عرض مشاركة مفردة
  #5  
قديم 22-12-2000, 06:12 AM
أشعري أشعري غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2000
المشاركات: 498
Post

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله،

السلام على من اتبع الهدى،

القطب الشمالي،

قرأت كلامك فهزني كثيراً وأثر فيّ لما فيه من مخالفات صريحة، وأصدقك القول أنني في هذه الخيمة منذ فترة لا بأس بها ولم يمر عليّ شىء يحمل المعاني التي كتبتها، والتي أرجو ألا تمر علي مرة أخرى، وذلك للأسباب التي ستظهر من كلامي الآتي كرد على ما قلت وإجابة لما سألت.

سأبدأ من حيث انتهيت في ردك الأول، فقد قلت: "قال تعالى وجوه يومئذا ناظرة الى ربها ناظرة ، وقد ثبت علميا أن العين لاتشاهد إلا الأجسام وذلك بواسطة الالوان وعكس الضوء الى عدسة العين"

قبل الشروع في الرد فإنني أرجو منك رجاء حاراً أن تتحرى الدقة عند كتابة الآيات ففي الآية التي ذكرت كلمة "يومئذا" خطأ والصواب "يومئذ" بدون ألف تنوين الفتح، وكلمة "ناظرة" الأولى هي "ناضرة" بالضاد لأن هذا الخطأ يغير المعنى.

أما سبب ابتدائي بما انتهيت به هو أن القوانين الأرضية المخلوقة لا تطبق على الخالق، ومن المعلوم والمسلم به أنها لا تطبق على معجزات الانبياء المخلوقة فكيف تريد أن نطبقها على الله، فقوله تعالى "ليس كمثله شىء" يشمل الذات والصفات.
فلا ذاته يشبه الذوات....ولا حكت صفاته الصفات
كما قال الشيخ عبد الغني النابلسي، فاستدلالك بقوانين البصريات لتفسير صفات الله هو قياس للخالق بالمخلوق وهو قياس فاسد، وتدليلك بأن العين لا ترى إلا الأجسام والألوان تفسيراً لهذه الآية لا نسلم لك فيه، فوصف الله بالجسمية يعني أن له وزناً (وهذا "بمنطقك" أنت الذي تريد تطبيق قوانين البصريات والتي هي جزء من قوانين الفيزياء على الله) لأن قوانين الفيزياء تقول أن الجسم هو ما يشغل حيزا وله كتلة، وهذا لم يقله عالم قط ولم ينطق به كتاب ولا سنة، وأنت قلت في بداية كلامك: "لانريد الخروج عن كتاب الله وسنة رسوله".

وتطبيقك لقوانين البصريات التي هي جزء من قوانين الفيزياء على الله يؤدي إلى أن له طولاً وعرضاً وارتفاعاً أي أن له حجماً لأن هذه صفات ملازمة للأجسام في قوانين الفيزياء، وهذا لم يقله عالم قط ولا نطق به كتاب ولا سنة.

فمن هنا أقول لك لا تطبق قوانين المخلوقات على خالق المخلوقات لأن الله موجود قبل أن يكون ضوء وقبل أن يكون لون وقبل أن يكون جسم وقبل أن يكون فيزياء وقبل أن يكون شىء لحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه البخاري: "كان الله ولم يكن شىء غيره"، فخالق الخلق لا يشبه الخلق وإلا ما الفرق بينه وبين أي مخلوق تنطبق عليه قوانين البصريات والفيزياء.

وفتح هذا الباب على المسلمين سيسمح لمن يتربصون بهذا الدين أن يدعوا لتطبيق قوانين الكيمياء والأحياء والفلك وبقية القوانين الأرضية على الله، وهذا يؤدي إلى مساواة الخالق بالمخلوق، وليس المسلمون من يساوون بين الخالق والمخلوق، إنما فعلها ويفعلها اليهود حينما قالوا أن الله تصارع مع داود وأن داود صرع الله والعياذ بالله.

الآن يتبين جلياً سبب سؤالك عن العين واليد والمجئ والذهاب حينما قلت: "فماتقول في ما ورد في الكتاب الذي لاياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، بأن له يد وعين ورجل وأن له جيه وذهاب ،اليسـت هذه أجزاء"، فأنت حاولت أن تطبق القوانين الأرضية فاستحال عندك أن يكون لله يد وعين من غير أن تكون أجزاء لله وهذا تخيل لله بأن يده وعينه جزء كما أن يد الإنسان وعينه جزء، وهذا لم يقله عالم قط، بل قال ذو النون المصري وهو من السلف: "مهما تصورت ببالك فالله بخلاف ذلك"، وقال الإمام الطحاوي (وهو من السلف) في العقيدة الطحاوية التي تلقتها الأمة بالقبول: "من وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر".

فلا يستحيل أن يكون لله يد وعين وأن لا تكونا أجزاء وجوارح، بل المأثور عن السلف قولهم "له يد ليست كأيدينا" و"عين ليست كأعيننا".

لماذا قيدوها بقولهم ليست كأيدينا وليست كأعيننا؟

لئلا يتوهم متوهم أن يده أو عينه أجزاء كما أن أيدينا وأعيننا أجزاء، وهم بذلك قد فوضوا وهو ما يعرف أيضاً بالتأويل الإجمالي، ومنهم أي السبف من أول هذه الآيات تأويلاً تفصيلياً كابن عباس حينما أول كلمة "بأيد" الواردة في قوله تعالى: "والسماء بنيناها بأيد"، حيث أولها: "بقوة" وقد نقل ذلك عنه الطبري في تفسيره ج27/7-8، وغيرها الكثير.

