عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 24-11-2006, 11:07 PM
karim2000 karim2000 غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2006
المشاركات: 433
إفتراضي

(قال أبو الحسن الصفار: سمعت أبا سهل الصعلوكي، وسئل عن تفسير أبي بكر القفال، فقال: قدسه من وجه ودنسه من وجه، أي: دنسه من جهة نصره للاعتزال.
قلت: قد مر موته، والكمال عزيز، وإنما يمدح العالم بكثرة ما له من الفضائل، فلا تدفن المحاسن لورطة، ولعله رجع عنها. وقد يغفر له في استفراغه الوسع في طلب الحق ولا حول ولا قوة إلا بالله) اهـ. وبعد أن ذكر بعض الهفوات لأبي حامد الغزالي المتوفى سنة 505هـ -رحمه الله تعالى- قال (السير: (19/339)):
(قلت: الغزالي إمام كبير، وما من شرط العالم أنه لا يخطئ) اهـ.
وقال أيضا (السير: (19/342)):
(قلت: مازال الأئمة يخالف بعضهم بعضاً، ويرد هذا على هذا، ولسنا ممن يذم العالم بالهوى والجهل) اهـ.
وقال أيضاً (السير: (19/346)):
(فرحم الله الإمام أبا حامد، فأين مثله في علومه وفضائله ولكن لا ندعي عصمته من الغلط والخطأ. ولا تقليد في الأصول) اهـ.
ونبه على حال مجاهد فقال (السير: (4/455)):
(قلت: ولمجاهد أقوال وغرائب في العلم والتفسير تستنكر) اهـ.
وقال في ترجمة ابن عبد الحكم (السير: (12/500–501)):
(قلت: له تصانيف كثيرة، منها: كتاب في الرد على الشافعي. وكتاب أحكام القرآن. وكتاب الرد على فقهاء العراق. ومازال العلماء قديماً وحديثاً يرد بعضهم على بعض في البحث وفي التواليف، وبمثل ذلك يتفقه العالم، وتتبرهن له المشكلات، ولكن في زماننا قد يعاقب الفقيه إذا اعتني بذلك لسوء نيته، ولطلبه للظهور والتكثر، فيقوم عليه قضاة وأضداد، نسأل الله حسن الخاتمة وإخلاص العمل) اهـ.
وفي ترجمة إسماعيل التيمي المتوفي سنة 535 هـ أنه قال (السير: (20/88)):
(أخطأ ابن خزيمة في حديث الصورة، ولا يطعن عليه بذلك بل لا يؤخذ زلته، ترك كثير من الأئمة، وهذا لا ينبغي أن يفعل) اهـ.
فهذا الذهبي نفسه (أبجد العلوم لصديق خان رحمه الله تعالى: (1/15-20)) قد تكلم -رحمه الله تعالى- في أن علوم أهل الجنة تسلب عنهم في الجنة ولا يبقى لهم شعور بشيء منها. وقد تعقبه العلامة الشوكاني في فتاواه المسماة: الفتح الرباني. وذكر إجماع أهل الإسلام على أن عقول أهل الجنة تزداد صفاءً وإدراكاً - لذهاب ما كان يعتريهم في الدنيا. وساق النصوص في ذلك. منها قوله تعالى: {يليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين}.
وقال شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية النميري -رحمه الله تعالى-، في جواب له بإبطال فتوى قضاة مصر بحبسه وعقوبته من أجل فتواه بشأن شد الرحل إلى القبور (مجموع الفتاوى (27/311)):
(أنه لو قدر أن العالم الكثير الفتاوي، أفتى في عدة مسائل بخلاف سنة رسول الله -صلي الله عليه وسلم- الثابتة عنه، وخلاف ما عليه الخلفاء الراشدون: لم يجز منعه من الفتيا مطلقاً؛ بل يبين له خطؤه فيما خالف فيه، فمازال في كل عصر من أعصار الصحابة والتابعين، ومن بعدهم من علماء المسلمين من هو كذلك..) اهـ. وهذا الإمام الحافظ ابن حبان المتوفى سنة 354هـ -رحمه الله تعالى- فاه بقوله: النبوة العلم والعمل. فهجر وحكم عليه بالزندقة وكتب فيه إلى الخليفة فكتب بقتله.
لكن أنصفه المحققون من أهل العلم فوجهوا قوله واستفادوا من علمه وفضله منهم: ابن القيم (مفتاح دار السعادة)، والذهبي (تذكرة الحفاظ (3/922))، وابن حجر (لسان الميزان (5/113-116)) في سواهم من المحققين.
ومما قاله الذهبي:
(قلت: وهذا أيضاً له محمل حسن، ولم يرد حصر المبتدأ في الخبر. ومثله: الحج عرفة، فمعلوم أن الرجل لا يصير حاجاً بمجرد الوقوف بعرفة، إنما ذكر مهم الحج، ومهم النبوة؛ إذ أكمل صفات النبي: العلم والعمل، ولا يكون أحد نبياً إلا أن يكون عالماً عاملاً. نعم النبوة موهبة من الله تعالى لمن اصطفاه من أولي العلم والعمل لا حيلة للبشر في اكتسابها أبداً، وبها يتولد العلم النافع والعمل الصالح.
