عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 24-10-2006, 03:53 AM
tijani tijani غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2004
الإقامة: Netherlands/Marocco
المشاركات: 32
إفتراضي الكنيسة وعقدة العداء للإسلام

عن النص والسياق
تجدر الإشارة إلى أنه تم اختيار زمن إلقاء محاضرة البابا بنيديكتس السادس عشر بجامعة ريجنسبورج الألمانية بدقة كبيرة، وهو الثالث عشر من سبتمبر 2006، الذي يتزامن، تقريبا، مع ذكرى هجمات الحادي عشر على نيويورك وواشنطن، وكأنه يسعى من خلال ذلك إلى تأكيد خطر الإسلام على الغرب، وهذا ما يحيل عليه أكثر من موضع في محاضرته، التي استدعت قراءات متعددة، تختلف من فرد إلى آخر، ومن دولة إلى أخرى، ومن ثقافة إلى أخرى، فإذا كانت القراءات العربية والإسلامية لخطاب البابا تتفق، بشكل كثيف، حول أن البابا أساء إلى الإسلام بوعي تام، وأن ما ورد في المحاضرة يعبر عن موقف الفاتيكان المعادي للإسلام، ذلك نفسه ما وجد له صدى عارما عبر الشارع العربي والإسلامي، فإن القراءات الغربية تلتقي أغلبها في فكرة أن كلام البابا أسئ فهمه، وأنه لم يقصد إساءة الإسلام كما ورد في صحيفة (التراو) الهولندية، وأن ذلك سوف يترتب عنه ضرر ديبلوماسي في علاقة الفاتيكان بالإسلام، وعلى هذا المنوال تمضي معظم وسائل الإعلام الغربية، وقلما نجد رأيا يعارض ما تفوه به البابا، ولو كان صادرا عن رجل فكر، كالمفكر الفرنسي (جيل كيبيل) المعروف المتخصص في قضايا الإسلام والغرب، الذي رأى أن كلام البابا ينطوي على مجازفة، قد تحمل جزءا من المسلمين على التطرف.

إن معاملة الإسلام لغير المسلمين، انبنت على نهج الآية الكريمة "لا إكراه في الدين" البقرة/256، والدليل القاطع على ذلك هو حرية التدين التي تمتع بها أهل الذمة داخل الدولة الإسلامية، على مر العصور، وعبر شتى البقاع، والبابا على علم أكيد بهذه الحقيقة التي انفرد بها الإسلام، واقعيا وتاريخيا، عن سائر الأديان، لكنه ماض في غيه، الذي زين له أن يقول أن محمدا (ص) حض على نشر الإسلام بالسيف، وبأسلوب المراوغة وازدواجية الخطاب يريد أن يتملص مما قاله، مبررا بأن ذلك ليس كلامه، ونحن نعلم أن الإنسان لا يقول إلا ما يعتقد به، وإنما هو كلام مقتبس من حوار جرى في القرون الوسطى، بين الإمبراطور البيزنطي واسع العلم مانويل باليولوغوس الثاني وفارسي متعلم حول المسيحية والإسلام، وتبريرا لاقتباس الإمبراطور حول أن الإسلام نشر بالسيف، يعززه بشرح ينسبه كذلك إلى الإمبراطور، وهو يتساءل؛ "لماذا إن نشر الإيمان بالعنف أمر مناف للعقل والمنطق، فالعنف لا يتفق وطبيعة الله ولا يتفق وطبيعة الروح". وهو يغض الطرف عن عنف الكنيسة الذي استغرق قرونا عدة، وهو عنف أثبته البابا السابق بأسلوب مخجل، يطلب فيه الصفح والغفران.
وفيما يتعلق بحديث البابا حول العقل في الإسلام على أن "الله جل عن كل شيء، فعال لما يريد منزه عن أي من قوالبنا، بما في ذلك العقل والمنطق". فإن خير رد على ذلك هو ما تضمنه بيان الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين الذي ورد فيه: "ولو رجع (يقصد البابا) إلى قول أئمة الإسلام، (...) لوجدهم يقولون: إن العقل أساس النقل، ولولا العقل ما قام النقل، ولا ثبت الوحي؛ لأن ثبوت النبوة لا يتم إلا بالعقل، وثبوت النبوة لشخص معين لا يتم أيضًا إلا بالعقل. ولا يقبل المحققون من علماء الإسلام من آمن بالإسلام تقليدًا لآبائه، دون إعمال للعقل، ونظر في الأدلة، ولو بالإجمال".