أما موضوع التأويل فموضوع كبير تكلمنا عنه سابقاً وسنتكلم عنه في حال عدم وضوحه للقارئ، فلا نريد أن نشرح سبب التأويل ومتى يُلجأ له وما هي مسوغاته وأنواعه وغير ذلك من متعلقاته هنا حتى لا نخرج عن موضوعنا الأصلي، ونكتفي بالقول: حتى لا يتعارض القرءان نتيجة أخذ البعض بظواهر النصوص، وحتى لا يوصف الله بأوصاف المخلوقات ويشبه بها، لجأ العلماء للتأويل بشقيه الإجمالي والتفصيلي.

وبالنسبة للمجئ، فقد أوله الإمام أحمد بن حنبل حينما قال في قوله تعالى "وجاء ربك" جاء ثوابه، رواه عنه البيهقي وقال عن إسناد الرواية أنه لا غبار عليه كما هو مثبت في البداية والنهاية ج10/342.

أما الذهاب فلم يرد في القرءان في حق الله فأرجو أن تتحرى الدقة حينما تنقل عن كتاب الله وأنت قد قلت: "فماتقول في ما ورد في الكتاب الذي لاياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، بأن له يد وعين ورجل وأن له جيه وذهاب ،اليسـت هذه أجزاء"، والذهاب لم يرد في القرءان والرِجل كذلك إنما الذي ورد الساق وقد أولها ترجمان القرءان ابن عباس فقال: "يكشف عن كرب وشدة"، نقل ذلك عنه ابن حجر في الفتح ج13/437، ونقل تحسين البيهقي لهذه الرواية عن ابن عباس.

لذلك فإن الله خلق الخلق ولا يشبههم لا بالذات ولا بالصفات، وإن حصل الشبه في بعض الأسماء كالوصف بالسميع والبصير والمؤمن فالتشابه باللفظ لا بالمعنى فلتنتبه، وأن الله ليس بجسم لا بحسب قوانين الفيزياء ولا بغيرها لانه خالق الأجسام، وأن الله لا يتجزأ، وقد ظهر في التاريخ الإسلامي فرقة سميت المجسمة وقد حاربها أهل السنة والجماعة، وقد سميت بهذا الاسم لأنها وصفت الله بالجسم، انظر ماذا قال عنها قاضي القضاة تاج الدين السبكي في كتابه طبقات الشافعية الكبرى ج5/192 عندما تكلم عن التأويل: "إنما المصيبة الكبرى والداهية الدهيـاء الإمرار على الظاهر والاعتقاد أنه المراد وأنه لا يستحيل على البارئ فذلك قول المجسمة عباد الوثن. انتهى كلام السبكي، أتدري لماذا سمى المجسمة بعباد الوثن؟ لأنهم توهموا ربهم جسماً كبيراً قاعداً على العرش، فعبدوا إلها توهموه وتخيلته عقولهم ولم يعبدوا الله.

وكذلك الآيات والأحاديث التي يوهم ظاهرها تشبيه الله بخلقه هي مؤولة إما إجمالا وإما تفصيلاً.

هذا بالنسبة لردك الأول، أما الرد الثاني فأنت قلت فيه: "ياسيدي أنا لم اسأل عن كيفية الباري تعالى علاه عن الماهيه والكيفيه واللميه"، وهذا كلام مناقض لكلامك في الرد الأول فإن سؤالك كان عن الكيفية والهيئة والكمية بلا شك ولا ريب والدليل تطبيق قوانين البصريات على الله والعياذ بالله كما فعلت في العين ورؤيتها للأجسام والألوان، فالذي له لون وجسم له كيف وكمية وهيئة لا فكاك من ذلك.

وقد قلت أيضاً: "وتذكر أني لم اقول ان الباري تعالى متجزي ولم أقول الا ما ورد في الذكر الحكيم"، وقد بينا لك أنك بتطبيقك لقوانين البصريات على الله قلت ما هو أبعد من التجزؤ، قلت باللون، وقولك بالجسمية مؤداه كما بينا لك حسب قوانين الفيزياء التي استعملتها القول بالطول والعرض والارتفاع والحيز والكتلة.

ثم أنت تقول أنك لم تقل إلا ما ورد في "الذكر الحكيم"، وهذا قول منك غير صحيح وإلا أين ورد في الذكر الحكيم إضافة وصف الرِجل لله وإضافة الذهاب لله، أرأيت أنك قلت بما لم يرد في الذكر الحكيم.

وقد قلت في نهاية ردك الثاني: "أيضا الاخ بها يذكر أن العرش والكرسي والملائيكة أجسام محصوره مدركه فياليت يتكرم ويذكر لنا البرهان على ذلك ،"، فالجواب أنه بمجرد كون العرش والكرسي والملائكة مخلوقات وليست أعراضاً فهي أجسام، وكل جسم محصور مهما كبر حجمه، أما الإدارك فلا نعلم ماذا تفهم منه لكي نجيبك عليه.

وفي الختام وخارج موضوعنا يا أخ القطب الشمالي فأننا ننصحك أن تحرص على تلافي الأخطاء الإملائية، لأن أخطاءك الإملائية كثيرة وبعضها لم تسلم منه الآيات القرءانية، هذا سيفيدك أكثر من الخوض في هذه المباحث بغير علم.

والله من وراء القصد.