بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
الأخ الفاروق،
نشكر لك غيرتك على دين الله مِن عبث من لا حجة عنده ولا دليل، ونؤيدك فيما قلته لموسى ابن غسان، ونزيد عليه التالي:
إن موضوع البدعة قد تكلمنا فيه سابقا بمعاونة الأخ الجواهري حينما تحدثنا على جواز عمل المولد النبوي، ثم أفردناه في موضوع خاص زادت المشاركات فيه عن السبعين مشاركة، وانتهى بأن رمينا بالشتائم والأوصاف السيئة من قبل من يقولون بعدم وجود بدعة حسنة وذلك عندما أعيتهم الحجة وأفلسوا من رد علمي مقنع، فاحتسبنا ما أصابنا من أذى عند الله ورضينا بظهور الحق وانكشاف حقيقة إفلاسهم، وها قد عاد واحد جديد لمثل ما انتهينا منه لذلك رأينا أن نلخص موضوع البدعة حسما لإطالة الموضوع بين أخذ ورد، وخاصة بعد ظهور أن هذا العائد الجديد وهو موسى بن غسان يصر على كلامه رغم وضوح الدليل على خلافه، فنقول بتوفيق من الله عز وجل:
يدور الخلاف بين أهل السنة والجماعة وبين القائلين بعدم وجود بدعة حسنة على فهم ثلاثة أحاديث والتوفيق بينها، والأحاديث هي: حديث "كل بدعة ضلالة"، وحديث "من أحدث في امرنا هذا ما ليس منه فهو رد" ، وحديث "من سن في الإسلام سنة حسنة..."، والأحاديث كلها صحيحة يتفق الفريقين على ذلك.
ونبدأ بالحديث الأول وهو الحجة التي يتمسك بها القائلين بعدم وجود بدعة حسنة وذلك لوجود لفظة "كل" والتي يقول موسى بن غسان أنها تفيد دائما العموم الشامل الذي يستغرق جزئيات الكلمة التي تأتي بعدها إذا كانت نكرة، وهذا كلام خطأ والصحيح أنه يراد بها الغالب أحيانا بدليل أن لفظة "كل" وردت في آيات وأحاديث كثيرة ولم تفد العموم الشامل مثل قوله تعالى عن الريح: "تدمر كل شىء" وهي مرت على الجبال والوديان ولم تدمرها، وبدليل قول الله تعالى: "الزاني والزانية فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة"، فلفظة "كل" في هذه الآية لم تستغرق كل الزناة وذلك لأن الزاني المحصن يرجم ولا يجلد، وأيضا يدل على ما قلناه حديث النبي صلى الله عليه وسلم "كل عين زانية"، وهذا لا يعني الاستغراق الشامل لعيون كل البشر بمن فيه الأنبياء ولارسل لأنه عُلم أن الأنبياء منزهون عن مثل هذا، فالنتيجة أن "كل" في حديث "كل بدعة ضلالة" ليست للعموم الشامل بل هي من العام الخاص وهو كما قال الإمام النووي (الأشعري، وسابين لا حقا لماذا أضفت كلمة أشعري هنا) في شرح صحيح مسلم، والذي خصصها هو الحديثين الثاني "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"، والثالث "من سن في الإسلام...".
قال الإمام أبو الوليد الباجي المالكي (الأشعري) في كتابه إحكام الفصول في أحكام الأصول: "مسألة: إذا ثبت ذلك فهذه الألفاظ موضوعة للعموم, فإذا وردت وجب حملها على عمومها إلا ما خصه الدليل هذا قول جمهور أصحابنا كالقاضي أبي محمد والقاضي أبي الحسن والشيخ أبي تمام وغيرهم, وهو مذهب عامة الفقهاء وهو قول مالك رحمه الله, وقد صرح الشيخ أبو بكر بن فورك (الأشعري) بالقول بالعموم: فقال في أصول الفقه: إذا ورد اللفظ تؤمـِّـل وطلبت أدلة الخصوص فإن عدمت حمل على العموم. إنتهى.
