عرض مشاركة مفردة
  #341  
قديم 28-11-2006, 06:41 AM
النسري النسري غير متصل
كاتب مغوار
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2004
الإقامة: الأردن
المشاركات: 2,917
إرسال رسالة عبر ICQ إلى النسري
Smile

تابــــــــــــــع

ثم إني بعد أن قرأت كتب ابن تيمية عرفت أصل المسألة، وهو أن ابن تيمية نقل عن عثمان بن سعيد الدارمي في رده على المريسي أنه – أي المريسي – أنكر أن يكون الله فوق العرش،
فقال الدارمي: "ولو قد شاء لاستقر على ظهر بعوضة فاستقلت به بقدرته ولطف ربوبيته" [انظر نقض تأسيس الجهمية (1/568)]
وهذا أولا: ليس من كلام ابن تيمية، بل نقله عن الدارمي
وثانيا: هذا من باب فرض ما لم يكن، كقوله تعالى: "لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا" وكقوله: "ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض"، وكقوله: "قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين"، ونحوها من الآيات
فكل هذا من باب التنزل وفرض المستحيل، فهذا كما ترى ليس فيه غضاضة على الإطلاق، والله قد استوى على العرش وهو مخلوق من مخلوقاته جل وعلا، فهو لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.

على أية حال هذه كان بداية سلسة كذبات سمعتها على هذا الإمام العظيم، ليس من خالي، إنما من غيره فيما بعد، وكثير منها تولى كبرها بعض من يكتب في السبلة العمانية

وفي النية إن يسر الله أن أجمع بعض ذلك وأرد عليه، ذبا عن عرض هذا الإمام العظيم، فيعلم الله كم له من فضل علي خاصة، وعلى المسلمين عامة، اللهم اجزه عنا خير الجزاء، اللهم اجمعنا به في دار كرامتك.
بعد ذلك ما زلت أتردد بين الفريقين، فأسمع حجة هؤلاء، وحجة هؤلاء، ثم أقارن

وأذكر أن من الأمور التي استوقفتني مسألة نزول الرب – عز وجل – إلى السماء الدنيا،
فإن خالي قال لي مرة: "إن أهل السنة يثبتون أن الله ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا"،
وكنت قد حضرت محاضرة لأحد أهل السنة تكلم فيها عن هذه المسألة، ووضح أنهم يؤمنون بأن الله ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا، وأن هذا هو نص كلام النبي – صلى الله عليه وسلم – كما ثبت في الحديث الصحيح الذي أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة – رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، يقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له".
فقلت لخالي: "نعم أهل السنة يثبتون ذلك على ما جاء به الحديث"
فقال لي: "ولكن قال الشيخ أحمد الخليلي: إن ثلث الليل يدور حول العالم، فحين ينتهي ثلث من منطقة يذهب إلى التي تليها من جهة الغرب، وهكذا، فثلث الليل لا يزال حول العالم يدور، فهل معنى هذا أن الله يبقى نازلا إلى الأبد؟"
فرأيت أن هذا الدليل قوي جدا، ولم أستطع الانفكاك عنه
فغيرت مذهبي على الفور إلى مذهب الإباضية، وصرت أصلي مسبلا يدي، وصرت على يقين أن هذا الدليل لا مدفع له، وشعرت حينها أني قوي، كالجندي الذي معه سلاح يجزم أن عدوه لا يمكنه أن يمتلك سلاحا يقاومه، فصرت كلما لقيت أحدا شرحت له هذا الدليل الذي وصلني من قبل الخليلي، من شدة فرحي بما سمعت.

