عرض مشاركة مفردة
  #3  
قديم 18-11-2006, 12:40 PM
السيد عبد الرازق السيد عبد الرازق غير متصل
مشرف
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 1,254
إفتراضي

وقد وزرع الجيش المنشور التالي على الاهالي لتوضيح اهداف الانقلاب ": "أيها الشعب الكريم. لقد نفد صبر الجيش، المؤلف من أبنائكم؛ بسبب الأحوال التي تعانونها من جراء اهتمام الحكومة الحالية بمصالحها، ورغباتها الشخصية، دون أن تكترث بمصالحكم ورفاهيتكم. فطلب إلى صاحب الجلالة الملك إقالة الوزارة القائمة، وتأليف وزارة من أبناء الشعب المخلصين، برئاسة السيد حكمت سليمان، الذي طالما لهجت البلاد بذكره الحسن، ومواقفه المشرفة. وبما أنه ليس لنا قصد من هذا المطلب إلاّ تحقيق رفاهيتكم؛ فلا شك في أنكم تؤيدون إخوانكم أفراد الجيش ورؤساءه في ذلك، وتؤيدونه بكل ما أوتيتم من قوة. وقوة الشعب هي القوة المعوَّل عليها في الملمات.توقيع قائد القوة الوطنية الإصلاحية: الفريق بكر صدقي"[22].



وعهد الملك غازي بتأليف الوزارة إلى حكمت سليمان، فبادر إلى ذلك، وانتهى من تشكيلها في مساء يوم الانقلاب. وأسند إلى الفريق عبد اللطيف نوري منصب وزير الدفاع، وكان أول قرار له هو تولية قائد الانقلاب، الفريق بكر صدقي، منصب رئيس أركان الجيش، حسب طلبه؛ لكي يتمكن من السيطرة الفعلية على الجيش[23] . فاجأ هذا الانقلاب بريطانيا؛ فسارع السفير البريطاني إلى زيارة رئيس الوزراء، حكمت سليمان، واستوضحه خطة حكومته؛ فأجابه:"إن الوزارة تؤكد على العلاقات الطيبة مع بريطانيا، وتحترم العهود والمواثيق، خاصة معاهدة عام 1930". ولكن بريطانيا لم تخف قلقها من السياسة العسكرية التي أخذ الفريق بكر صدقي يتبعها؛ بهدف تقوية الجيش العراقي، وزيادة عدد أفراده، عن طريق التجنيد الإلزامي، ودعم تسليحه، وعقد صفقات أسلحة مع إيطاليا وألمانيا وتشيكوسلوفاكيا[24] . بعد ذلك أخذ بكر صدقي يتدخل في شؤون البلاد الصغيرة والكبيرة، وبدأت الشائعات تتردد حول مظاهر الدكتاتورية العسكرية، التي يحاول إقامتها في البلاد. وخوفاً من معارضي الحكم، بدأ بكر صدقي وأنصاره، يعدون قوائم بأسماء المعارضين العسكريين والمدنيين، للتخلص منهم عن طريق الاغتيالات.وسرت الشائعات في البلاد، وسادها جوّ من الاضطراب والتربص والتوجس، وبدأ خصوم بكر صدقي يضعون الخطط للتخلص منه. وحانت فرصتهم في 11 أغسطس 1937 لاغتيال بكر صدقي، ومعه آمر القوة الجوية، العميد محمد علي جواد، في مطار الموصل، وهما يستعدان للسفر إلى تركيا لحضور المناورات العسكرية هناك؛ إذ تقدم إليه جندي يدعى محمد علي طلعفري، وأطلق عليه رصاصتين من مسدسه؛ فسقط قتيلاً، فلما همّ محمد علي جواد بالإمساك بالجندي، تلقى رصاصة ألحقته بصاحبه. وكان ذلك بداية انقلاب عسكري جديد، نتج عنه إقالة وزارة حكمت سليمان، في 17 أغسطس 1937، وتشكيل وزارة جديدة، في اليوم نفسه، برئاسة جميل المدفعي[25] .