في كلام الإمام الباجي توضيح لما قلناه أم لفظة "كل" تفيد العموم في الغالب ما لم يخصصها دليل، وقد خصصها الحديث الثاني والثالث، أما التخصيص فهو أن حديث "من أحدث في امرنا هذا ما ليس منه فهو رد" قد اشترط في رد المحدث ألا يكون من أمرنا، والشاهد هنا هو التخصيص في "ما ليس منه فهو رد"، والتخصيص أيضا مأخوذ من الحديث الثالث "من سن في الإسلام سنة حسنة"، وقد أراد القائلون بعدم وجود بدعة حسنة أن يقلبوا الحقيقة فقالوا هذا الحديث ورد في حادثة معينة في موضوع الصدقات متناسين أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ثم قالوا قولا آخر لم يسبقهم إليه عالم من قبل وهو المراد بلفظة "سن" أحيا اي أن الحديث يتكلم عن سنة ماتت فجاء من أحياها، ويرد عليهم بأن في الحديث أيضا "من سن في الإسلام سنة سيئة" فيكون لازم كلامهم أن "سن" هنا أيضا تفيد معنى أحيا، وهذا يؤدي إلى القول بان الإسلام فيه سنن سيئة ماتت فجاء من أحياها، وهذا مخالف لما عليه المسلمون قاطبة أن الإسلام كله حسن ولا يوجد به شىء سىء، فتفسيرهم هذا في طعن بالإسلام فضلا عن كونه لم يسبقهم إليه أحد.
هذا بالنسبة للأحاديث وقد بينا معناها وأن عامها مخصص وأنها تفسر بعضها بعضا، نأتي الآن لأقوال العلماء في موضوع البدعة وأنها تنقسم إلى حسنة وسيئة، فقد:
1- قال الإمام الشافعي أن المحدثات منها حسن ومنها غير حسن، كما نقل ذلك عنه البيهقي بإسناده في كتابه مناقب الشافعي.
2- وقال ابن حجر العسقلاني (الأشعري) أن البدعة تنقسم إلى حسنة وسيئة وذلك حينما عقب على كلمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه "نعمت البدعة تلك" التي رواها البخاري في صحيحه.
3- وقال سلطان العلماء العز بن عبد السلام (الأشعري) أن البدعة تنقسم إلى حسنة وسيئة، كما في كتابه "القواعد".
4- قال النووي (الأشعري) بتقسيم البدعة كما في شرح صحيح مسلم، وكتا الأسماء واللغات مادة "ب د ع".
5- قال السيوطي (الأشعري) أن البدعة منها حسن ومنها شىء كما في كتابه "الحاوي للفتاوي" عندما تكلم على جواز عمل المولد، وقد نقل الإجماع على وجود البدعة الحسنة وجواز عملها في كتابه "الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع"، وفي نقله الإجماع على جواز عمل البدعة الحسنة هو في حقيقة الأمر حسم للمسألة لمن أراد الحق.
وغيرهم من العلماء.
بقي الآن ملاحظة على كلام موسى بن غسان وهو عدم أخذه بكلام ابن فورك لكونه أشعري ونسي أوتناسى أن غالب علماء الأمة من الأشاعرة وخاصة أصحاب المؤلفات، وهل يستطيع هو أو غيره أن يستغني عن كتب لأشاعرة، هل يقوى على رفض مؤلفات السيوطي وابن الجوزي وهما من أكثر من ألف في الإسلام وهما أشعريان، هل يقوى أن يرمي وراء ظهره كتب أمير المؤمنين في الحديث الحافظ ابن حجر، وهل يستطيع أن يغض الطرف عن تفسير القرطبي والنسفي والرازي والخازن والنيسابوري والثعالبي والبيضاوي وغيرهم، هل يستمرئ ترك كتب الفقه المجموع وروضة الطالبين وإحياء علوم الدين وشرحه الموسوعي إتحاف السادة المتقين وغيرها لأن أصحابها أشاعرة، وهل يركن إلى سند في الحديث في عصرنا هذا لا يتصل بواحد او أكثر من الأشاعرة، وهل نسي أن فاتح بيت المقدس الناصر صلاح الدين الذي نرجو من الله أن يظهر في أيامنا رجلا مثله كان أشعريا، فسبحان الله ولا حولا ولا قوة إلا بالله، إن كلام موسى بن غسان واستهتاره بالأشاعرة يدل على عصبية مذمومة ضد علماء المسلمين الذين غالبهم من الأشاعرة.
نرجو بعد هذا البيان ألا يعود موسى بن غسان لتكرير كلامه وكأننا لم نقل شيئا.
والله من وراء القصد.
|