حتى قابلت مرة أحد أهل السنة العوام فأخبرته بما قاله الخليلي، فقال: "أنا لا أعرف الجواب، ولكن سآخذك إلى من هو أعلم مني"
فقلت: "نعم"
وكنت على يقين أنه سيفاجأ بهذا الجواب، وكنت أظن أن هذه الحجة من عند الخليلي لم يسبقه إليها أحد، فلما ذهبنا عند الرجل، وكان من طلبة العلم الحريصين، شرح له صاحبي المسألة، وسمع الرجل الدليل مني
إلا أنه فاجأني بأن قال: "هذه شبهة قديمة معروفة، وقد أجاب عليها الشيخ ابن عثيمين في فتاواه، وسأهديك منها نسخة"، وواعدني أن آتيه بالغد
وفي اليوم التالي حضر إلى المسجد فعلا، وأعطاني نسخة من فتاوى الشيخ ابن عثيمين، وكتبا أخرى، ويعلم الله، كم كانت فرحتي بتلك الهدية
وهذه لفتة مهمة إلى الدعاة، فإن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: "تهادوا تحابوا"
فكم أثرت هديته في نفسي، ولما شعرت أنها تخصني زاد اهتمامي بالكتاب، وكنت أول مرة أسمع فيها بالشيخ ابن عثيمين، فأراني الرجل مكان الفتوى المطلوبة
ثم قال لي: "اقرأ الكتاب فسيفيدك جدا"
وفعلا قرأت الكتاب من أوله إلى آخره، واستفدت منه أمورا عظيمة،
منها: تعريف أهل السنة والجماعة
ومنها: تقسيم التوحيد ومعاني كل قسم
ومنها: طريقة أهل السنة في الإثبات، والأدلة على ذلك، وأنهم غير مشبهة، بل ينكرون على المشبهة
ومنها: تحريم التصوير، وأنه وسيلة إلى الشرك
ومنها: تحريم البناء على القبور، والغلو فيها، إلى غير ذلك من الفوائد العظيمة
ومما كان يزيدني اهتماما بالكتاب تمكن صاحبه، وسهولة عبارته، وقوة أدلته، ولم أكن أتصور حينها أن يقدر الله لي التتلمذ علي يدي هذا الرجل العظيم، وأني سأكون ممن يجلس في حلقاته، ويسمع منه مباشرة، ولكن لله على عباده ألطاف كثيرة
ويعلم الله أني من يومها لم أحب عالما من العلماء الذين التقيت بهم كما أحببت ذلك الشيخ العظيم، الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله رحمة واسعة - .

وهنا لفتة مهمة أيضا إلى الدعاة: وهي أن نشر كتب أمثال هؤلاء العلماء فيه من الخير الشيء الكثير، وخاصة كتب الفتاوى، لأنها تتناول أسئلة الناس التي تدور بينهم، والتي يكثر السؤال عنها، ولأنها تراعي مستوى العوام، أو المبتدئين، وفيها تعليق الناس بأهل العلم الكبار، فيعلم الله كم لذلك الرجل الذي أعطاني كتاب الشيخ ابن عثيمين من فضل علي بما أهداني.
والمقصود، أني قرأت فتوى الشيخ حول الشبهة المذكورة، وإليكم نص السؤال، وجوابه:
جاء في مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين (1/102) سؤال رقم (102) ما نصه:
"سئل الشيخ – أعلى الله درجته في الهديين -: من المعلوم أن الليل يدور على الكرة الأرضية، والله – عز وجل – ينزل إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فمقتضى ذلك أن يكون كل الليل في السماء الدنيا، فما الجواب عن ذلك؟
فأجاب بقوله: الواجب علينا أن نؤمن بما وصف الله وسمى به نفسه في كتابه وعلى لسان رسوله – صلى الله عليه وسلم – من غير تحرف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل، فالتحريف في النصوص والتعطيل في المعتقد، والتكييف في الصفة، والتمثيل أيضا في الصفة ، إلا أنه أخص من التكييف؛ لأنه تكييف مقيد بمماثلة
فيجب أن تبرأ عقيدتنا من هذه المحاذير الأربعة
ويجب على الإنسان أن يمنع نفسه عن السؤال بـ (لم)؟ وكيف؟ فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته، وكذا يمنع نفسه عن التفكير في الكيفية
وهذا الطريق إذا سلكه الإنسان استراح كثيرا، وهذه حال السلف – رحمهم الله -، ولهذا جاء رجل إلى مالك بن أنس – رحمه الله – قال: يا أبا عبد الله "الرحمن على العرش استوى"، كيف استوى؟، فأطرق برأسه وعلته الرحضاء، وقال: "الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا مبتدعا"
وهذا الذي يقول: إن الله ينزل إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر كل ليلة، فيلزم من هذا أن يكون كل الليل في السماء الدينا؛ لأن الليل يدور على جميع الأرض، فالثلث ينتقل من هذا المكان إلى هذا المكان الآخر؟
جوابنا عليه أن نقول: هذا سؤال لم يسأله الصحابة – رضوان الله عليهم -، ولو كان هذا يرد على قلب المؤمن المستسلم لبينه الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم -
ونقول: ما دام ثلث الليل الأخير في هذه الجهة باقيا فالنزول فيها محقق، ومتى انتهى الليل انتفى النزول، ونحن لا ندرك كيفية نزول الله، ولا نحيط به علما، ونعلم أنه سبحانه ليس كمثله شيء، وعلينا أن نستسلم، وأن نقول: سمعنا، وآمنا، واتبعنا، وأطعنا، هذه وظيفتنا " اهـ .

