وأما الكبائر الأخرى المذكورة في هذا الحديث وغيره من الأحاديث المستفيضة في هذا الباب فإن مرتكبها لا يكفر بها ما دام أنه معتقد حرمتها لكنه فعلها على سبيل الشهوة أو النفرة من الحق. لمجيء النصوص الأخرى المحكمة والمبينة أن أصحاب الكبائر لا يكفرون بمجرد ارتكاب الكبائر ما لم يستحلوها، كما في صحيح مسلم من حديث أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من عبد قال: لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة. قلت: وإن زنى وإن سرق ؟ قال: وإن زنى وإن سرق. قلت: وإن زنى وإن سرق ؟ قال: وإن زنى وإن سرق. ثلاثاً، ثم قال في الرابعة: على رغم أنف أبي ذر. قال: فخرج أبو ذر وهو يقول: وإن رغم أنف أبي ذر).
قال شارح الطحاوية:
[... إن أهل السنة متفقون كلهم على أن مرتكب الكبيرة لا يكفر كفراً ينقل عن الملة بالكلية، كما قالت الخوارج، إذ لو كفر كفراً ينقل عن الملة لكان مرتداً يقتل على كل حال، ولا يقبل عفو ولي القصاص، ولا تجري الحدود في الزنا والسرقة وشرب الخمر ! وهذا القول معلوم بطلانه وفساده بالضرورة من دين الإسلام. ومتفقون على أنه لا يخرج من الإيمان والإسلام، ولا يدخل في الكفر، ولا يستحق الخلود مع الكافرين، كما قالت المعتزلة .
فإن قولهم باطل أيضاً، إذ قد جعل الله مرتكب الكبيرة من المؤمنين، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى) إلى أن قال: (فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف) .
فلم يخرج القاتل من الذين آمنوا، وجعله أخاً لولي القصاص، والمراد أخوة الدين بلا ريب .
وقال تعالى: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما) ،إلى أن قال: (إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم) .
ونصوص الكتاب والسنة والإجماع تدل على أن الزاني والسارق والقاذف لا يقتل ، بل يقام عليه الحد، فدل على أنه ليس بمرتد .
وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : من كانت عنده لأخيه اليوم مظلمة من عرض أو شيء فليتحلله منه اليوم ، قبل أن لا يكون درهم ولا دينار ، إن كان له عمل صالح أحذ منه بقدر مظلمته ، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فطرحت عليه ، ثم ألقي في النار . أخرجاه في الصحيحين .
فثبت أن الظالم يكون له حسنات يستوفي المظلوم منها حقه .
.. يتبع ..