عرض مشاركة مفردة
  #71  
قديم 15-10-2006, 09:51 PM
الصورة الرمزية لـ الوافـــــي
الوافـــــي الوافـــــي غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
الإقامة: saudia
المشاركات: 24,409
إفتراضي

ويوم يجيء حنين ليؤكد فدائية هذا الهادئ السمت, اللين الجانب, حينما تدعو الحاجة إليها, ويهيب المواقف بها, بينما هي في غير ذلك الظرف الملحّ, مستكنّة تحت الأضلاع, متوارية عن الأضواء..!!

في السنة الثامنة للهجرة, وبعد أن فتح الله مكة لرسوله ولدينه عز بعض القبائل السائدة في الجزيرة العربية أن يحقق الدين الجديد كل هذا النصر بهذه السرعة..
فاجتمعت قبائل هوزان وثقيف ونصر وجشم وآخرون. وقرروا شنّ حرب حاسمة ضدّ الرسول والمسلمين..
إن كلمة قبائل لا ينبغي أن تخدعنا عن طبيعة تلك الحروب التي كان يخوضها الرسول طوال حياته. فنظن أنها كانت مجرّد مناوشات جبلية صغيرة, فليس هناك حروب أشدّ ضراوة من حروب تلك القبائل في معاقلها..!!
وإدراك هذه الحقيقة لا يعطينا تقديرا سديدا للجهد الخارق الذي بذله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فحسب, بل يعطينا تقديرا صحيحا وأمينا لقيمة النصر العظيم الذي أحرزه الإسلام والمؤمنون, ورؤية واضحة لتوفيق الله الماثل في هذا النجاح وذلك الانتصار..

احتشدت تلك القبائل في صفوف لجبة من المقاتلين الأشدّاء..
وخرج إليهم المسلمون في اثني عشر ألفا..
اثنا عشر ألفا..؟؟
وممن..؟؟
من الذين فتحوا مكة بالأمس القريب, وشيعوا الشرك والأصنام إلى هاويتها الأخيرة والسحيقة, وارتفعت راياتهم تملأ الأفق دون مشاغب عليها أو مزاحم لها..!!
هذا شيء يبعث الزهو..
والمسلمون في آخر المطاف بشر, ومن ثم, فقد ضعفوا أمام الزهو الذي ابتعثته كثرتهم ونظامهم, وانتصارهم بمكة, وقالوا:
" لن نغلب اليوم عن قلة".
ولما كانت السماء تعدّهم لغاية أجلّ من الحرب وأسمى, فان ركونهم إلى قوتهم العسكرية, وزهوهم بانتصارهم الحربي, عمل غير صالح ينبغي أن يبرؤوا منه سريعا, ولو بصدمة شافية..
وكانت الصدمة الشافية هزيمة كبرى مباغتة في أول القتال, حتى اذا ضرعوا إلى الله, وبرؤوا من حولهم إلى حوله, ومن قوتهم إلى قوته, انقلبت الهزيمة نصرا, ونزل القرآن الكريم يقول للمسلمين:
(.. ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا, وضاقت الأرض بما رحبت, ثم وليتم مدبرين. ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين, وأنزل جنودا لم تروها, وعذب الذين كفروا, وذلك جزاء الكافرين)..

كان صوت العباس رضي الله عنه يومئذ وثباته من ألمع مظاهر السكينة والاستبسال..
فبينما كان المسلمون مجتمعين في أحد أودية تهامة ينتظرون مجيء عدوّهم, كان المشركون قد سبقوهم إلى الوادي وكمنوا لهم في شعابه وأنحائه, شاحذين أسلحتهم, ممسكين زمام المبادرة بأيديهم..
وعلى حين غفلة, انقضّوا على المسلمين في مفاجأة مذهلة, جعلتهم يهرعون بعيدا, لا يلوي أحد على أحد..
ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدثه الهجوم المفاجئ الخاطف على المسلمين, فعلا صهوة بغلته البيضاء, وصاح:
" إلى أين أيها الناس..؟؟
هلموا إليّ..
أنا النبي لا كذب..
أنا ابن عبد المطلب"..
لم يكن حول النبي ساعتئذ سوى أبي بكر, وعمر, وعلي بن أبي طالب, والعباس بن عبد المطلب, وولده الفضل بن العباس, وجعفر بن الحارث, وربيعة بن الحارث, وأسامة بن زيد, وأيمن بن عبيد, وقلة أخرى من الأصحاب..
وكان هناك سيدة أخذت مكانا عاليا بين الرجال والأبطال..
تلك هي أم سليم بنت ملحان..
رأت ذهول المسلمين وارتباكهم, فركبت جمل زوجها أبي طلحة رضي الله عنهما, وهرولت بها نحو الرسول..
ولما تحرك جنينها في بطنها, وكانت حاملا, خلعت بردتها وشدّت بها على بطنها في حزام وثيق, ولما انتهت إلى النبي صلى الله عليه وسلم شاهرة خنجرا في يمينها ابتسم لها الرسول وقال:
" أم سليم؟؟"..
قالت: " نعم بأبي أنت وأمي يا رسول الله..
اقتل هؤلاء الذين ينهزمون عنك, كما تقتل الذين يقاتلونك, فإنهم لذلك أهل"..
وازدادت البسمة ألقا على وجه الرسول الواثق بوعد ربه وقال لها:
" إن الله قد كفى وأحسن يا أم سليم"..!!

هناك ورسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الموقف, كان العباس إلى جواره, بل كان بين قدميه بخطام بغلته يتحدى الموت والخطر..
وأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يصرخ في الناس, وكان العباس جسيما جهوري الصوت, فراح ينادي:
" يا معشر الأنصار..
يا أصحاب البيعة"...
وكأنما كان صوته داعي القدر ونذيره..
فما كاد يقرع أسماع المرتاعين من هول المفاجأة, المشتتين في جنبات الوادي, حتى أجابوا في صوت واحد:
" لبّيك.. لبّيك"..
وانقلبوا راجعين كالإعصار, حتى إن أحدهم ليحرن بعيره أو فرسه, فيقتحم عنها ويترجل, حاملا درعه وسيفه وقوسه, ميممّا صوب موت العباس..
ودارت المعركة من جديد.. ضارية, عاتية..
وصاح رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" الآن حمي الوطيس"..
وحمي الوطيس حقا..
وتدحرج قتلى هوزان وثقيف, وغلبت خيل الله خيل اللات, وأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين..!!!

.. يتبع ..
__________________


للتواصل .. ( alwafi_248@hotmail.com )

{ موضوعات أدرجها الوافـــــي }