وهذا الجواب كاف شاف كما ترى، فالله – عز وجل – أخبرنا على لسان نبيه، أنه ينزل في الثلث الأخير من الليل، فنحن نؤمن بهذا، فأينما كان الثلث الأخير فهنالك النزول،
ثم إنه من المتفق عليه بيننا وبين الإباضية أنه لا ينبغي للإنسان أن يخوض في صفات الله – عز وجل – بالتفكير، والتكييف
بل ينبغي عليه أن يكف عن هذا، فما بال علماء الإباضية يعرضون مثل هذه الشبه، مع أننا جميعا متفقون أنه ينبغي عدم الخوض فيها؟!!

على أية حال عرفت حينها أن أهل السنة يقولون إزاء النصوص: سمعنا وأطعنا، فإذا لم تتقبل عقولهم شيء اتهموها، وآمنوا بالنص، ولم يردوا النص لأجل شيء يقوم في عقولهم، وأن هذه الطريقة أسلم، وأحكم، وأعلم، وهي طريقة الصحابة، ومن بعدهم من علماء الأمة، ومن سلكها نجا، ومن تنكبها هلك
فلو عرضنا نصوص الكتاب والسنة على عقولنا لرددنا الكثير مما لا يقبله عقل كثير من الناس، والواجب عدم معارضة النصوص إذا ثبتت.

ومن يومها استفدت درسا عظيما، وهو التسليم لكتاب الله، وسنة رسوله - عليه الصلاة والسلام -، وعدم الاعتراض عليهما، فصار عندي قناعة تامة بمذهب أهل السنة في صفات الله – عز و جل -، وذلك بفضل قراءتي لفتاوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله تعالى-.

ورجعت بعدها أصلي صلاة أهل السنة، أكفت يدي، كما يكفتون.
بعدها تزايد حضوري لحلقات طلاب العلم من أهل السنة والجماعة عندنا في الإمارات، وصرت أواظب على الدروس في أيام معينة من الأسبوع، فدرست كتاب الأصول الثلاثة، وبعض كتاب التوحيد، كلاهما للشيخ محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله-
وحضرت بعض حلقات العقيدة، وأظن أنها كانت حول كتاب العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية، فعرفت الكثير من مبادئ أهل السنة والجماعة في الصفات
ومن القواعد المفيدة التي درستها: (أن القول في الصفات كالقول في الذات)، فالصفات تابعة للذات، فمن أثبت لله ذاتا لا تشبه الذوات فليثبت له صفات لا تشبه الصفات
فلله – عز وجل – يد لا كأيدينا، وله وجه لا كوجهنا، وله سمع لا كسمعنا، وله بصر لا كبصرنا، وله علم لا كعلمنا، وله عزة لا كعزتنا، كما أن له ذاتا ليست كذواتنا، كل ذلك سواء.
ومن القواعد المفيدة التي درستها: (أن كل معطل مشبه)، فكل من عطل صفة من صفات الله إنما عطلها لأنه فهم منها التشبيه، ولو أنه ما فهم التشبيه من تلك الصفة لأثبتها
فهو حين يقرأ قوله تعالى: " قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ (75) "، يفهم أن هاتين اليدين كيدي المخلوق، فلأجل هذا يضطر إلى أن يؤول، ويقول: ليست اليد هنا على معناها الحقيقي، بل هي بمعنى المباشرة، أو بمعنى القوة، أو غير ذلك من المعاني، والذي جعله يتؤل الآية أنه فهم منها التشبيه، وليس كذلك، فليس الأمر على ما ذكر، بل القرآن ليس ظاهره تشبها، حاشا وكلا،
قال نعيم بن حماد الخزاعى شيخ البخارى: "من شبه الله بخلقه فقد كفر، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر، وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيها".
على أية حال: كانت هذه المرحلة مرحلة تعلم لمبادئ أهل السنة والجماعة عموما، ولعقيدتهم في الصفات خصوصا.
فكنت إذا ذهبت إلى عمان عند أخوالي أناقشهم في بعض ما تعلمته يعجزون عن مجاراتي، لأنهم لم يكونوا بدرجة عالية من الدراية بمذهبهم، وهذا زادني تثبيتا على ما أنا عليه.
ثم إنني ذهبت مرة لزيارة أحد طلاب العلم من أهل السنة والجماعة، فذكرت له قصتي، وبعض ما كان يجري بيني وبين أخوالي وغيرهم من أهلي
وقلت له: "أريد أن أذهب إلى الشيخ أحمد الخليلي"، لعلي أجد عنده شيئا زائدا
فنصحني ألا أذهب إليه، ولكني لم أقنع بكلامه، لأني كنت أرى أنه من تمام الإنصاف أن أسمع حججهم كاملة
ثم في نهاية المجلس أعارني كتابا نفيسا بعنوان: "إثبات علو الرحمن، من قول فرعون لهامان"، لأسامة القصاص، وهو كتاب نفيس في بابه، فزدت قناعة بما توصلت إليه من الحق، والحمد لله .

يتبــــــــــــــــــــــــع
__________________