بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله،
الصقر،
يبدو أننا سنعيد ما قلناه سابقاً، لا بأس إذا كان في سبيل تصحيح مفاهيم إسلامية مفهومة بشكل خاطئ لدى البعض، ونود أن نقول لك أنك لم تقرأ الموضوع السابق عن البدعة ولم تقرأ الموضوع الحالي الذي اضفناه في هذا الموضوع.
للأسف أنت لم تقرأ موضوعنا الجديد عن البدعة، وإن كنت قرأته فأكيد أنك لم تفهم ما هو مكتوب فيه.
ولقد تطاولت فتجاوزت حدك لانك وقعت في أعلام علماء الإسلام كما سنبين للقارئ الكريم ذلك، وسيكون ردنا عليك من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بعد أن كان كلامنا معك من باب إفهام أخ بعض ما التبس عليه.
أما أنك لم تفهم أو لم تقرأ ما كتبنا في البدعة، فذلك للأسباب التالية:
1- قلت في ردك الأخير: "فمن المعروف أن كل بدعة في الدين محرمةوضلالة."
الرد: نحن لا نسلم لك بهذا لأن ادعاءك أنه "من المعروف" أن كل بدعة ضلالة محرمة يعني أن هذا أمر منتشر بين علماء المسلمين يعرفه فقيههم ومحدثهم ومجتهدهم، لأن شيئا معروفاً من الدين لا يخفى على علماء الإسلام، ولقد أثبتنا أن علماء الإسلام قالوا أنه ليست كل البدع محرمة، وكلامهم هذا ليس مخالفاً لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي استنتجت منه هذه النتيجة الغريبة، فهم قد وفقوا بين الحديث "كل بدعة ضلالة" وغيره من الأحاديث كما بينا في آخر موضوعنا في البدعة الذي سبق ردك الأخير.
لقد ذكرنا لك ولغيرك أن العلماء من المذاهب الأربعة قد قسموا البدعة وأن الشافعي قال هي على قسمين، وتأتي أنت وتقول بكل "تحكم" أنه شىء معروف أن كل البدع محرمة، كيف يكون معروفاً والعلماء قد أجمعوا على جواز وجود بدعة حسنة، نقل إجماعهم الحافظ السيوطي في كتابه "الأمر بالاتباع والنهي عن الإبتداع" (ص 12) حيث قال:
"والحوادث (أي البدع) تنقسم إلى بدعة مستحسنة وإلى بدعة مستقبحة, فالبدعة المستحسنة (((متفق))) على جواز فعلها والاستحباب لها رجاء الثواب لمن حسنت نيته فيها وهي كل مبتدع موافق لقواعد الشريعة غير مخالف لشىء ولا يلزم من فعله محظور شرعي". انتهى كلام السيوطي.
انظر كيف ينقل الإجماع على جواز فعل البدعة المستحسنة، والله لقد قلت كلمة تدل أنك لا تدري ماذا يخرج من رأسك، والدليل رميك لعلماء الإسلام بأنهم يجهلون أمراً ادعيت أنه معروف وهو قولك أن كل البدع محرمة.
وقد تقول: أنا اعتمدت على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "كل بدعة ضلالة"، ونحن نقول لك أن "كل" في هذا الحديث لا تعني الاستغراق الشامل بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم: "كل عين زانية"، فلفظة "كل" في هذا الحديث لا تعني الاستغراق الشامل وذلك لأن أعين الأنبياء والمرسلين معصومة من أن تكون زانية، فليس كل موقع وردت فيه لفظة "كل" تدل على الاستغراق الشامل، من لنا بإفهامك.
2- مما يدل أنك لم تقرأ مقالنا في البدع، وإن قرأته فلم تفهمه قولك: "ومن قسم البدعة أخي العزيز فهو مخالف لقول الرسول صلى الله عليه وسلم فإن كل بدعة ضلالة".