يقينا، إن البابا سقط في مأزق لم يكن في حسبانه، وهو مأزق كان من السهولة بمكان الانفلات منه، عن طريق اعتذار لا يقتضي منه إلا دقائق معدودات، لكنه لم يفعل ذلك، وإنما اكتفى بالأسف الشكلي الذي لا يغني ولا يسمن من جوع، ترى لماذا يركب البابا صهوة العناد والكبرياء، ولا يستفيد من مواقف البابا السابق الذي كان يعرف كيف يداهن خصومه؟ ترى ما هي الخلفيات التي تدعوه لشن هذه الحملة الجديدة على الإسلام وهو الذي سبق له واستنكر رسوم الجريدة الدنماركية التي أساءت إلى الرسول (ص)؟ ألا ينطوي نص خطابه على تناقض صارخ؟

كما تمت الإشارة في أكثر من موطن من هذا المقال، ثمة عداء دفين للإسلام من لدن الدعاة الغربيين إلى حوار الأديان، هذا العداء يطفو من حين إلى آخر على سطح الواقع، وهذا ما يسري على حالة البابا، وإن كانت بعض المصادر الإعلامية تقول "أن صقور الفاتيكان وعلى رأسهم الكاردينال الألماني فالتر كاسبير هم من أعدوا نص المحاضرة التي ألقاها البابا بالجامعة الألمانية، وذلك من أجل إقناع المسيحيين بأن الفاتيكان تعيش نفس الهموم التي يعيشها المسيحيون عبر العالم، وأن موقفها من الإسلام واضح ومخالف للبابا الراحل يوحنا بولس الثاني"، مما يشير إلى أن الحرب الجديدة ضد الإسلام سلسلة ذات حلقات مترابطة، ولو اختلفت توجهات ومشارب الذين يقودونها أو يدعون إليها، من رجال سياسة ودين وفكر وفن وغير ذلك.

خلاصة القول، كيف كان رد فعل المسلمين قادة وعلماء ومثقفين وشعوبا، على حملة البابا على الإسلام؟ هل ثمة من جديد في مواقفهم أم أن دار لقمان بقيت على حالها؟ فيما يتعلق بقادة العالم العربي والإسلامي لم نسمع إلا بعض الأصوات المحتشمة الخافتة، التي عبرت في شكل عشوائي عن استيائها الأبيض من تصريحات البابا، في الوقت الذي كنا ننتظر منها أن تنهض بقوة، وتقف وقفة رجل واحد ضد هذه الإساءة، وتصدر قرارات سياسية جادة وصارمة تضع الفاتيكان أمام أمر الواقع، عن طريق المقاطعة الديبلوماسية والاقتصادية، التي دعا إليها الكثير من علماء ومفكري ومثقفي الأمة الإسلامية، لكن أينتظر ذلك من أولئك الذين سبق لهم في إحدى قمم الجامعة العربية، التي عقدت في تسعينيات القرن المنصرم، أن أجمعوا على الضعف العربي أمام إسرائيل والعالم الغربي، فإلى متى يستمر هذا الضعف الفوقي الذي تقابلة قوة شعبية تحتية عارمة على وشك الانفجار!
__________________
التجاني بولعوالي
شاعروكاتب مغربي مقيم بهولندا