عرض مشاركة مفردة
  #9  
قديم 20-11-2006, 08:02 AM
الزمردة الزمردة غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2006
المشاركات: 8
إفتراضي

رابعاً : موقف يزيد من أحداث الكوفة:
لما تأكد ليزيد تصميم الحسين على الاستجابة لدعوة أهل الكوفة، كتب لإبن عباس لأنه شيخ بني هاشم في عصره وعالم المسلمين قائلاً، ونحسب أن رجالاً أتوه من المشرق فمنّوه الخلافة، فإنهم عندك منهم خبرة وتجربة، فإن كان فعل فقد قطع وشائج القرابة وأنت كبير أهل بيتك والمنظور إليه، فاكففه عن السعي في الفرقة ثم كتب بهذه الأبيات إليه وإلى مكة والمدينة من قريش:
يا أيها الراكب الغادي لطيته
على عُذَاقِرةِ في سيرها قحم
أبلغ قريشاً على نأي المزار بها
بيني وبين حسين الله والرحم
إلى أن قال:



يا قومنا لا تشبوا الحرب إذ خمدت
وأمسكوا بجبال السلم واعتصموا
لا تركبوا البغي إن البغي مصرعه
وإن شارب كأس البغي يتخم

فقد غرّت الحرب من كان قبلكم
من القرون وقد بادت بها الأمم
فأنصفوا قومكم لا تهلكوا بذخاً
قرب ذي بذخ زلت به القدم

فكتب إليه ابن عباس: إني لأرجو أن لا يكون خروج الحسين لأمر تكرهه، ولست أدع النصيحة له في كل ما يجمع الله به الألفة وتطفي بها الثائرة .
وفي تلك الأثناء كانت الأحداث تتسارع، وذلك بعدما أخذ الشيعة يختلفون على مسلم بن عقيل ويبايعونه وعندما أحس النعمان بن بشير الأنصاري والي الكوفة بخطورة الوضع قام فخطب في الناس وقال: اتقوا الله عباد الله ولا تسارعوا إلى الفتنة والفرقة فإن فيها يهلك الرجال، وتسفك الدماء وتغصب الأموال وقال: إني لم أقتل من لم يقاتلني ، ولا أثب على من لا يثب علي، لا أشاتمكم ولا أتحرش بكم، ولا آخذ بالقرف ولا الظنة والتهمة، ولكن إن أبديتم صفحتكم لي، ونكثتم بيعتكم، وخالفتم إمامكم، فوالله الذي لا إله غيره لأضربنكم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي ولو لم يكن لي منكم ناصر، أما إني أرجو أن يكون من يعرف الحق منكم أكثر ممن يرديه الباطل .
وأشارت سياسة النعمان بن بشير رضي الله عنه مع أنصار الحسين حفيظة الناصحين للأمويين، وأحد الموالين لهم في الكوفة وهو عبد الله بن مسلم بن سعيد الحضرمي، حليف بني أمية، فقام إلى النعمان بن بشير وبين له أن طريقته هذه إنما هي طريقة المستضعفين وأنه يجب عليه أن ينهج سياسة البطش والقوة حيال المتربصين بأمن الكوفة، ولكن رد النعمان بن بشير رضي الله عنه كان واضحاً بأنه يراقب الله في سياسته
ولم تعجب يزيد سياسة النعمان فعزله من ولاية الكوفة وعين بدله عبيد الله بن زياد وكتب إليه: إن شيعتي من أهل الكوفة كتبوا إليّ يخبروني أن ابن عقيل بالكوفة يجمع الجموع ليشق عصا المسلمين فسر حين تقرأ كتابي هذا حتى تأتي أهل الكوفة فتطلب ابن عقيل كطلب الخرزة، حتى تثقفه فتوثقه أو تقتله أو تنفيه والسلام ، وغادر ابن زياد البصرة بعد أن اتخذ عدة إحتياطات خوفاً من حدوث إضطرابات وأناب عنه أخوه عثمان بن زياد على البصرة ثم خرج من البصرة ومعه وجوه أهل البصرة أمثال مسلم بن عمرو الباهلي، وشريك بن الأعور الحارثي وحشمه وأهل بيته . وأقبل ابن زياد إلى الكوفة ودخلها متلثماً والناس قد بلغهم إقبال الحسين إليهم، فهم ينظرون قدومه، فظنوا حين قدم عبيد الله أنه الحسين بن علي، فأخذ لا يمر على جماعة من الناس إلا سلموا عليه وقالوا: مرحباً بك يا ابن رسول الله، قدمت خير مقدم، فلما أكثروا عليه صاح فيهم مسلم بن عمرو وقال: تأخروا هذا الأمير عبيد الله بن زياد فلما نزل في القصر نودي الصلاة جامعة فاجتمع الناس فخرج إليهم ثم خطبهم ووعد من أطاع منهم خيراً وتوعد من خالف وحاول الفتنة منهم شراً .