الرد: هذا اتهام منك صريح لمن ذكرنا من العلماء أنهم مخالفون لحديث النبي صلى الله عليه وسلم مع علمهم به، ولا أظن أن مثل الحافظ ابن حجر لم يسمع بحديث "كل بدعة ضلاة" أو السيوطي أو الإمام الشافعي، أتعلم ماذا يعني هذا؟
إنه يعني أنهم علموا الحديث ومع ذلك خالفوه، هل علمت الآن مدى المصيبة التي أوقعت نفسك فيها، فعلماء المسلمين الذين قسموا البدعة بنظرك مخالفون للنبي صلى الله عليه وسلم، ما أبشع هذا التطاول، ولا أظن المراقب "الفاروق" سيسكت عن هذا، ولن نسكت نحن أيضاً عن هذا الاتهام الموجه لعلماء المسلمين أمثال:
الشافعي، النووي، سلطان العلماء العز بن عبد السلام، السيوطي، ابن حجر العسقلاني، القرافي المالكي، ابن عابدين الحنفي، والبدر العيني، والزرقاني المالكي، والونشريسي الذي نقل إجماع المالكية على تقسيم البدعة، والبعلي الحنبلي، فهؤلاء وغيرهم من علماء المسلمين يقسمون البدعة، وتأتي أنت فتقول أنهم يخالفون النبي صلى الله عليه وسلم، وهل تظن أن هؤلاء الجبال يخالفون النبي وأنت الذي توافقه؟!! هيهات هيهات، تعلم قواعد الكتابة أولاً قبل أن تخوض في مثل هذه المباحث.
3- أما الدليل الثالث أنك لم تقرأ ما كتبناه وإن قرأته فلم تفهمه فهو قولك: "إن سيدنا عمر رضي اللع عنه يقصد بقولة (نعمت البدع هذه)بخصوص صلاة التراويح لأن سيدنا عمر رضي الله عنة يقصد بدعة بمعناها اللغوي وليس الشرعي".
الرد: لقد نقلنا تفسير الحافظ ابن حجر لقول عمر هذا وكيف استنتج هو وغيره من العلماء من كلمة عمر أن البدعة منها حسنة وليست كلها سيئة، وتأتي أنت لتقول أن عمر يقصد بها المعنى اللغوي وليس الشرعي، من قال لك أن عمر قصد هذا رغم ان جهابذة الإسلام كابن حجر فهموا خلاف ما تقول، أم أنك فهمت ما غاب عن ابن حجر وغيره من علماء هذه الأمة، وكيف تكون لغوية وهي تخص عبادة لله، والبدعة اللغوية عندك تكون في العادات والمخترعات، ولنا على عبارتك الأخيرة هذه رد سنقوله في محله إن شاء الله.
هذا ردنا عليك لإثبات انك لم تقرأ موضوعنا وإن قرأته فلم تفهمه، أما ما سيأتي فهو رد لبعض النقاط الواردة في مقالك، وهي:
1- قولك أنه لك رأي في البدعة، وقد بينتَ رأيك وهو رأي مخالف للإجماع، فرأيك هذا لا وزن له إذا كان مخالفاً للإجماع ويخطّئ علماء المسلمين، ثم كيف يكون لك رأي في مسألة أصولية كمسألة البدعة وأنت لا تحسن الإملاء، إذهب وتعلم قواعد الكتابة خير لك.
2- تقسيمك للبدعة على أن المباح منها هو ما كان في العادات كالمخترعات، وهذا كلام من لم يشتم رائحة علم الأصول وذلك أن العادات والمخترعات تدخل تحت أحكام الدين فمنها ما هو محرم ومنها ما هو مكروه ومنها ما هو مباح، وأنت تدعي أنها مباحة فقط، ثم هل ذكرت لنا من يقول بكلامك هذا من علماء المسلمين؟ فهل تنقيط المصحف في نظرك من العادات والمخترعات، وهل ترتيب الأدلة للرد على أهل الأهواء من العادات والمخترعات، وهل وضع مصطلحات شرعية في الفقه والحديث وسائر العلوم من العادات والمخترعات، وهل زيادة عثمان لأذان ثان يوم الجمعة من العادات والمخترعات، وهل بناء المآذن من العادات والمخترعات، وهل التسمي بـ "شيخ الإسلام" من العادات والمخترعات؟؟؟
هذا من ناحية، أما الناحية الأخرى فأين من يؤيدك من علماء الإسلام فيما ذهبت إليه، أم هو التقوّل بالهوى؟!.
3- قولك أنه من وسائل الشرك البناء عليها (أي القبور)، أما علمت أن قبر النبي صلى الله عليه وسلم عليه بناء، فهل تتهم الأمة أنها قصّرت عن حماية قبر نبيها من وسائل الشرك التي تزعم.
بعد هذا الرد، والذي اضطررتنا أن نكون قاسين عليك به على غير عادتنا لتفيق من الوهم الذي تتخيله، نرجو أن تعيد قراءة موضوع البدعة الذي كتبناه سابقاً بعين الإنصاف وليس بعين مغمضة، وأن تتقي الله في علماء المسلمين وتكف لسانك عنهم، وأن تتكلم بما يوافق الدليل الشرعي، فإلقاء الكلام جزافاً من غير دليل ولا برهان غير مقبول في خيمتنا العزيزة.
والله من وراء القصد.
|