عرض مشاركة مفردة
  #3  
قديم 28-11-2006, 07:12 AM
alaa_abes2 alaa_abes2 غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2006
المشاركات: 96
إفتراضي

صوفي القلب لا صوفي الطريقة


ورغم أنني لم أعرف عن الشيخ الغزالي أنه كتب الشعر، فإنه كان ذا نفس شاعرة، كان ذا قلب فياض؛ فلا بد للداعية أن يكون إنسانا ذا مشاعر، لا كتلة جامدة. ويعيب الغزالي على بعض الناس أنه ليس عندهم قلوب؛ فهم يعيشون في الألفاظ، ولكن لا قلوب لهم. هذه الصخور لا يمكن أن تصلح للدعوة للإسلام، إنما الدعوة للإسلام هي هذه العاطفة السمحة الحلوة، لذلك كان كل من عايش الشيخ الغزالي يحبه، حتى الذين يختلفون معه؛ فهو إنسان سمح لطيف المعشر سريع النكتة، ما تجلس معه إلا ويسمعك أكثر من نكتة، وأحيانا يستخدم النكت حتى في الدعوة، فلما سئل: هل الإنسان مسير أم مخير؟ قال لهم: “الإنسان في الغرب مخير، وأما في الشرق فهو مسير”. فأحيانا يحل المشكلة بنكتة.

ثم كانت له أداة ثالثة وهي الروحانية الدافقة، فكان الشيخ الغزالي صوفي القلب ولم يكن صوفي الطريقة، ولكنه كان يملك قلبا صوفيا كان يملك هذه الروحانية الدافقة، ومن عاشره أحس بهذه الروحانية، ومن قرأ له تأثر به، واعتقد فيه الإخلاص، فما سمعته إلا وتأثرت به لأنه كان يتكلم من قلبه، يعبر عما يجيش في نفسه، ليس زائفا ولا مزيفا ولا متكلفا، عاش لم يخلط إسلامه بشيء آخر، وقد شرح في كتابه “الجانب العاطفي من الإسلام” بعض حكم ابن عطاء الله السكندري شرحا عصريا بلغته الأدبية البيانية الرائعة.

وأذكر أنه كان بين الغزالي والأستاذ حسن الهضيبي شيء، ثم أصلحه وأثنى عليه ثناء كبيرا، وعندما علم أن الهضيبي أوصى بأن يدفن في مدافن الصدقة تأثر تأثرا بالغا، وكتب يقول: من أيامٍ مات الأستاذ حسن الهضيبي المرشد الثاني لجماعة الإخوان وبلغتني وصيته، لقد أوصى أن يدفن خفية، وأن يوارى جثمانه في مقابر الصدقة، وعقدت لساني دهشة وأنا أسمع العبارة الأخيرة “في مقابر الصدقة”.

فقلت: لم مقابر الصدقة؟ ولم يغب عني الجواب. لقد كان مستشارا راسخ المكانة رفيع الهامة لو اشتغل بمهاجمة الشريعة الإسلامية لنال جائزة الدولة التقديرية التي نالها غيره، ولو خدم الغزو الثقافي لعاش في بحبوحة موفور الراحة، ولكنه خدم الإسلام؛ فتجرع الصعاب والعلقم، طعن مع الدين الجريح، وأهين مع الدين المهان؛ فأراد أن تصحبه هذه المكانة في منقلبه إلى الله.

وعلق على موقف رجل قال له: أيها الشيخ أنا أذنبت وأريد أن أتوب؟ فيقول الغزالى: ومن يدري لعل هذا الشخص أقرب إلى الله مني، لعله بشعوره بما أذنب وشعوره بتفريطه في جنب الله يكون أقرب إلى الله منا، من يدري لعل أعمالنا هذه مغشوشة أو مدخولة!!

كان الشيخ الغزالي يملك روحانية دافقة؛ فكان يكثر قراءة قصيدة ابن الرومي في قيام الليل وعيناه تذرفان، هكذا كان الشيخ الغزالي أيها الإخوة، عاش داعية إلى الإسلام، مدافعا عن الإسلام، ومهاجما لأعداء الإسلام، وكتبه هكذا تقرؤها إما دفاع عن الإسلام وإما هجوم على أعداء الإسلام، هجم على اليهود في كتابه “حصاد الغرور”، هجم على المنصرين في كتابه “صيحة تحذير من دعاة التنصير”، بالإضافة إلى هجومه على الشيوعيين كما في كتابه “الإسلام في وجه الزحف الأحمر”، وهجومه على الحضارة الغربية كما في كتابه “ظلام من الغرب”، كانت كل كتبه هجوما أو دفاعا.. هذا هو الشيخ الغزالي.



