عرض مشاركة مفردة
  #8  
قديم 13-09-2000, 11:35 AM
صلاح الدين صلاح الدين غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: May 2000
المشاركات: 805
Post

الأخ الفاضل
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لم تكن مداخلتي من أجل صب الزيت على النار، ولا لنلتفت جميعاً فنبحث فيما يجوز كشفه من عورات المسلمين مما لا يجوز. وما يصح في الهجوم مما لا يصح. وإنما أردت التذكير من أجل العودة إلى النقاش العلمي بعيداً عن ألفاظ التجريح. وهو أمر أبلغ في نفس السامع والقارئ وأطراف الحوار والمناظرة من التجريح الذي يبني الجدر ويعلي الحواجز ويحول بين العقول والقلوب.

وقد أرسل تعالى من هو أعلم منا جميعاً إلى أعتى كفار بني آدم على الإطلاق فأمره باللين في الخطاب فقال سبحانه: {فقولا له قولاً ليناً} أفلا يسعنا ما وسع موسى وهارون في خطابهما لفرعون؟ ونحن مسلمون نخاطب بعضنا وإن كنا اختلفنا في الفهم وسبل الاستنباط وطرق التبليغ ووسائل الإيضاح وكيفية إبراء الذمة بالأداء والتحمل(!)

وما استشهدتَ به من كلام المصطفى (صلوات الله عليه وسلامه) لا تجريح فيه، وإنما هو كناية في قمة أدب الخطاب والتعبير لمن فهم لغة قريش في زمن استخدام النبي (صلى الله عليه وسلم) للتعبير عن فظاظة أبي جهم، وفقر معاوية، وهو يعزز ما نصحتُ به ولا يخالفه.

وما كتبه مخالفوك هو اجتهاد، قد لا يكون منهم ولكن ممن يأخذون عنه من أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم (رحمهما الله) وهو ما ذهب إليه أهل الحديث من الحنابلة وغيرهم، ولم يقل أحد من السابقين ولا المعاصرين أن ما يقوله أصحاب الحديث في فهمهم للنصوص (من الكتاب والسنة) وساوس شيطان. بل هو مما يحتمله النص، ولا مانع منه عند الجمهور، ولو خالف أقوال علماء الجمهور وأفهامهم وفتاويهم. ذلك لأنه يقوم على أركان الفهم والاستنباط عند أهل السنة والجماعة، وهو ما يميز مدرستهم الفقهية عن غيرهم من أهل الفرق الذين يكفّر بعضهم بعضاً ويفسّق بعضهم بعضاً.

وهل ترى فيما ختمت به مداخلتك وهو قوله (صلى الله عليه وسلم): (إذا رأيت أمتي تهاب الظالم أن تقول له إنك ظالم فـقد تـُـوُد ِّع منهم) مناسباً لهذا المقام، ونحن نتحدث عن المولد النبوي الشريف، وهو يوم مبارك عندنا ولكن الاحتفال به ليس فرضاً ولا سنة، ومن تركه لا يأثم، ومن قام به قد يؤجر بقصده ونيته وحسن عمله، ومن ظن أنه بتركه يترك بدعة قد يؤجر كذلك لنيته في الالتزام التام دون مخالفة. فلا الآمر آثم إن هو تقيد بقواعد الحكام، ولا الناهي آثم إن هو اقتنع بدليل شرعي بمشروعية النهي.

أما فهم الإمام سلطان العلماء العز بن عبد السلام، رحمه الله، فهو بالرغم من رجاحته وتأييد قطاع واسع من المسلمين له، يبقى فهم رجل يؤخذ منه ويرد عليه، تماماً كما هو حال المجتهدين المطلقين أو المقيدين كأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد والغزالي وأبي ثور والثوري والطبري وغيرهم. فلا يصح أن يكون الميزان في التصحيح أو التفسيق قول عالم واحد دون سواه، وإلا فإن قول المالكية بجواز أكل الجوارح مدعاة لنسنّ رماحنا ونشرع سيوفنا ونعلن الحرب الضروس عليهم لأنهم يبيحون ما حرّمته السنة. كما هو مدعاة لنا لتعرية دعاة الاستحسان لما فيه من مخالفة لصريح النصوص والقواعد المتفق عليها. ولا يقول بهذا عاقل.

فهل نعود إلى الحوار دون التجريح، وأرجو أن نكتفي بهذا القدر من التعليق والتعليق على التعليق، ونبقى في قلب الموضوع وجوهره.