعني انسلاخ وتجرد المعصوم عن إنسانيته بكل ما فيها من مشاعر ومطالب بشرية كالحب والكره والغضب والخطأ والصواب" فالجواب : كلا ، لأننا لو فرضنا ذلك لكنا كالجبرية ، وهذا فيه اسقاط لأي فضيلة أو مزية شرف الله تعالى بها أنبيائه ورسله ، فلة كانوا لا يعصون الله لأنهم لا يستطيعون ذلك فما فضلهم على البشر الذين يجاهدون النفس والشيطان والهوى ويصرعونهم ويتغلبون عليهم؟ اذن لأصبح هؤلاء أفضل من أنبياء الله ، لذلك فقد فضل الله المؤمنين الخلص على الملائكة لأن الملائكة ليست لديهم شهوات وأهواء ، أما هؤلاء المؤمنين فهم لديهم كل هذا فغلبوا عقلهم على هواهم فاستحقوا منزلة عظيمة عند الله ، ولما كان الأنبياء أفضل خلق الله فلا مناص أنهم إنما وصلوا هذه المقامات الرفيعة لنفسياتهم العالية وافناء أنفسهم في ذات الله بدرجة كبيرة تفوق باقي البشر ، ولما وجد الله ذلك منهم حباهم بنعمه وفضله ، ونذكر مثالاً لتقريب هذا المعنى
"واذ ابتلى ابراهيم ربه بكلمات فأتمهم" لما أمره أن يذبح ابنه اسماعيل عليه السلام فوجده صابراً مطيعاً لأمر ربه" قال اني جاعلك للناس اماما" فابراهيم استحق هذه المنزلة عن جدارة واستحقاق بعد أن نجح في هذا الاختبار الرهيب ، لذلك أفاض الله عليه بنعمة جليلة ومكانة سامية اذ جعله للناس اماما ، فهو أملاً وأخيراً انسان ككل البشر ولكنه آثر مرضاة الله وطاعته على حبه لابنه ونفسه ، فالأنبياء يحبون ويكرهون .. ولكن لله وفي الله ، ونذكر من أمر نوح -عليه السلام " ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين *قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسئلن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين" ولو كان نوحاً شخصاً عادياً لألح على ربه وشغفه حب ابنه وأخذ في طلبه ، ولو لم يكن يحب ويكره لما سأل عن ابنه ، ولكنه لسمو نفسيته وعلو همته كان يحب ويكره لله ، لذلك قال على الفور "قال رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم".
أما الخطأ والصواب فالله يسدد أنبياءه الى الصواب دائماً بمنه ورحمته ، ويبقى أن نشير الى أنه يجوز على الأنبياء الخطأ من نوع ترك الأولى ، وهو لا يعتبر معصية يحاسب عليها وإنما قد يعاتبه الله على ذلك .