عرض مشاركة مفردة
  #342  
قديم 28-11-2006, 06:43 AM
النسري النسري غير متصل
كاتب مغوار
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2004
الإقامة: الأردن
المشاركات: 2,917
إرسال رسالة عبر ICQ إلى النسري
Smile

تابـــــــــــــــع

ثم إنه لم يتيسر لي أن أذهب إلى الشيخ أحمد الخليلي – مفتي عمان -، ولكني كنت أقرأ بعض كتب الإباضية كلما ذهبت إلى عمان، وأذكر أني كنت إذا أمسكت بكتاب من كتبهم أقول قبل أن أفتحه: "اللهم إن كان الحق في هذا الكتاب فأرني إياه"، ولكني لم أكن أرى إلا ما يزيد ثقتي بصدق مذهب أهل السنة والجماعة.

كل ذلك كان وأنا في مرحلة الثانوية العامة، وما بعدها بقليل، وبعد مرحلة الثانوية العامة صرت على مفترق الطرق، إما أن أذهب إلى إحدى شركات الطيران لأدرس وأتخرج طيارا، وإما أن أذهب إلى الجامعة الإسلامية، ولله الحمد قبلت في الجامعة الإسلامية قبل استدعائي إلى معهد الطيران للدراسة، فلما بدأت بالجامعة ودخل حبها قلبي استدعيت للطيران، ولكن هيهات وقد تعلق القلب بالمدينة النبوية، ومسجدها، وجامعتها، فلم أبغ بذلك بدلا، ولله الحمد.

مع أن قلبي كان أميل إلى الذهاب للطيران قبل ذلك، بل كنت أعد ذهابي للجامعة الإسلامية لما ذهبت استغلال وقت فراغ قبل أن أحزم حقائبي وأتوجه إلى الطيران، ولكن أعان الله بكرمه، ولطف رحمته بأن نشبت بالجامعة، فلم أبغ بها بدلا، ولله الحمد والمنة.

وفي الجامعة الإسلامية حصل لي تحول كبير في حياتي
فهنالك عاشرت علماء أهل السنة، وتعلمت منهم، ونهلت من آدابهم، وكان أخي في الإمارات إذا أشكل عليه شيء كلمني في الهاتف
وسألت له العلماء عن إشكاله فكشفوه لي
وأذكر أن من أول الإشكالات التي عرضت علي هناك مسألة الحد وإثباتها لله – عز وجل -، فسألت عنها العلماء، فكان أول من سألت من أهل العلم الشيخ: (محمد أمان الجامي – رحمه الله-) وكان متخصصا في العقيدة
وكنا قد انتهينا لتونا من صلاة الفجر في المسجد النبوي الشريف، وكانت للشيخ حلقة في العقيدة بعد صلاة الفجر، فسألته قبل أن يجلس على كرسيه
قلت: "يا شيخ هل أهل السنة يثبتون الحد لله – عز وجل -؟"
فقال: "وما الذي تعنيه بالحد؟"
فارتبكت، فلما رأى مني الارتباك قال لي: "يا ولدي! اذهب وادرس العقيدة"
وأمرني أن أركز على الأصول وأن لا أهتم بالمسائل العارضة الآن
فانصرفت من عنده مهموما؛ لأني كنت أريد الجواب حالا، ولكني عرفت أن تلك الكلمة من الشيخ أراد بها أن يربيني، وخاصة لما رأى عدم فقهي للسؤال الذي سألت عنه، فما فائدة جواب لإنسان لا يدري معنى السؤال الذي يسأله؟