وعلى أثر وفاة الملك غازي في العام 1939، واعتلاء عبد الإله الموالي للبريطانيين عرش السلطة كوصي ، نشطت لجنة عسكرية داخل الجيش العراقي عرفت باسم " العقداء الأربعة " وهم صلاح الدين الصباغ وكامل شبيب ومحمود سلمان وفهمي سعيد، وكلهم منحدرين من عائلات متوسطة أو متواضعة. وكان هؤلاء الضباط هم الذين لهم اليد العليا منذ ثورة 1936 وسعوا لتطبيق مقولة كلاوزفتز الشهيرة " إن بروسيا جيش يمتلك وطنا وليس وطنا يمتلك جيشا "[26] وقد لعب هؤلاء القادة مع نوري السعيد دورا كبيرا في إسقاط حكومة المدفعي بسبب اختياره صبيح نجيب وزيرا للدفاع والذي كان على عداء لقادة لجيش .وبالتالي عاد نوري السعيد ب 25/12/1938 لتشكيل الوزارة وهو الموالي لبريطانيا .[27] وفشل نوري السعيد بإضعاف شوكة العقداء الأربعة والذين اصبحوا يتدخلون في حل القضايا الداخلية والخارجية مما ساعد على تفجر الوضع في 1941 .

مرحلة 1940-1960 ( عهد الوصاية والثورة )
في الأول من أبريل 1940، تولى رشيد عالي الكيلاني رئاسة الوزارة، للمرة الثالثة في حياته؛ بعد أن تولاها مرتين في عام 1933، وقد اشترط رشيد عالي الكيلاني على الأمير عبد الإله، الوصي على العرش [28] أن يتعهد جميع السياسيين، ورؤساء الوزراء السابقين، في وثيقة مكتوبة، بمساندته، وإطلاق يده في رسم السياسة، التي يراها مناسبة لصالح العراق. وقد تم له ما أراد.عُرف رشيد عالي الكيلاني بكراهيته للإنجليز، وسخطه على معاهدة التحالف الإنجليزي ـ العراقي، التي كان نوري السعيد ـ رئيس الوزراء الأسبق ـ قد وقعها مع الإنجليز في 30 يونيه 1930. ولكن خطأ رشيد عالي الكيلاني هو أنه أراد أن ينفّذ سياسة جديدة، باستخدام الأشخاص أنفسهم؛ فقد عهد إلى نوري السعيد بتولي وزارة الخارجية، فأصبح بالضرورة مطلعاً على جميع تصرفات رشيد عالي الكيلاني في العلاقات الدولية. وفي الوقت نفسه لم يكن بوسع رشيد عالي الكيلاني إخراج نوري السعيد من الوزارة؛ خشية انتقام بريطانيا [29].حاولت بريطانيا، في بادئ الأمر، جسّ نبض وزارة رشيد عالي الكيلاني، والتعرف على حقيقة نواياها من المعسكرين المتحاربين في (الحرب العالمية الثانية)؛ بأن طلبت من العراق قطع علاقاته السياسية مع إيطاليا، كما فعلت وزارة نوري السعيد من قبل مع ألمانيا . وطلبت بريطانيا، كذلك، وضع حد للدعاية النازية في الصحف والإذاعة العراقية. إلاّ أن رشيد عالي الكيلاني رفض قطع العلاقات مع إيطاليا، وأوضح أن مصلحة العراق تكمن في تجنب دخول الحرب، والوقوف على الحياد. وقد وصف أحد السياسيين البريطانيين موقف الوزارة العراقية بقوله: "إنهم يقصدون القول: إذا كسبت بريطانيا الحرب؛ فسنكون بمأمن على كل حال، وإذا اتضح أن النازيين هم الذين سيكسبون الحرب؛ فعلينا ألا نرتكب ما يثيرهم ضدنا"[30]. وفي الوقت نفسه مارست بريطانيا أنواع الضغوط كلها، فقطعت إمدادات الأسلحة عن الجيش العراقي، وامتنعت عن توفير الدولارات، التي كان العراق في أمسِّ الحاجة إليها، لشراء المواد الأمريكية التي يحتاجها المستهلك العراقي[31]. وسرت الشائعات أن العراق في طريقه إلى إعادة العلاقات مع ألمانيا. وأبدت بريطانيا معارضتها الشديدة لهذه الخطوة، بل وهددت بأنها سوف تعيد النظر، في علاقاتها مع العراق، إذا أقدم على هذه الخطوة. ولم يكتف السفير البريطاني بإبلاغ هذا التهديد، بل أعلن أن حكومته قد فقدت الثقة برشيد عالي الكيلاني، وأنها تطالب باستقالته من رئاسة الوزارة[32]. استفز هذا التدخل السافر، من جانب بريطانيا، رشيد عالي الكيلاني، فأعلن أنه لا يهتم أبداً بثقة أي حكومة أجنبية، مادام يتمتع بثقة الشعب العراقي وتأييده. وطلبت الحكومة العراقية إيضاحاً من وزارة الخارجية البريطانية، في شأن تهديدات السفير البريطاني. وجاء الجواب في ديسمبر 1940، بأن تردد رئيس الوزراء العراقي، في تنفيذ معاهدة 1930، يدفع الحكومة البريطانية إلى تأييد موقف السفير البريطاني في بغداد . وهي لذلك ترى أن استقالة رشيد عالي الكيلاني، من رئاسة الوزارة، هو الحل الوحيد لإعادة العلاقات العراقية البريطانية إلى وضعها الطبيعي[33].كان من العوامل التي ساعدت رشيد عالي الكيلاني على التمسك بموقفه، والصمود أمام الضغوط والتهديدات المتتالية، ودعم شعور العداء داخل الشعب العراقي ضد بريطانيا، وجود دعاية قوية مضادة لإنجلترا، وموالية للمحور داخل بغداد، حتى أن مفتي فلسطين، الحاج أمين الحسيني، وعددًا من السياسيين السوريين، أمثال جميل مردم، وسعد الجابري، وشكري القوتلي، إضافة إلى أنصار مفتي فلسطين، ويراوح عددهم بين أربعمائة وخمسمائة شخص، اتخذوا بغداد مركزًا لهم، في الفترة من 15 أكتوبر 1939 إلى 29 مايو 1941. ولقد لعب المفتي، أثناء وجوده في بغداد، دورًا نشيطًا في تجميع عناصر مدنية وعسكرية، وتكونت لجنة سرية عليا لإدارة هذا النشاط، قيل إن رشيد عالي الكيلاني كان عضواً بها [34].عمد الإنجليز، بعد ذلك إلى وضع خطة، مع الوصي، تقضي بدعوة أعضاء الوزارة إلى الاستقالة؛ فيبقى رشيد عالي الكيلاني وحده، ومن ثمَّ يضطر إلى الاستقالة. ونفذوا الخطة بإحكام، عند هذا الحد، أرسل رشيد عالي الكيلاني برقية إلى الوصي في الديوانية، يوم 31 يناير 1941، محمّلاً الوصي المسؤولية كاملة، ومتهماً إياه بالخضوع للضغط الأجنبي[35]. ظل عبد الإله في الديوانية، خاصة بعد أن بلغته أنباء خروج التظاهرات الحاشدة؛ غضبًا من استقالة رشيد عالي الكيلاني، وأرسل في طلب طه الهاشمي، وكلفه بتشكيل الوزارة، في الأول من فبراير 1941، وطلب منه إحالة العقداء الأربعة إلى التقاعد، وظل الوصي في الديوانية خمسة أيام، بعد تشكيل الوزارة خوفاً من التظاهرات[36].