الفترة 1960- 1980 (فترة الجمهورية العراقية (
حاول الزعيم الروحي لحزب البعث العربي الاشتراكي (ميشيل عفلق) ان يوجه حكومة عبد الكريم قاسم إلى الوحدة مع مصر وسوريا ولكن الحزب الشيوعي العراقي وقف مع قاسم ضد هذه الفكرة . وقد تميزت فترة عبد الكريم قاسم بسياسة التطهير في الجهاز الحكومي والنقابي ، وانسحابه من حلف بغداد في 24/3/1959. وقد همش كافة أعضاء مجلس الثورة وانحصر الدور القيادي بينه وبين عبد السلام عارف مما عمل على تغذية النزعة الفردية بالحكم لديه ، وبدء يعمل على عسكرة الدولة من خلال السيطرة على الشركات والمؤسسات العامة بواسطة تعين ضباط من الجيش مدراء لها ، وقد ركز اهتمامه على تقوية وتطوير المؤسسة العسكرية وأهمل تنمية القطاع الاقتصادي وغير قادر على تطوير الثورة الوطنية التي دفعته إلى السلطة . وقد أثار قاسم مشكلة ضم الكويت عندما أرسل برقية إلى شيخ الكويت في 20/6/1961 يبلغه بها الغاء اتفاقية 1899 الموقعه بين بريطانيا وقائمقام الكويت ، ابلغه ان الكويت ارض عراقية وقد عقد مجلس الوزراء العراقي عدة جلسات لمناقشة كيفية احتلال الكويت ، واعترض الغالبية على اللجوء إلى الحل العسكري باحتلال الكويت خوفا من الدخول مع بريطانيا بحرب خاصة ان القوات البريطانية كانت موجودة في البحرين[52] . ونتيجة لتفرده بالحكم ولنزعته الواضحه ضد القومية العربية لتصفيته معظم خصومه بالاعدام بعد اتهامهم بالخيانه ، وقد اسفحل الخلاف بينه وبين عبد السلام عارف حول قضية الوحدة العربية فعبد السلام ومعه حزب البعث وحزب الاستقلال دعوا إلى الوحدة مع الجمهورية العربية المتحدة وساندهم كافة العناصر القومية بذلك ، في حين ذهب فريق مع عبد الكريم قاسم بدعوته إلى تحقيق الاتحاد الفيدرالي ودعمه بذلك كل من الحزب الشيوعي والحزب الوطني الديموقراطي ، وقد اعتقل عبد السلام عارف واحيل إلى محكمة عسكرية وصادر الحريات العامة . كل هذه الاحداث دفعت إلى ثورة 8 شباط 1963 والتي كانت اول ثورة يتلاحم بها الجيش مع القوات الشعبية من اجل اسقاط حكم ديكتاتوري .[53] وقد كانت علاقة الجيش بالحكومة في عهد قاسم مقلوبة حيث قام الجيش بادارة الحكومة وتقاسم المناصب الحكومية والتدخل بالسياسة وهو مخالف لكل دساتير الدول الديموقراطية وبذلك مهدوا بفعلها لدكتاتورية الفرد العسكري الواحد.
وفي اليوم الثامن من شهر فبراير لعام سنة 1963م قام حزب البعث بانقلاب على نظام عبد الكريم قاسم وقد شهد هذا الانقلاب قتالا شرسا دار في شوارع بغداد، وبعد نجاح هذا الانقلاب تشكلت أول حكومة بعثية ، و سرعان ما نشب خلاف بين الجناح المعتدل والجناح المتطرف من حزب البعث فاغتنم عبد السلام عارف هذه الفرصة وأسقط أول حكومة بعثية في تاريخ العراق في 18 نوفمبر سنة 1963م وعين عبد السلام عارف أحمد حسن البكر أحد الضباط البعثيين المعتدلين نائبا لرئيس الجمهورية .
وقد عمل عبد السلام على تطوير المؤسسة العسكرية وتقويته وعين اخيه عبد الرحمن رئيس أركان للجيش وهو الذي لا يمتلك شخصية قوية ليس إلا ليضمن انه لا يوجد منافس له على قيادة الجيش ، ولكن على عكس ما نادى به من الدعوة إلى الوحدة مع مصر وسوريا عمل على التريث وتجاهل الأمر ، وقد مرض عبد السلام بمرض عضال ولكن وفاته جاءت نتيجة تحطم طائرة تقله ومجموعه من القيادة في رحلة داخلية ،[54] وعلى الفور عين أخوه عبد الرحمن خليفة له في رئاسة الجمهورية في 16/4/1966 حيث لم يعدل من سياسة الحكومة السابقة شيئا بل أبقى توزيع المناصب الوزارية على مجموعة من الضباط ولكن بحدود ضيقة عن السابق .لكنه لم يحقق نجاحا في الحد من النشاط السياسي لمنتسبي الجيش كما تزايد تغلغل عناصر من حزب البعث في المفاصل القيادية والوحدات الفاعلة بأساليب سرية وطرق لم تستطع الحكومة وأجهزتها الأمنية البسيطة متابعتها[55] .وقد جاءت هزيمة العرب في حرب 1967 امام اسرائيل لتفضح ضعف المؤسسة العسكرية في العراق ومما ساعد حزب البعث على القيام بانقلابه الثاني .
وفي اليوم الثلاثين من شهر يوليو عام 1968م طرد حزب البعث كافة من تعاونوا معه في انقلابه الناجح على عبد الرحمن عارف وعين أحمد حسن البكر رئيسا لمجلس قيادة الثورة ورئيسا للجمهورية وقائدا عاما للجيش وأصبح صدام حسين نائبا لرئيس مجلس قيادة الثورة ومسؤولا عن الأمن الداخلي. وهنا برز دور الجيش العقائدي حيث اندمجت أيدلوجية حزب البعث في تركيبة والتراتب الوظيفي لمنتسبي الجيش بغض النظر عن الاحتراف .و تأسست علاقة الجيش بالدولة العراقية في حكومات البعث على مفاهيم الحزب وأفكاره الخاصة في إدارة الدولة والمجتمع من ناحية وعلى ما ورثه من تراكمات في هذا المجال بالنسبة للحكومات التي سبقته ، وتركيبة الحزب الداخلية و أصبحت العلاقة بين الجيش والحاكم علاقة التابع والمتبوع يكون فيه الجيش تابعا، وزيادة قوة هذا التابع وتطوير إمكانياته ليؤمن البقاء في السلطة ويدعم دور الحاكم كلاعب قوي في الساحة السياسية الداخلية والخارجية[56] . وقد برز دور صدام حسين تلميذ عفلق في هذه المرحلة حيث عمد إلى تصفية كافة الخصوم السياسيين بطريقة دموية وسعى لأن يلتف الجيش من حوله ، إلى أن اجبر البكر على التنازل عن السلطة له بشه
ر تموز 1979 .
__________________
السيد عبد الرازق
|