ولكني لم أدرك ذلك في حينه، فما زلت أفتش حتى علمت قاعدة أهل السنة في مثل هذا، وهو ما ذكره ابن أبي العز الحنفي في شرحه للعقيدة الطحاوية (ص218، ط . المكتب الإسلامي، تخريج الألباني)
قال – عند شرحه لقول الطحاوي: "وتعالى عن الحدود والغايات"- : "أن الناس في إطلاق مثل هذه الألفاظ ثلاثة أقوال:
فطائفة تنفيها، وطائفة تثبتها، وطائفة تفصل، وهم المتبعون للسلف، فلا يطلقون نفيها ولا إثباتها إلا إذا تبين ما أثبت بها فهو ثابت، وما نفي بها فهو منفي
لأن المتأخرين قد صارت هذه الألفاظ في اصطلاحهم فيها إحمال وإبهام، كغيرها من الألفاظ الاصطلاحية، فليس كلهم يستعملها في نفس معناها اللغوي
ولهذا كان النفاة ينفون بها حقا وباطلا، ويذكرون عن مثبتيها مالا يقولون به
وبعض المثبتين لها يدخل لها معنى باطلا مخالفا لقول السلف، ولما دل عليه الكتاب والميزان،
ولم يرد نص من الكتاب ولا من السنة بنفيها ولا إثباتها، وليس لنا أن نصف الله تعالى بما لم يصف به نفسه، ولا وصفه به رسوله نفيا ولا إثباتا، وإنما نحن متبعون لا مبتدعون
فالواجب أن يُنظر في هذا الباب – أعني باب الصفات – فما أثبته الله ورسوله أثبتناه، وما نفاه الله ورسوله نفيناه، والألفاظ التي ورد بها النص يُعتصم بها في الإثبات والنفي، فنثبت ما أثبته الله ورسوله من الألفاظ والمعاني
وأما الألفاظ التي لم يرد نفيها ولا إثباتها فلا تطلق حتى يُنظر في مقصود قائلها، فإن كان معنى صحيحا قبل، لكن ينبغي التعبير عنه بألفاظ النصوص، دون الألفاظ المجملة، إلا عند الحاجة مع قرائن تبين المراد، والحاجة مثل أن يكون الخطاب مع من لا يتم المقصود معه إن لم يخاطب بها، ونحو ذلك " اهـ كلامه رحمه الله.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – [مجموع الفتاوى (3/308)]:
"والسلف والأئمة الذين ذموا وبدعوا الكلام في الجوهر، والجسم، والعرض تضمن كلامهم ذم من يُدخل المعاني التي يقصدها هؤلاء بهذه الألفاظ في أصول الدين، في دلائله وفي مسائله نفيا وإثباتا،
فأما إذا عرف المعاني الصحيحة الثابتة بالكتاب والسنة، وعبر عنها لمن يفهم بهذه الألفاظ؛ ليتبين ما وافق الحق من معاني هؤلاء وما خالفه؛ فهذا عظيم المنفعة، وهو من الحكم بالكتاب بين الناس فيما اختلفوا فيه" اهـ كلامه – رحمه الله -.
فلفظة الحد كما ترى ليست من الألفاظ الواردة في الكتاب والسنة، فيُستفصل فيها
فإن كان مراد قائلها حقا فإن الحق يقبل، ولكن الأولى التعبير به تعبيرا شرعيا، وإن كان مراد قائلها أمرا باطلا فإنها ترد، فإن أراد بالحد أن الله مستو على عرشه، بائن من خلقه، منفصل عنهم، كان كلامه حقا، وإن أراد بالحد أن الله محدود، وأنه محشور في مكان يحده، فهذا باطل ولا شك،
تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا

