عرض مشاركة مفردة
  #3  
قديم 07-06-2000, 09:16 AM
صلاح الدين صلاح الدين غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: May 2000
المشاركات: 805
Post

القول بأن الخصوم افتروا على الشيعة، فقوّلوهم ما لم يقولوا، ففيه شيء من الحق والحقيقة، وهذا ديدن الخصوم الذين يخرجون عن حد الموضوعية ولا يرضون لأنفسهم ما يرضونه لخصومهم. وهو أمر ساهم فيه الروافض كما ساهم فيه النواصب، والذين يتقولون ويفترون اليوم من أبناء فريق على آخر، فهم يتبعون منهج الرافضة والناصبة في هذا الافتراء، والأصل أن يحاجّ المرء بما يدين ويعتقد.

وأما إنكار وجود شخصية (عبد الله بن سبأ) لرفع المغالاة المنسوبة إليه، ورمي المسألة بكاملها على كاهل راوية أو رواية، وبأسلوب انتقائي، بحيث يتم الاستشهاد بالطبري، شيخ المفسرين وشيخ المؤرخين، فيما يظن القوم أنه في صالحهم، ورميه بالضعف في النقل فيما لا يرضيهم، فليس من الموضوعية في دراسة التاريخ من شيء. وليس من العلمية في النقد بشيء. إن قواعد نقد التاريخ لا تقوم على الحمية والعاطفة، انتصاراً لما نظنه أو نعتقده الحق. وعلى الخائض في هذه التجربة أن يلم بشيء من المبادئ والقواعد قبل أن يلج بحر التاريخ، كي لا يكبو كبوة لا يحسد عليها.

وكان الأفضل والأصلح، أن يواجه ما ينسب إلى (عبد الله بن سبأ) ويرد عليه من خلال الصحيح الثابت من عقائد وأفكار ونصوص أهل مذهبه، إن كان يعتقد أن الأقوال التي تنسب لابن سبأ لا تمثل قوله ولا رأيه ولا عقيدته. وما كتبه (مرتضى العسكري) في هذه المسألة لا يقوم حجة على ما قصده كاتب المداخلة أعلاه. لأنه عمل على نفي الشخصية لا على نفي أقوالها. والفرق بين الأمرين كبير.

وأما القول بأن (الولاية بمعنى : حب آل محمد واتباع فقههم في الشريعة ، ورواياتهم عن النبي (ص) والإعتقاد النظري بخلافتهم المباشرة للنبي (ص) والتي تمتد إلى الإمام الثاني عشر المعاصر ، وقد قدمت في هذا الكتاب بعض الأدلة التي تسند معتقدي من السنة القطعية ، مثل حديث الثقلين المتواتر ، وحديث الغدير المتواتر ، وحديث تحديد الخلفاء بالإثنى عشر المتواتر أيضا) فأمر لا يختلف مسلمان على معناه الأول، وهو حب آل محمد واتباع فقههم ورواياتهم عن النبي (ص). وهو أمر يقوم به المسلمون منذ تركوا الشرك ودخلوا في (دين الله) أفواجاً.
وإنما الجدال في الشطر الثاني، الذي يتعارض مع الشطر الأول.
فعلى رأس حبهم والالتزام بفقههم، الإيمان بالكتاب كله، والإيمان بالإسلام كله، واتباع منهجهم في التعامل مع كتاب الله وسنة رسوله (ص) والعمل يداً واحدة مع خلفاء رسول الله (ص)، فقد عمل الإمام علي بن أبي طالب (رض) لأبي بكر، وعمر، وعثمان، رضي الله عنهم أجمعين.
وكان عقيل بن أبي طالب من أهل بلاط معاوية بن أبي سفيان.
وصالح الإمام الحسن الإمام معاوية عن قناعة منه بدون إكراه.
وولي الإمام الرضا ولاية عهد الإمام المأمون.
ولم يجد كثير من آل بيت النبوة من أحفاد الإمام علي بن أبي طالب حرجاً ولا غضاضة في العمل في عهد الأمويين، وفي عهد العباسيين، وفي عهد الأيوبيين، وفي عهد المماليك، وفي عهد العثمانيين، كإمارة الحج، والقضاء، والإفتاء، ونقابة الأشراف، والتدريس، وولاية الأقطار. وهذا لا يتعارض مع ثورة بعضهم على الحكومتين الأموية والعباسية - على وجه التخصيص.
ولم تتوقف المصاهرات خلال التاريخ كله بين أشراف آل البيت الحسنيين والحسينيين مع بيوتات أمراء بني أمية وبني العباس. والعلماء في كل عصر من العصور.
وكثير من علمائنا المعاصرين ينتسبون إلى الدوحة النبوية الشريفة، في مشارق الأرض ومغاربها.
فهل نخرج هؤلاء من القول بالولاية لمجرد أنهم ليسوا (اثني عشرية)؟ وهل نحكم على الاثني عشرية أنهم جميعاً من أهل الولاية بالمطلق، وبعض رموزهم التاريخية والمعاصرة يدمرون الإسلام بما يفترونه على الله ورسوله وأئمة الهدى من الصحابة والأنصار وأمهات المؤمنين، ومن تبعهم بإحسان، كالقول بالتحريف في القرآن (بالزيادة والنقصان)، والقول بأن الأئمة المعصومين (أئمة بالاسم أنبياء بالدرجة)، والقول بأنهم لا يموتون إلا بإذنهم، وأنهم يعلمون ما كان وما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة، مما نفاه القرآن عن النبي (ص) نفسه، في آيات لا تخفى على طلاب المدارس الابتدائية.
وهل الحب الذي يدفع إلى الغلو مقبول في شرع الله؟ وكيف نحكم إذن على الذين بالغوا فأطروا عيسى بن مريم، والعزير؟
وكيف نفسر الموقف الحاسم لأمير المؤمنين، أبي الحسن (رض) من الغلاة في عصره، حتى حرّقهم بالنار؟

إن الحب والولاء الذي يخرج عن كتاب الله وسنة رسول الله (ص) انحراف، سواء قام به منتسب إلى هذه الفرقة أو تلك، أو هذا المذهب أو ذاك.

وأما تأويل أحاديث النبي (ص) بما يوافق قواعد المنطق وعلم الكلام، المبنية على المسلمة القائلة بوجوب استمرار النبوة والعصمة من خلال الإمامة، فأمر بعيد كل البعد عن قواعد الاستنباط المعتبرة عند العلماء في أمور الغيب، ذلك لأن عالم الغيب يؤخذ من صريح النصوص وصحيحها، لا من عواطف النفوس وأهوائها. وكل أدلة العصمة والولاية الوراثية لذرية الإمام علي من ولده الحسين (رض) تقوم على دليل عقلي، ثم نصوص تنسب إلى الأئمة أنفسهم، لم يقو أي منها أمام التجريح.

أقول: من أحب الله أحب رسوله، ومن أحب رسوله أحب آل بيته، ومن أحب آل بيته أحب أصحابه وأنصاره وأتباعه. لأن هذا ما فعله النبي (ص) وآل البيت والصحابة من المهاجرين والأنصار ومن اتبعهم بإحسان.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.