عرض مشاركة مفردة
  #7  
قديم 03-06-2000, 12:47 PM
صلاح الدين صلاح الدين غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: May 2000
المشاركات: 805
Post

الهدوء الهدوء، أيها المتحاورون
علينا أولاً أن نوقف التقاذف الذي لا علاقة له بالحوار العلمي والموضوعي. واستخدام ألفاظ مثل (الرافضة) أو غيرها لا تعين على فهم، ولا على حوار، ولا على تبيان حق من باطل، أو شبهة من محكم. والأفضل أن نتجنب مثل هذه الألفاظ وأمثالها مما يعني التجريح ولا يقصد الإيضاح، والأصل أن ينادى الفرد، وأن تسمى الجماعة بما اختار، واختارت لنفسها. فهل يحب أحدنا أن يسمى (ناصبياً)؟ وكذلك لا يرضى الغير أن يقال له (رافضي) وإذا اختار أن يكون جعفرياً، فليكن، ولكن عليه عند إيراد أقوال الإمام جعفر أن يرويها بما هو متفق عليه عند الطرفين، إذ لا حجة لفريق على الآخر من دون دليل معتبر. وطرق الرواية عند الإمامية الاثني عشرية ليست بحجة على الجمهور، وليست بحجة عند الإمامية أنفسهم، إذ لا يعتقدون بوجود كتاب صحيح كما هو الحال عند الجمهور في نظرتهم للبخاري ومسلم. وأحاديث الكتب الأربعة، كما يجيب علماء الإمامية لا يسلّم بصحتها المطلقة. وقواعد النقد عند علمائهم ليست واحدة، فما يصححه زيد من أحاديث (الكافي) لا يلزم عمرو الذي يقول بضعف الحديث نفسه. بل من الآفات أن الولاء عندهم مقدم على مواصفات العدالة والثقة، بينما يضع الجمهور قواعد صارمة للحكم على الرواية بالصحة أو الضعف أو الوضع، على اختلاف درجات الصحيح والضعيف، ما يعرفه المحدثون، والمشتغلون بعلم الحديث. وعلم الرواية والدراية (علم مصطلح الحديث) علم ابتكره علماء الحديث ولم يعرفه الإمامية على وجه التحديد إلا في العصور المتأخرة، ولا يقوى على النقد لأمور يعرفها علماء الفريقين. وقد ابتدعت مدرسة (الإخباريين) وأهم رموزها (المجلسي) صاحب (بحار الأنوار) القول بالصرفة، ويعنون بذلك أن الله تعالى صرف الناس عن التقول على الأئمة، فكل ما يرد على ألسنتهم صحيح. ولذلك ترى كتاب المجلسي، والكتب التي تتبع نفس المدرسة مليئة بالخرافات والأساطير، كالقول بأن الأئمة يعرفون علم ما كان وما هو كائن وما سيكون، وأن أحدهم لا يقبض إلا بعد استئذانه، وبأزليتهم وأبديتهم، وبأن أرواحهم ليست كبقية الأرواح، وهي أقوال ينفيها الأصوليون والمحققون من الشيعة، وفي أضعف الإيمان يبحثون عن تفسير لها وتأويل للتوافق مع اعتقاد المسلمين، وحتى لا تتعارض مع آيات التنزيل الشريف.

أما موضوع (عصمة) غير الأنبياء والرسل، والذي يدعيه الإمامية لأئمتهم، وكذلك الفاطميون العبيديون لملوكهم، فقول لا نص عليه، لا من الكتاب ولا من سنة النبي المصطفى (ص)، وإنما دليله عقلي، والدليل العقلي اجتهادي، والاجتهاد فيه اجتهاد في الغيبيات، والاجتهاد في الغيبيات ضرب عشواء لا يصح نقلاً ولا عقلاً.

وأما قول القائل (فنحن الشيعه لا نعارض مبايعة الحسن عليه السلام لمعاويه، ولسنا ننكر عليه ذلك، نحن نعرف أي الضروف التي اضطرته لذلك) فعود إلى أهم قاعدة من قواعد الجمهور، وهو القول (بالشورى) و(بالسياسة الشرعية) وفيها تعارض وتناقض مع قاعدة (التبليغ) و(الولاء والبراء) التي جعلها البعض ديناً لا يصح الخروج عليه، ضمن مفهومهم لها، وليس ضمن القواعد الشرعية التي تحكمها، نصاً وروحاً وتشريعاً.
ومن المؤلم أن تجد القوم لا يتورعون عن اتهام الأئمة الذين (عصمهم الله) – كما يعتقدون - لتبليغ الدين وأحكامه الكلية والجزئية، حتى لا يضطر الناس لسؤال (غير المعصوم) الذي يخشى الناس في فتواه وحكمه وسياسته، تراهم يتهمون النبي (ص) والأئمة بالضعف والخوف والتردد، حتى يبرروا ما قاموا به وقالوه وفعلوه مما يخالف أقوال الإمامية وتصوراتهم في مسألة الحكم والسياسة أولاً، ثم في مسائل أخرى منها أصول ومنها فروع، مما هو مكرر ومعروف. ولا يتورعون بالتالي عن تأويل الآيات القرآنية بما يناقض العربية، ولا يتسق مع نصوص الحديث، لأنهم لم يجدوا لا في الكتاب ولا في الحديث ما يصلح ليكون قطعي الدلالة في
تفاصيل معتقدات المذهب.

