2 ـ مواقف الصحابة والتابعين من خروج الحسين:
أ ـ محمد بن الحنفية: لما بلغ محمد بن الحنفية عزم أخيه الحسين على الخروج إلى الكوفة قدم عليه وقال: يا أخي أنت أحب الناس إلي، وأعزهم علي، ولست أدخر النصيحة لأحد من الخلق أحق بها منك، تنح ببيعتك عن يزيد بن معاوية وعن الأمصار ما استطعت، ثم أبعث رسلك إلى الناس فادعهم إلى نفسك، فإن بايعوا لك حمدن الله على ذلك، وإن أجمع الناس على غيرك لم ينقص الله بذلك دينك ولا عقلك، ويذهب به مروءتك ولا فضلك أني أخاف أن تدخل مصراً من هذه الأمصار وتأتي جماعة من الناس فيختلفون بينهم، فمنهم طائفة معك، وأخرى عليك فيقتلون فتكون لأول الأسنة، فإذا خير هذه الأمة كلها نفساً، وأباً، وأماً، أضيعها دماً، وأذلها أهلاً فقال الحسين: فإني ذاهب يا أخي، قال: فانزل مكة فإذا أطمأنت بك الدار فسبيل ذلك، وإن نبت بك لحقت بالرمال وشعف الجبال، وخرجت من بلد إلى بلد حتى تنتظر إلى ما يصير أمر الناس وتعرف عند ذلك الرأي فإنك أصوب ما تكون رأياً وأحزمه عملاً حين تستقبل الأمور استقبالاً، ولا تكون الأمور عليك أبداً أشكل منها حين تستدبرها استدباراً قال: يا أخي قد نصحت فأشفقت وأرجوا أن يكون رأيك سديداً وجاء في رواية:.. فإن الحسين حين عزم على الخروج بعث إلى بني عبد المطلب في المدينة يدعوهم للخروج معه، فقدم عليه من خف منهم، وتبعهم محمد بن الحنفية فأدرك الحسين بمكة فأعلمه أن الخروج ليس له برأي يومه هذا، فأبى الحسين أن يقبل في نفسه على أخيه محمد وقال: ترغب بولدك عن موضع أصاب فيه؟ فقال محمد وما حاجتي أن تصاب ويصابون معك، وإن كانت مصيبتك أعظم عندنا منهم .
ب ـ عبد الله بن عباس رضي الله عنه: ولما بلغ خبر عزمه على الخروج إلى ابن عمه عبد الله بن عباس أتاه وقال: يا ابن عم أنه قد أرجف الناس أنك سائر إلى العراق، فبيّن لي ما أنت صانع؟ قال: قد أجمعت المسير في أحد يومي هذين إن شاء الله تعالى، فقال له ابن عباس: أخبرني إن كان عدوك بعد ما قتلوا أميرهم ونفوا عدوهم وضبطوا بلادهم فسر إليهم، وإن كان أميرهم حي وهو مقيم عليهم، قاهر لهم وعماله تجبي بلادهم فإنهم إنما دعوك للفتنة والقتال، ولا آمن عليك أن يستفزوا عليك الناس ويقلبوا قلوبهم عليك، فيكون الذي دعوك أشد الناس عليك. فقال الحسين إني استخير الله وأنظر ما يكون. ولكن ابن عباس أدرك من كلام الحسين واستعداده أنه عازم على الخروج ولكنه يحاول إخفاء الأمر عنه لعلمه بعدم رضاه عن ذلك، لذا جاء ابن عباس إلى الحسين من الغد فقال: يا ابن عم إني أتصبر ولا اصبر، وإني أتخوف عليك في هذا الوجه الهلاك، أن أهل العراق قوم غدر فلا تغترن بهم، أقم في هذا البلد حتى ينفي أهل العراق عدوهم ثم أقدم عليهم، وإلا فسر إلى اليمن فإن به حصوناً وشعاباً، ولأبيك به شيعة، وكن عن الناس بمعزل، واكتب إليهم وبث دعاتك فيهم، فإني أرجو إذا فعلت ذلك أن يكون ما تحب. فقال الحسين: يا ابن عم! والله إني لأعلم أنك ناصح شفيق، ولكني قد أزمعت المسير. فقال له: فإن كنت ولا بد سائراً فلا تسر بأولادك ونسائك، فوالله إني لخائف أن تقتل كما قتل عثمان ونساؤه وولده ينظرون إليه، إلى أن قال: فوالله الذي لا إله إلا هو لو أعلم أنك إذا أخذت بشعرك وناصيتك حتى يجتمع علي وعليك الناس أطعتني واقمت لفعلت ذلك . وهكذا نجد أن محاولات ابن عباس لم تجد في إقناع الحسين على الرغم من أنه أظهر له ـ لما علم تصميمه على عدم رضاه بيزيد وضرورة العمل على تغييره ـ أنه لا يقف عند فكرة الحسين تماماً، ولكنه يوضح له عوامل فشل ما هو سائر لتحقيقه، ويطرح له البدائل التي ربما تكون أقرب لتحقيق ما يصبو إليه، وذلك بالانتظار حتى يقوم أهل العراق بالسيطرة التامة على إقليمهم ويحرروه من سلطان بني أمية وهو يدرك أنهم عاجزون عن ذلك فبالتالي هم عاجزون عن حماية الحسين أو أن يذهب إلى اليمن ويعمل بما أرشده إليه فإن عوامل النجاح فيه أكثر وعوامل الفشل فيه أقل من رحيله إلى العراق ولعل ابن عباس قد لا يريد للحسين لا هذا ولا ذاك ولكن أراد تأخير الحسين عن اتخاذ تلك الخطوة السريعة بخروجه إلى العراق والتي لا ينفع معها تدارك الأمر، أما لو اقتنع برأي ابن عباس من الانتظار حتى يتهيأ له الأمر في العراق، أو يعدل عنه إلى اليمن وهذا سيأخذ وقتلاً طويلاً لترتيب الأمور هناك، وبهذا أو ذاك فإنه يمكن أن يكون لعامل الوقت أثر في حل الوضع وإطفاء الفتنة . ويفهم من كلام ابن عباس بأنه لا يخالف الحسين في خروجه على يزيد من الناحية الشرعية، ولكن كان يخالفه من الناحية الاستراتيجية فكان يرى ألا يخرج الحسين للعراق حتى يتأكد من قوة شيعته وأنصاره هناك، وأن الأمويين لم يعد لهم نفوذ، وإلا فإن اليمن بعيدة عن النفوذ الأموي وله فيها أنصار، وبها أماكن كثيرة للتخفي، حتى يتمكن من جمع القوى الكافية لمقاومة الأمويين .
|