ولا ريب أن إطلاق ما نقل عن أبي حاتم: لا يسوغ، وذلك نفس فلسفي) اهـ.
وهذا العلامة أبو الوليد الباجي المالكي المتوفي سنة 474 هـ رحمه الله تعالى افترع القول بارتفاع أمية النبي -صلي الله عليه وسلم- لقصة الحديبية فقام عليه أهل عصره حتى حكموا بكفره. وقال بعضهم فيه:
وعجبت ممن شرى دنياً بآخرة وقال إن رسول الله قد كتبا
ثم تطامنت الفتنة وأوضح المحققون بأن واقعة الحديبية لا سبيل إلى إنكارها لثبوتها لكنها لا تنفي الأمية، كما أن النبي -صلي الله عليه وسلم- بعث في العرب وهم أمة أمية لا تكتب ولا تحسب ومع هذا يوجد فيهم من يكتب مثل كتاب الوحي -لكنهم على ندرة ولم ينف هذا أمية أمته -صلي الله عليه وسلم- من العرب. حقق ذلك الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى في ترجمة الباجي من السير. (السير: (18/540)).
ولعصرينا ابن حجر القاضي القطري كتاب حافل باسم: الرد الشافي الوافر على من نفى أمية سيد الأوائل والأواخر. وهذا عبد الملك بن حبيب رحمه الله تعالى من أعلام الفقه المالكي. عِيبَ عليه أشياء ولم يُهْجَر رحمه الله تعالى. (لسان الميزان: (4/62)).
والجياني: أحمد بن محمد بن فرج اللغوي الشاعر، لحقته محنه لكلمة عامية نطق بها، نقلوها عنه، وكان سجنه بسببها في زمن: الحكم بن عبد الرحمن الناصر المتوفى سنة 336هـ (الصلة لابن بشكوال: (1/5). وانظر ترجمة أبي حيان التوحيدي ففيها مع فساد معتقده ، أشياء من هذا كما في (لسان الميزان: (7/38-41)) ونحوها لأبي طالب المكي صاحب (قوت القلوب) كما في (الميزان: (3/655)، ولسانه: (5/300)).
وهؤلاء الأئمة: ابن الأثير، وابن خلدون، والمقريري قد صححوا النسب الفاطمي للعبيديين. وقد صاح المحققون على القائلين بهذا منهم: ابن تيمية، وابن القيم، والذهبي، وابن حجر وغيرهم في القديم والحديث.والمؤرخ ابن خلدون أيضاً عقب عليه الهيثمي بأنه لما ذكر الحسين بن علي -رضي الله عنه- في تاريخه قال (الضوء اللامع (3/147)، والإعلان بالتوبيخ (ص/71)): (قتل بسيف جده).
لكن دافع الحافظ ابن حجر عن ابن خلدون بأن هذه الكلمة لم توجد في التاريخ الموجود الآن ولعله ذكرها في النسخة التي رجع عنها.
وقد تتابع الغلط على ابن خلدون أيضاً في أنه يحط على العرب من أنهم أهل ضعن ووبر لا يصلحون لملك ولا سياسة.. وابن خلدون كلامه هذا في "الأعراب" لا في "العرب" فليعلم.
فهذه الآراء المغلوطة لم تكن سبباً في الحرمان من علوم هؤلاء الأجلة بل مازالت منارات يهتدي بها في أيدي أهل الإسلام . مازال العلماء على هذا المشرع ينبهون على خطأ الأئمة مع الاستفادة من علمهم وفضلهم، ولو سلكوا مسلك الهجر لهدمت أصول وأركان، ولتقلص ظل العلم في الإسلام، وأصبح الاختلال واضحاً للعيان. والله المستعان.وكان الشيخ طاهر الجزائري المتوفى سنة 1338هـ -رحمه الله تعالى- يقول وهو على فراش الموت (كنوز الأجداد):
(عدوا رجالكم، واغفروا لهم بعض زلاتهم، وعضوا عليهم بالنواجذ لتستفيد الأمة منهم، ولا تنفروهم لئلا يزهدوا في خدمتكم) ا.هـ.
وينتظم ما سلف تحقيق بالغ للإمام ابن قيم الجوزية -رحمه الله تعالى- ذكره في مباحث الحيل من "إعلام الموقعين" (3/294 –298) فانظره.
وإنما أتيت على النقول المتقدمة مع كثرتها، لعموم البلوى على أهل العلم من بعض الجهال.. إذا حصل له رأي عن قناعة ودراية في مسألة فقهية فروعية - يكادون يزهقونه ويجهزون عليه لتبقى الريادة الوهمية لهم، والله المستعان على ما يفعلون.
