إلى الأخ الذي أشكل عليه فهم (العربية) التي كتبت بها مداخلتي، وهدد بنقل ما يدور إلى صفحات الحوار الأخرى.
أقول: مشكلة الفهم تتعلق بك لأن كلامي واضح ومعناه إن شئت الإيضاح: (أن الأجر منوط بتعظيم النبي (صلى الله عليه وسلم) فمن أنكر مظاهر التعظيم الشرعية كانت درجة إثمه بحسب انتقاصه) فلو أنكر أحد التمرغ على القبر الشريف لكان مأجوراً، ولو أنكر على منكره أحد لكان آثماً.
وأسأل أهل الذكر: ما قولكم دام فضلكم لو اجتمع قوم - كما حصل في بلدتنا - وخرجت الصحف فقالت في عناوينها الأولى (وأمّ المفتي بالمصلين صلاة عيد المولد). كيف تصنغون هذا الجهل المركب؟
ولن ينفعك الاستفزاز الذي ربطت به بين المعتزلة والتهرب من إجابة أسئلتك أو مداخلتك، فهي كلها غير ملزمة لأحد، لأنها خارج الموضوع أصلاً، وهي لغو بعيد عما يدور هنا.
وحبذا لو تنقل ما تشاء إلى حيث تشاء.
أما الآخر الذي يتعبد الله بشتم الناس ولا يرى فيما ورد من الآثار وهدي الصحابة والخلفاء والتابعين سوى القسوة والشدة في علاقتهم ببعضهم البعض، وفي ردهم على من خالفهم، فهو كحاطب ليل ينتقي ما يشاء مبتوراً غير مترابط مع قواعد الإسلام وآدابه وأخلاقه في بيان الحق والدعوة إلى الله وتعليم الناس الأحكام كما هي جملة مواقفهم (رضوان الله عليهم).
وقد سكت سابقاً عما أثرناه من إباحة المالكية للجوارح والجمهور على التحريم ومع ذلك لم نر من خالفهم يفحش فيهم القول ويخرجهم من الملة، كما لم نسمع أحداً فسق الحنفية أو رماهم بشتى التهم لأنهم أباحوا بعض ما حرم الجمهور من (النبيذ). ويقيم الحنفية كما يؤذنون بينما أهل الحديث يغايرون بين الأذان والإقامة، ولم نسمع أحداً حول هذه المسألة إلى قضية عقيدة واتهام وشتم وتراشق بحجة أنه يخشى أن يكون شيطاناً أخرس. ونسي أن (الفتنة أشد من القتل}.
وللأسف أغرق فحكّّم القاعدة فيما هو خارج عن موضوعها، لأن كلامنا هنا على (أدب الحوار والمناظرة فيما هو اجتهاد) ومطالبتنا باللين في الإفصاح والإيضاح، وما استشهد به - على رجاحته في موضوعه - لا علاقة له بذلك، بل هو في حق واضح أو باطل فاضح.
ومع ذلك فليس في كلام السلف (رضي الله عنهم) فيما استشهد به فاحش قول أو اتهام المخالف بتلبس إبليس أو استحواذ شيطان، كما ورد في بعض المداخلات في الرد على من قال ببدعية الاحتفال بالمولد. ولو شاء التيقن فليقرأ الذي نقله بعد إسباغ وضوء يذهب عنه غضبه لحظ النفس.
وكيف دار الأمر فإن قاعدة المناظرة والحوار في شريعتنا قوله تعالى: {وقولوا للناس حسنا}، وقوله عز من قائل: {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن}، وقوله تعالى {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة}، وهذا كله مع الكفار فكيف داخل الصف الإسلامي؟ والقرآن الكريم والسنة الشريفة (القولية والعملية) عندنا حجة على كل قول لمخلوق مهما كان وكائناً من كان.
وسؤالي إلى المنفعلين بدون مبرر على الدعوة إلى اللين في القول: هل بتنا جناة لأننا دعونا إلى اللين مع المسلمين؟
أما استشهاده بقسوة عمر فقد اجتزأ منها كل مقدماتها ولم يبين أن آخر الدواء كان الكي، لأن صبيغاً الذي ضربه عمر (رضي الله عنه) كان يتتبع المتشابهات وقد رد عليه جمهرة من الصحابة منهم ابن عباس (رضي الله عنه)، فبقي على غيه، فعزره عمر بصفته حاكماً شرعياً لا بصفته عالماً يناقش جاهلاً ليتعلم. وفي التعزير ما ليس في المناظرة.
ومع ذلك أقول له ولأمثاله من أهل القسوة في القول والترهيب والعقوبة: هل تملك حكمة عمر (رضي الله عنه) في معرفة وجه الحكمة على الدقة متى يتم استعمال العنف ومتة يتم اتباع اللين؟ وفي الحديث الصحيح الذي رواه مسلم (رحمه الله) عن عائشة عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه كان يقول: (ثم قد كان يكون في الأمم قبلكم محدثون، فإن يكن في أمتي منهم أحد فإن عمر بن الخطاب منهم). قال بن وهب تفسير (محدثون) ملهمون. فإن كنت تدعي ذلك فأفصح ولا تثريب عليك.
|