بعد أيام أصدر طه الهاشمي أوامره، بصفته وزيراً للدفاع، بنقل كامل شبيب، قائد الفرقة الأولى، من بغداد إلى قيادة الفرقة الرابعة في الديوانية. واستنكر العقداء الأربعة [37]هذا النقل، ورفضوا الانصياع له، فاضطر طه الهاشمي إلى التراجع، وتجاهل الأمر، ولكن العقداء الأربعة تمكنوا، بعد ذلك، من تحريك الجيش، في الأول من أبريل 1941، وزحفت بعض القوات لاحتلال المواقع المهمة في العاصمة، وقدم بعض الضباط، إلى طه الهاشمي، طلبهم العاجل بتقديم استقالته فوراً، فاستجاب لذلك، وأرسل يخبر عبد الإله أنه اضطر لذلك، تحت وطأة التهديد.في ذلك الوقت، اتفق رشيد عالي الكيلاني، وقادة الجيش، على ضرورة عزل الوصي على العرش، وتعيين حكومة عسكرية، أطلق عليها "حكومة الدفاع الوطني"، يرأسها رشيد عالي الكيلاني. وتم الاتفاق على اختيار وصي جديد للعرش بعد مغادر الوصي العراق ، واختاروا "الشريف شرف"، من الأسرة الهاشمية، وصيًّا على عرش العراق، فأعلن الوصي الجديد تكليف رشيد عالي الكيلاني بتأليف وزارة جديدة.أعلنت الوزارة الجديدة التزامها الأكيد بمعاهدة 1930 مع بريطانيا، تجنباً للصدام معها. ولكن بريطانيا رفضت الاعتراف بها، وامتنع السفير البريطاني الجديد عن تقديم أوراق اعتماده. وأصدرت الحكومة البريطانية أوامرها إلى جزء من قواتها في الهند ، والتي كانت متوجهة أصلاً إلى الشرق الأقصى، بالتوجه إلى البصرة. فوصلت تلك القوات، يومي 17 و 18 أبريل 1941، وظل تدفق القوات البريطانية يتتابع، دون أن تأبه بريطانيا إلى احتجاجات العراق، وأصدرت الوزارة العراقية في أول مايو 1941، بلاغاً قالت فيه إن إصرار الحكومة البريطانية على عدم سحب قواتها، والإخلال بوعودها، يضطر الحكومة العراقية إلى اتخاذ التدابير التي تكفل سيادة البلاد[38] .ولم يستطع الجيش العراقي الصمود أمام هجمات القوات البريطانية، فاضطر إلى الانسحاب، وأخذت القوات البريطانية تزحف إلى بغداد، وعندئذ فر رشيد عالي الكيلاني، والحاج أمين الحسيني، و العقداء الأربعة، وكثير من أعضاء الحكومة، عابرين الحدود إلى إيران يوم 29 مايو 1941، وطلب الجيش العراقي الهدنة من الإنجليز في اليوم التالي، فأجيب إلى طلبه، وتألفت لجنة أهلية، برئاسة أحد الوزراء السابقين، فوقعت اتفاق الهدنة، ودخل الجيش البريطاني بغداد، واحتلها، وأعاد الوصي على العرش ورفاقه إلى الحكم. وأعلنت الأحكام العرفية، وأصدرت محكمة عسكرية، شكلت في بغداد، حكمًا غيابيًا بالإعدام على رشيد عالي الكيلاني، و العقداء الأربعة وأشخاص آخرين، وأصدرت أحكاماً بالسجن مدداً مختلفة على غيرهم [39]. وبذلك أعيد احتلال العراق بشكل مباشر من قبل بريطانيا وفقد الجيش العراقي دوره الأساسي الذي لعبه منذ 1936 .

__________________
السيد عبد الرازق