أما المبتدعة فلا والله، فإنا نخافهم ونحذرهم، ولواجب البيان نحذرهم من بدعهم، فاحذر مخالطتهم، والتلقي عنهم، فإن ذلك سم ناقع" انتهى من كتاب: "التعالم".
10- 10- قد ترى الرجل العظيم يشار إليه بالعلم والدين، وقفز القنطرة في أبواب التوحيد على أصول الإسلام والسنة وجادة سلف الأمة، ثم حصل منه هفوة، أو هفوات، أو زلة، أو زلات.
فلتعلم هنا: أنه ما كل عالم ولا داعية كذلك يؤخذ بهفوته، ولا يتبع بزلته، فلو عمل ذلك لما بقى معنا داعية قط، وكل راد ومردود عليه، والعصمة لأنبياء الله ورسله.
نعم: ينبه على خطئه، ولا يجرم به، فيحرم الناس من علمه، ودعوته، وما يحصل على يديه من الخير.
ومن جرم المخطئ في خطئه الصادر عن اجتهاد له فيه مسرح شرعاً، فهو صاحب هوى يحمل التبعة مرتين:
تبعة التجريم، وتبعة حرمان الناس من علمه، بل عليه عدة تبعات معلومة لمن تأملها .
11- 11- قد ترى الرجل العظيم، يشار إليه بالعلم والدين، وقد ينضاف إلى ذلك نزاله في ساحات الجهاد، وشهود سنابك الجياد، وبارقة السيوف، ويكون له بجانب ذلك هنات وهنات في توحيد العبادة، أو توحيد الأسماء والصفات، ومع هذا فترى نظراءه من أهل العلم والإيمان ممن سلم من هذه الهنات، يشهدون بفضله ويقرون بعلمه، ويدينون لفقهه، وعلو كعبه، فيعتمدون كتبه وأقواله، ولا يصرفهم هذا عن هذا: "وإذا بلغ الماء قُلتين لم يحمل الخبث".
ولا تمنعهم الاستفادة منه من البيان بلطف عما حصل له من عثرات، بل يبينونها، ويسألون الله أن يقيل عثرته، وأن يغفرها بجانب فضله، وفضيلته.وخذ شاهداً في حال المعاصرة: إن شُداة اعتقاد السلف -كثر الله جمعهم- يكدون ليلهم، ونهارهم، ويبذلون وكدهم في تحضير الرسائل الجامعية لعدد من وجوه أهل العلم في دراسة حياتهم، وسيرهم، وجمع شمائلهم، وتحقيق كتبهم، ونشرها بين الناس، ويرون هذا قربة بعلم ينتفع به.
وتتسابق كلمة علماء العصر بالمدح والثناء.
وبهذا تعلم أن تلك البادرة "الملعونة" من تكفير الأئمة: النووي، وابن دقيق العيد، وابن حجر العسقلاني -رحمهم الله تعالى- أو الحط من أقدارهم، أو أنهم مبتدعة ضلال. كل هذا من عمل الشيطان، وباب ضلالة وإضلال، وفساد وإفساد، وإذا جرح شهود الشرع جرح المشهود به، لكن الأغرار لا يفقهون ولا يتثبتون، فهل من منفذ في الواقعين، نصيحة زياد فيما ساقه ابن عبد البـر -رحمه الله تعالى- بسنده أن زياداً خطب على منبر الكوفه فقال:
"أيها الناس إني بت ليلتي هذه مهتماً بخلال ثلاث رأيت أن أتقدم إليكم فيهن بالنصيحة:
رأيت إعظام ذوي الشرف، وإجلال ذوي العلم، وتوقير ذوي الأسنان.
والله لا أوتى برجل رد على ذي علم ليضع بذلك منه إلا عاقبته.. إلى أن قال: " إنما الناس بأعلامهم، وعلمائهم، وذوي أسنانهم" (جامع بيان العلم: (1/64)).
12- 12- وإن سألت عن الموقف الشرعي من انشقاق هؤلاء بظاهرة التجريح، فأقول:
I- I- احذر هذا الانشقاق لا تقع في مثله مع "المنشقين الجراحين" المبذرين للوقت والجهد والنشاط في قيل وقال، وكثرة السؤال عن "تصنيف العباد"، وذلك فيما انشقوا فيه، فهو ذنب تلبسوا به، وبلوى وقعوا فيها، وادع لهم بالعافية.
II- II- إذا بليت بالذين يأتون في مجالسهم هذا المنكر "تصنيف الناس بغير حق" واللهث وراءه، فبادر بإنقاذ أمر الله في مثل من قال الله فيهم:
{وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين} (الأنعام:68).
وفي هذا القدر كفاية -إن شاء الله تعالى- وفيما كتبت في: "حلية طالب العلم"، و "التعالم"، و "هجر المبتدع"، و "حكم الانتماء"، و "الرد على المخالف" أصول نافعة.
والله تعالى أعلم.
انتهى.
بكر بن عبدالله أبو زيد
8/3/1413هـ انتهى كلامه حفظه الله


فَمَا لِهَؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا