يصعب علي التصديق بأن الله أنزل هذا القرآن للناس ثم يخفي تأويله . فهل خفي هذا التأويل عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-؟ هل ذكر أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- سئل يوماً عن آية من كتاب الله -أو أي أمر آخر- فقال لا أعلم؟ كيف يكون هذا وهو يتلقى الوحي من الله ، والله يقول " وأنزل عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم " .
أما قولك "والراسخون في العلم يسلّمون بالإيمان بها تسليماً مطلقاً، فلا يقع في نفوسهم أي شك أو تردد" فهذا صحيح ولكن لا يعني هذا أنهم لا يعلمونه تأويله ، والا لما وصفهم رب العزة بالرسوخ في العلم ، ولوصفهم بالمؤمنين لأن كل المؤمنين يسلّمون بالإيمان بها تسليماً مطلقاً ، ولكن من الواضع أن الراسخون في العلم لديهم صفات ومميزات تميزهم عن المؤمنين الآخرين ، ومصداق ذلك قوله تعالى " لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل الله إليك وما أنزل من قبلك".
أما القول أنهم "يجتهدون وقد يصيبون وقد يخطؤون" فهذا يناقض وصفهم ، فلنرجع للغة ونفهم ، أم أنك تريدنا أن نرجع للغة عندما تريد تخطئتنا وأن نجتهد عندما لا تعجبك حجتنا؟
أرجو أن تسأل نفسك كيف يكون الشخص صاحب علم راسخ ثم يجتهد ؟ إن صاحب العلم لا عليه الأمر هو الذي يجتهد.
إن الله "اذا أحب عبداً فقهه في الدين " ، وقد علم رسوله المصطفى -صلى الله عليه وآله وسلم- مالم يعلم أحداً من خلقه ، وقد علم رسول الله أصحابه كل حسب قدرته ومنزلته وقربه ، فمنهم من علم علم الكتاب . وحتى نعرف قدر علم الكتاب نعود الى هذه الآية:
"قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتداليك طرفك" فجاء بعرش بلقيس بأقل من طرفة عين ولم يكن عنده علم الكتاب كله ولكن جزء منه ، أما الذي عنده علم الكتاب كله : "ويقول الذين كفروا لست مرسلاً قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب" فهو اذن من أمة محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- جعله الله شهيداً عليهم معه.
ولا يختلف اثنان -الا من أراد اللجاج- أن أفهام الناس ومداركهم وعقولهم ليست سواء ، فمنهم من يستوعب ويحفظ ويعقل بدرجة أكبر وأعلى من غيره أو أقل ، ولا يشذ عن هذا الصحابة أنفسهم ، ولا أدل عن هذا أننا لو فتشنا كتب المسلمين لما وجدنا الروايات تنقل عن مائة ألف صحابي بنفس العدد والمقدار ، ولو أنهم بنفس المستوى لما اختلفوا باجتهاداتهم أشد الاختلاف حتى حارب بعضهم بعضاً ، وقتل بعضهم بعضاً . أما أن نرد الأحاديث التي لا تعجبنا لأسباب واهية مستنكرين أن يفضل الله أناس شهد لهم بالفضل والتقوى والسبق والتفاني والاخلاص لله رسوله الكريم "أم يحسدون الناس على ما أتاهم الله من فضله" فاذا مدح الله ورسوله شخصاً أو خص جماعة بفضل وعلم فكيف لنا أن نستنكر ونستهجن قول النبي أو قول الصحابي ، فإما إننا نرد على الله ورسوله أو نثبت أن هذا لم يكن أبداً قال جل وعلا "وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة"
ولا يكون الاثبات بالأقوال الفضفاضة والكلام المرسل ، وأما الاحتجاج بأقوال المرتدين والمنحرفين عن المذهب مثل موسى الموسوي ومن لف لفه فهو غير منطقي ، لأنه لا يجوز الاحتجاج على فكر بمنطق أعداءه ومناوئيه ، والا احتججنا عليك من كتبنا لا من كتبكم ، حتى أخذت تبطل أقوال بعض أئمتكم وتزعم أنها غير ثابته ولا يؤخذ بها ، بل أن تفسيرك واجتهادك أصح وأقوم . فازالة ما يتعارض مع هذا الخط وان كان من الروايات الصحيحة واجب لأنه يعرضه لمحنة المسائلة ويرجح ما نذهب اليه ، وليتك تراجع التاريخ حتى تعرف متى تشيع الفرس وما كان مذهبهم من تاريخ فتح فارس الى قيام الدولة العباسية ، ومن كان يتشيع أصلاً قبل هؤلاء ومركزهم في البلاد الاسلامية .
والنتيجة أن ينكر فضل من فضله الله ويضيع في الزحام ، وليتهم وجدوا فيه نقصاً أو عيباً ،وانما أرادوا تنقيص وازدراء من اتبعه واقتدى به ، وهذا ليس بالشي الجديد ولا نتاج اليوم وإنما قالوا"بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا"
ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
|