جبهتا الجهاد


ولقد كتبت الأقدار على الشيخ أن يحارب في جبهتين واسعتين:

الأولى: جبهة الخصوم المتربصين بالإسلام، الكارهين لانتشار أنواره وعودته إلى قيادة الحياة، بعض هؤلاء من خارج الإسلام، من القوى العالمية التي تخافه أو تبغضه من اليهودية والصليبية والشيوعية والوثنية الذين اختلفت دياناتهم وطرائقهم، ولكن اتحدوا على ضرب الإسلام، وهم الذين قال الله فيهم: “وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ” [الأنفال: 73]، “وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ” [الجاثية: 19].

وبعض آخر للأسف الشديد من داخل أرض الإسلام، ومن أبناء المسلمين أنفسهم، وممن يحملون أسماء المسلمين: محمد وأحمد وحسن وحسين وعمر وعلي، ولكنهم لا يضمرون للإسلام إلا شرا ولا لدعاته إلا عداوة، ولا لشريعته إلا تنكرا؛ لأنه ضد شهواتهم المحرمة وضد مظالمهم المفترسة وضد مصالحهم الآثمة وضد مطامعهم الفاجرة.

والجبهة الأخرى: جبهة الأصدقاء الجهلة بالإسلام الذين يضرون الإسلام أبلغ الضرر من حيث يريدون أن ينفعوه؛ فيهشمون وجهه من حيث يظنون أنهم يدفعون ذبابة عنه، هؤلاء الذين سماهم الشيخ “الدعاة الفتانين” الذين يشغلون الناس بالفروع عن الأصول، وبالجزئيات عن الكليات، وبالمختلف فيه عن المتفق عليه، وبأعمال الجوارح عن أعمال القلوب.

إنه يشكو من دعاة لا يقرؤون ولا يعانون، مشدودين إلى جدليات الماضي السحيق، ولا يتطرقون لما جد حولنا ولا الطفرات الهائلة التي قفزت بها الحياة على أرضنا.

وإذا كان الجسم المصاب بفقر الدم يسقط في أول مراحل الطريق فالعقل المصاب بفقر المعرفة أعجز من أن يلاحق مطالب الجهاد أو يلبي حاجات الحق.

إنني لن أستطيع أن أوفي الشيخ الغزالي حقه في كلمات مهما كانت؛ فإننا أمام قائد كبير من قادة الفكر والتوجيه، وإمام من أئمة الفكر والدعوة والتجديد.. بل نحن أمام مدرسة متكاملة من مدارس الدعوة والفكر والإصلاح، لها طابعها وأسلوبها ولها مذاقها الخاص، وتحتاج إلى دراسات عديدة لإبراز خصائصها ومواقفها وآثارها؛ فليس الغزالي ملك نفسه ولا ملك جماعة أو حركة ولا ملك قطر أو شعب بل هو ملك الأمة الإسلامية جمعاء.

وأحب أن أقول: إن الشيخ الغزالي ليس معصوما وليس مبرأ من العيوب؛ فهو بشر، ولكن الشيخ الغزالي في مجموعه رجل عاش للإسلام، ومات من أجل الإسلام، وبقي في المعركة إلى آخر لحظة.. مات والسيف في يده.

فإذا كان للشيخ الغزالي عند بعض الناس أخطاء؛ فهذه لا تنقص منه، وكما جاء في الحديث: “إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث”.. فكيف إذا كان بحرا لا تكدره الدلاء!!

صحيح أنه سريع الغضب، وأنه إذا غضب هاج كالبحر حتى يغرق، وثار كالبركان حتى يحرق، وهذا ما لا يجحده الشيخ الغزالي وما يعلمه من نفسه، وسر هذا أن الرجل يبغض الظلم والهوان لنفسه وللناس، ولا يحب أن يَظلم أو يُظلم، ولا أن يستخف بكرامة أحد، كما لا يستخف بكرامته أحد، كما أنه لا يطيق العوج ولا الانحراف.

كما أن الشيخ لا يفجر في خصومته، ولا يفتري على خصمه أو يتمنى له السوء أو يشمت به إذا نزل به بلاء. ثم إن من صفات الشيخ الغزالي أنه إن كان سريع الغضب فهو سريع الفيء، رجاع إلى الحق إذا تبين له، ولا يبالي أن يعلن خطأه على الناس علانية، وهذه شجاعة لا تتوافر إلا للقليل.

رحم الله الشيخ الغزالي في الصالحين من عباده، وجزاه خير ما يجزي الأئمة العالمين العاملين الهداة المهتدين، وأسأل الله تعالى أن يجعلنا وراءه سائرين على الدرب متمسكين بالحق مقاومين للباطل، دعاة إلى الله على بصيرة “وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ”.

شيخنا الحبيب، لقد فقدتك الأمة وهي أحوج ما تكون إليك، فقدتك والمعركة بين الإسلام وأعدائه حامية الوطيس، والأعداء قد جاءوا من فوقها ومن أسفلها، كنا في حاجة إلى قلمك السيف؛ ليصول ويجول مدافعًا عن الحق في مواجهة الباطل، عن الإيمان في مواجهة الكفر، عن الإسلام المحاصر من الصهيونية والصليبية.