الموضوع: صدام الحضارات
عرض مشاركة مفردة
  #4  
قديم 20-11-2006, 07:40 PM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

الصدام بين الحضارات (صاموئيل هانتنغتون) :

أولا: النمط المقبل للنزاع :

تدخل السياسات العالمية مرحلة جديدة، لم يتردد المثقفون إزاءها في تقديم رؤى لما ستكون عليه: نهاية التاريخ وعودة النزاعات التقليدية بين الدول/الأمم وانهيار الدول/ الأمم من جراء الدوافع المتعارضة للنزعة القبلية والنزعة العالمية، ضمن أمور أخرى، ويدرك كل من هذه الرؤى جوانب من الحقيقة الناشئة، ومع ذلك، فإنه يغفل جانبا حاسما و مركزيا حقا، لما يرجح أن تكون عليه السياسات العالمية في السنوات المقبلة.

والفرض الذي أقدمه هو أن المصدر الأساسي للنزاعات في هذا العالم الجديد لن يكون مصدرا أيديولوجيا أو اقتصاديا في المحل الأول. فالانقسامات الكبرى بين البشر ستكون ثقافية، والمصدر المسيطر سيكون ثقافيا، وستظل الدول/الأمم هي أقوى اللاعبين في الشؤون الدولية، لكن النزاعات الأساسية في السياسات العالمية ستحدث بين أمم ومجموعات لها حضارات مختلفة. وسيسيطر الصدام بين الحضارات على السياسة الدولية، ذلك أن الخطوط الفاصلة بين الحضارات ستكون هي خطوط المعارك في المستقبل.

وسيكون النزاع بين الحضارات هو المرحلة الأخيرة في تطور النزاع في العالم الحديث. فلمدة قرن ونصف القرن بعد قيام النظام الدولي الحديث مع معاهدة (وستفاليا)، كانت النزاعات في العالم الحديث تحدث أساسا بين الأمراء الأباطرة، والملوك المطلقين والملوك الدستوريين الذين يحاولون توسيع إداراتهم وجيوشهم وقوتهم الاقتصادية المركنتلية، وأخيرا، وهو العنصر الأهم، الأراضي التي يحكمونها. وخلال هذه العملية أقاموا الدول/الأمم.

وبدءا من الثورة الفرنسية، أصبحت الخطوط الأساسية للنزاع بين الأمم وليس بين الأمراء. فعام 1793 مثلما قال (ر. ر. بالمر) : انتهت حروب الملوك، وبدأت حروب الشعوب .. واستمر نمط القرن التاسع عشر هذا حتى نهاية الحرب العالمية الأولى. ثم تحول النزاع بين الأمم، نتيجة للثورة الروسية ورد الفعل تجاهها، الى نزاع بين الأيديولوجيات، أولا بين الشيوعية والفاشية (كطرف يفترضه هانتنغتون ) والديمقراطية الليبرالية. وخلال الحرب الباردة أصبح هذا النزاع الأخير مجسدا بين الدولتين العظميين، ولم يكن أي منهما (دولة/أمة) حسب المفهوم الأوروبي الكلاسيكي.

كانت النزاعات بين الأمراء والملوك في أوروبا سابقا عبارة عن حروب أهلية، لا أكثر، كما وصفها (ويليام ليند) وكذلك يعتقد المؤلف أن الحربين العالميتين الأولى والثانية ، وكذلك الحرب الباردة هما امتداد للنمط القديم ..

ومع نهاية الحرب الباردة تحركت السياسات الدولية في مرحلتها (الغربية)، وأصبح المركز الرئيسي لها هو التفاعل بين الحضارات الغربية والحضارات غير الغربية. وفي سياسات الحضارات لم تعد شعوب وحكومات الحضارات غير الغربية موضوعات (للتاريخ) باعتبارها أهدافا (للاستعمار الغربي)، بل انضمت الى الغرب باعتبارها من محركي التاريخ ومشكليه!
__________________
ابن حوران