خامساً : عبيد الله بن زياد وخطواته للقضاء على مسلم بن عقيل وأنصاره:
1 ـ اختراق تنظيم مسلم بن عقيل:
حرص عبيد الله بن زياد على جمع المعلومات بواسطة جواسيسه على الفئات المعارضة واستطاع أن يخترق أتباع مسلم بن عقيل وقد كلّف أحد رجاله بهذه المهمة فأعطاه مبلغاً من المال وكان الرجل من أهل الشام يقال له معقلاً وكان مقدار المبلغ ثلاثة آلاف درهم وقال: خذ هذا المال، وانطلق فالتمس مسلم بن عقيل، وتأتّ له بغاية التأتي ، فانطلق الرجل حتى دخل المسجد الأعظم، ثم نظر إلى رجل يكثر الصلاة إلى سارية من سواري المسجد، فجلس الرجل حتى إذا انفتل من صلاته، فدنا منه وجلس، فقال: جعلت فداك إني رجل من أهل الشام مولى لذي الكلاع، وقد أنعم الله علي بحب أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وحب من أحبهم، ومعي هذه الثلاثة الآلاف درهم، أحب إيصالها إلى رجل منهم، بلغني أنه قدم هذا المصر داعية للحسين بن علي، فهل تدلني عليه لأُوصل هذا المال إليه؟ ليستعين به على بعض أموره ويضعه حيث أحب من شيعته قال له الرجل: وكيف قصدتني بالسؤال عن ذلك دون غيري ممن هو في المسجد قال: لأني رأيت عليك سيما الخير فرجوت أن تكون ممن يتولى أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال له الرجل: ويحك قد وقعت عليّ بعينك، أنا رجل من إخوانك، واسمي مسلم بن عوسجة، وقد سُرِرت بك وساءني ما كان من حسي قبلك فإني رجل من شيعة أهل هذا البيت، خوفاً من هذا الطاغية ابن زياد، فأعطني ذمة الله وعهده أن تكتم هذا عن جميع الناس فأعطاه من ذلك ما أراد، واستطاع الشامي في نهاية المطاف الوصول إلى مسلم بن عقيل، فكان يغدو إلى مسلم بن عقيل فلا يحجب عنه، فيكون نهاره كله عنده فيتعرّف جميع أخبارهم، فإذا أمسى وأظلم عليه الليل دخل على عبيد الله بن زياد، فأخبره بجميع قصصهم، وما قالوا وما فعلوا في ذلك، وأعلمه نزول مسلم بن عقيل في دار هاني بن عروة . وهكذا استطاع ابن زياد أن يعرف أخبار مسلم بن عقيل وتحركاته .

2 ـ سجن هانيء بن عروة:
كان محمد بن الأشعث وأسماء بن خارجة يدخلون على ابن زياد مُسَلّمين، فقال لهما: ما فعل هانيء بن عروة؟ فقالا أيها الأمير، إنه عليل منذ أيام فقال ابن زياد: وكيف. بلغني أنه يجلس على باب داره عامّة نهاره، فما يمنعه من إتياننا وما يجب عليه في حق التسليم؟ قالا: سنعلمه ذلك، ونخبره باستبطائك إياه فخرجا من عنده، وأقبلا حتى دخل على هانيء بن عُروة، فأخبراه بما قال لهما ابن زياد، وما قالا له، ثم قالا له: اقسمنا عليك إلاّ قمت معنا إليه الساعة لَتُسلُ سخيمة قلبه. فدعا ببغلته فركبها ومضى معهما، حتى إذا دنا من قصر الإمارة خبُثت نفسه فقال لهما: إن قلبي قد أوجس من هذا الرجل خيفة. قالا: ولم تحدث نفسك بالخوف وأنت بريء الساحة؟
فمضى معهما حتى دخلوا على ابن زياد، فأنشأ ابن زياد يقول متمثلاً:
أريد حياته ويريد قتلي
عَذِيرَك من خَلِلِكَ من مراد

قال: هانيء وما ذاك أيها الأمير؟
قال ابن زياد: وما يكون أعظم من مجيئك بمسلم بن عقيل وإدخالك إياه منزلك، وجمعك له الرجال ليبايعوه؟ فقال هانيء: ما فعلت وما أعرف من هذا شيئاً فدعا ابن زياد بالشامي، وقال: يا غلام، ادع لي معقلاً. فدخل عليهم. فقال: ابن زياد لهانيء بن عروة: أتعرف هذا؟ فلما رآه علم أنه إنما كان عيناً عليهم. فقال هانيء: أصدُقُك والله أيها الأمير، وإني والله ما دعوت مسلم بن عقيل وما شعرت به، ثم قصّ عليه قصّته على وجهها. ثم قال: فأمّا الآن فأنا مخرجه من داري لينطلق حيث يشاء، وأعطيك عهد وثيقاً أن أرجع إليك. قال ابن زياد" لا والله لا تفارقني حتى تأتيني به. فقال هانيء: أو يجمل بي أن أسلم ضيفي وجاري للقتل والله لا أفعل ذلك أبداً. فاعترضه ابن زياد بالخيزرانة، فضرب وجهه، وهشم أنفه،، وكسر حاجبه، وأمر به فأدخل بيتاً . فبلغ الخبر عمرو بن الحجاج الزبيدي أن هانئاً قد قتل، فأقبل في قبيلة مذجح، وأحاط بالقصر، ونادى بأنه لم يخلع الطاعة، وإنما أراد الاطمئنان إلى سلامة هانيء، فأمر ابن زياد القاضي شريح بأن يدخل على هانيء، وينظر إليه ويخبرهم أنه حي. ففعل . فقال لهم سيدهم عمروبن الحجّاج: أما إذا كان صاحبكم حياً فما يعجلكم الفتنة؟ انصرفوا فانصرف