وما أحسن ما نقله الذهبي في السير في ترجمة أبي القاسم التيمي [السير (20/85)] قال:
"سئل أبو القاسم التيمي - رحمه الله - هل يجوز أن يقال لله حد أو لا؟، وهل جرى هذا الخلاف في السلف؟
فأجاب: هذه مسألة أستعفي من الجواب عنها لغموضها وقلة وقوفي على غرض السائل منها، لكني أشير إلى بعض ما بلغني، تكلَّم أهل الحقائق في تفسير الحد بعبارات مختلفة محصولها:
أن حد كل شيء موضع بينونته عن غيره،
فإن كان غرض القائل ليس لله حد: (لا يحيط علم الحقائق به)، فهو مصيب، وإن كان غرضه بذلك: (لا يحيط علمه تعالى بنفسه)، فهو ضال، أو كان غرضه أن الله بذاته في كل مكان فهو أيضا ضال .
قلت [والقائل هو الذهبي]: الصواب الكف عن إطلاق ذلك؛ إذ لم يأت فيه نص، ولو فرضنا أن المعنى صحيح، فليس لنا أن نتفوه بشيء لم يأذن به الله خوفا من أن يدخل القلب شيء من البدعة، اللهم احفظ علينا إيماننا" اهـ .

وهذا كما ترى أمر واضح جلي، وحقا: "إنما شفاء العي السؤال".
وهكذا استمرت الفوائد تنهال علي من علماء أهل السنة في المدينة، ومن طلابها
وأذكر ذات مرة أني قابلت رجلا من أهل عمان إباضيا يصلي في المسجد النبوي الشريف،
فتعرفت عليه، وتعرف علي، فلما عرف أني سني جرى بيني وبينه حوار حول استواء الله على العرش، فقلت له: "يا أخي الكريم الاستواء بمعنى الارتفاع والعلو، كما قال تعالى: "وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون، لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه ..."، وقوله تعالى عن سفينة نوح: "واستوت على الجودي"، فالاستواء العلو والاستقرار، والله يقول في سبع مواضع من القرآن إنه استوى على العرش منها قوله تعالى: "الرحمن على العرش استوى"، وقوله: "... ثم استوى على العرش الرحمن فاسأل به خبيرا"، ويثبت أنه يدبر الأمر من السماء إلى الأرض "يدبر الأمر من السماء إلى الأرض في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون"، وأذكر أني استوقفته عند هذه الآية، فقلت له تأمل سياق الآيات في سورة السجدة، وشدة وضوحها على استواء الله – عز وجل -، ففتحت معه المصحف – لأني لم أكن أحفظها – وقرأتها عليه، يقول تعالى: "الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون، يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون".
فقلت له: تأمل هذه الآيات كيف هي صريحة في إثبات علو الله، واستوائه على عرشه، ففي أولها أثبت لنفسه الاستواء على العرش، ثم أخبر أنه يدبر الأمر من السماء إلى الأرض، ثم أخبر أن الأمر يرفع إليه، فإن كانت هذه الآية يجوز أن يسلط عليها التأويل فليست هناك آية لا يمكن أن تأول، وعلى هذا يعود القرآن كله مؤولا، وعليه فلا يستفاد الهدى منه، بل يتوقف استفادة الهدى من القرآن على أقوال الناس من المشايخ المتبوعين
ثم الله قد وصف قرآنه بأنه مبين، كما قال تعالى: "والكتاب المبين"، وقال: "ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر"، فالقرآن ميسر، والذي يقول: إن هذه الآيات على خلاف ظاهرها – مع أنها نص في علو الله، واستوائه – فهذا يزعم أن القرآن غير مبين.
واستطرادا هنا أقول: إن الشيخ أحمد الخليلي اشتد نكيره على عبد الرحيم الطحان لما قال: "لا قرآن بلا سنة"، مع أنه يقصد أن من أخذ القرآن وترك السنة فإنه يضل، وسياق كلامه كله في هذا المعنى، فأنكر الشيخ أحمد عليه، وساق في إنكاره عليه الآيتين التين ذكرت وأمثالها من الآيات التي تدل على أن القرآن فيه الهدى، وقوله حق لا مرية فيه
ولكن العجب أنه أيد قول الباحثة التي قدم لرسالتها الموسومة بـ "رؤية الله بين المثبتين والنافين" حيث تقول المؤلفة في (ص26):
"وقد يقول قائل: إنه إذا كان الله تعالى غير مستقر على العرش، وغير جسمه [هكذ ] فما معنى الآيات، والأحاديث التي جاءت في القرآن الكريم، وعلى لسان سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم – والتي ظاهرها يوهم ذلك؟
ولعل أبلغ رد على هذا السؤال أن نقول: إن المقصود من ذكر هذه الآيات والأحاديث هو الامتحان، والاختبار، هل يفهمها الناس على حقيقتها فيقعون في تشبيه الله بالحوادث فيضلون بذلك، أو يفهمونها بما يتفق مع النصوص الصريحة الدالة على أن الله منزه عن صفات الحوادث، وأنه ليس كمثله شيء، ومع دلالة العقل السليم على أن الله وهو القديم الباقي لو اتصف بالحادث يكون حادثا، لأن الحادث له أول، والقديم لا أول له ..." الخ كلامها.
وهذا يدل على أن الإباضية يرون أن أكثر آيات القرآن يدل ظاهرها على الضلال، لأنك لا تكاد تمر على آية من آيات القرآن إلا وفيها صفة من صفات الله، بل القرآن كله كلام الله، فإذا كان أكثر أو كثير من آيات القرآن يدل ظاهرها على الضلال فهل يجوز أن يوصف مع هذا بأنه مبين؟
ثم إن كنا نحتاج إلى تأويل تلكم الآيات الكثيرة فمن يؤلها لنا؟
لا شك أنهم المشايخ – أعني مشائخ الإباضية – وعلى هذا فلا يؤخذ الهدى من القرآن، إنما يؤخذ من المشائخ، فلم ينكر الخليلي إذا على من قال: "لا قرآن بلا سنة"، وهو أحسن حالا ممن يدل كلامه على أنه (لا قرآن بلا قول المشائخ)؟.
كل هذا استطراد، ولنرجع إلى صاحبنا
فإني لما سقت له الآيات التي تدل على العلو، لم يجد لها مدفعا، قال لي "أنا لا أسلم بهذا الكلام، ولا أقول: إن الله فوق السماء"
قلت له: فأين الله؟
قال: "في كل مكان"
وهو يظن أن هذه عقيدة الإباضية، وليست كذلك، بل عقيدتهم أن الله ليس داخل العالم ولا خارجه، ولكنه اعتقدها لأنه يظن أنها عقيدة الآباء، وليس معه في ذلك دليل، وهذا من العجب!! أن يتعصب الإنسان لشيء لا دليل عليه، وهذا حال أكثر الإباضية، بل أكثر البشر إنما يتعصبون لما ألفوه، ولما أخذوه من آبائهم، وإن لم يكن معهم دليل


يتبــــــــــــــــــــــــــــــع
__________________