وأما قول النبي (ص): (الأئمه اثنا عشر كلهم من قريش) فالحديث ليس بهذا النص عند الجمهور، وإنما نصه:

1576 عن أنس قال كنا في بيت رجل من الأنصار فجاء رسول الله (ص) حتى وقف فأخذ بعضادتي الباب فقال: (الأئمة من قريش، ولهم عليكم حق، ولكم مثل ذلك، ما إذا استرحموا رحموا، وإذا حكموا عدلوا، وإذا عاهدوا وفوا، فمن لم يفعل ذلك منهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين). [الأحاديث المختارة للحنبلي المقدسي، ص4/403].

وعن محمد بن إسحاق بن يسار، ثم في خطبة أبي بكر (رض)، قال: (وإن هذا الأمر في قريش ما أطاعوا الله واستقاموا على أمره. قد بلغكم ذلك أو سمعتموه من رسول الله (ص). ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم، واصبروا إن الله مع الصابرين، فنحن الأمراء وأنتم الوزراء، إخواننا في الدين وأنصارنا عليه).
وفي خطبة عمر (رض) بعده: (نشدتكم بالله يا معشر الأنصار، ألم تسمعوا رسول الله (ص) أو من سمعه منكم وهو يقول: "الولاة من قريش ما أطاعوا الله واستقاموا على أمره"؟ فقال من قال من الأنصار: بلى؛ الآن ذكرنا. قال: فإنا لا نطلب هذا الأمر إلا لهذا الأهواء، فليس بعد الحق إلا الضلال فإنى تصرفون؟
وعن أبي سعيد الخدري (رض) قال: ثم لما توفي رسول الله (ص) قام خطباء الأنصار فجعل الرجل منهم يقول: يا معشر المهاجرين إن رسول الله (ص) كان إذا استعمل رجلا منكم قرن معه رجلا منا، فنرى أن يلي هذا الأمر رجلان، أحدهما منكم والآخر منا. قال فتتابعت خطباء الأنصار على ذلك فقام زيد بن ثابت (رض) فقال: إن رسول الله (ص) كان من المهاجرين، وإن الإمام يكون من المهاجرين، ونحن أنصاره كما كنا أنصار رسول الله (ص). فقام أبو بكر (رض) فقال: جزاكم الله خيرا يا معشر الأنصار، وثبت قائلكم. ثم قال: أما لو ذلك لما صالحناكم. ثم أخذ زيد بن ثابت بيد أبي بكر فقال: هذا صاحبكم فبايعوه. ثم انطلقوا فلما قعد أبو بكر (رض) على المنبر نظر في وجوه القوم فلم ير عليا (رض) فسأل عنه، فقام ناس من الأنصار فأتوا به، فقال أبو بكر (رض): ابن عم رسول الله (ص) وختنه؛ أردت أن تشق عصا المسلمين؟ فقال: لا تثريب يا خليفة رسول الله (ص). ثم لم ير الزبير بن العوام (رض) فسأل عنه حتى جاءوا به، فقال: ابن عمة رسول الله (ص) وحواريه، أردت أن تشق عصا المسلمين؟ فقال مثل قوله: لا تثريب يا خليفة رسول الله. فبايعاه.
وعن علي (رض) قال: (الأئمة من قريش).
وعن أنس بن مالك قال: دخل علينا رسول الله (ص) ونحن في بيت في نفر من المهاجرين، قال: فجعل كل رجل منا يوسع له يرجو أن يجلس إلى جنبه، فقام على باب البيت فقال: (الأئمة من قريش، ولي عليكم حق عظيم، ولهم مثله ما فعلوا ثلاثاً: إذا استرحموا ورحموا، وحكموا فعدلوا، وعاهدوا فوفوا، فمن لم يفعل ذلك منهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين). [سنن البيهقي الكبرى، ص8/143].

5942 قال أنس بن مالك: أحدثك حديثاً ما أحدثه كل أحد، إن رسول الله (ص) قام على باب ونحن فيه فقال: (الأئمة من قريش. إن لهم عليكم حقاً، ولكم عليهم حقاً، أما إن استرحموا رحموا، وإن عاهدوا وفوا، وإن حكموا عدلوا. فمن لم يفعل ذلك منهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين). [السنن الكبرى، ص3/467].

1820 وعاصم بن محمد بن زيد عن أبيه، قال: قال عبد الله: قال رسول الله (ص): (ثم لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من الناس اثنان).
1821 وعن جابر بن سمرة، قال: دخلت مع أبي على النبي (ص) فسمعته يقول: (ثم إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة) قال: ثم تكلم بكلام خفي علي، قال: فقلت لأبي: ما قال؟ قال: (كلهم من قريش).
1821 وعن جابر بن سمرة قال: سمعت النبي (ص) يقول: (ثم لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنا عشر رجلا). ثم تكلم النبي (ص) بكلمة خفيت علي، فسألت أبي: ماذا قال رسول الله (ص) فقال: (كلهم من قريش) [صحيح مسلم]ٍ.

وقريش تضم: بني هاشم، وبني عبد شمس، وبني عبد الدار، وبني مخزوم، وبني عدي، وبني تيم وغيرهم.
والفرق كبير بين ألفاظ (خلفاء) و(رجال) و(إمام) وهو مصطلح خاص يستخدمه الإمامية ليدللوا على صدق ما ذهبوا إليه من القول بالأئمة الاثني عشر.

أما القول بعصمة الصحابة، فهذا افتراء لا أساس له من الصحة، وقوله (ص): (صحابتي كالنجوم بأيهم اهتديتم اقتديتم) لا يدل على عصمة الصحابة لا من قريب ولا من بعيد. والفهم الخاطئ الذي وصل إليه الأخ الكريم مرده الجهل بمدلول المصطلح، فالعدالة غير العصمة.
والله تعالى يهدي إلى الحق.