عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 28-11-2006, 04:00 PM
نواس2006 نواس2006 غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2006
المشاركات: 123
إفتراضي

وقال في موضع آخر مِن (مجموع الفتاوى) (3/72) عن توحيد الربوبيّة:
(ولا يصير الرجل بمجرّد هذا التوحيد مسلماً، فضلاً عن أن يكون وليّاً لله، أو مِن سادات الأولياء).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً في (درء تعارض العقل والنقل) (1/225ـ226):
(وليس المراد بالتوحيد مجرّد توحيد الربوبيّة، وهو اعتقاد أنّ الله وحده خلق العالم، كما يظنّ ذلك مَن يظنّه مِن أهل الكلام والتصوّف، ويظنّ هؤلاء أنّهم إذا أثبتوا ذلك بالدليل فقد أثبتوا غاية التوحيد، ويظنّ هؤلاء أنّهم إذا شهدوا هذا وفَنوا فيه فقد فَنوا في غاية التوحيد...) إلى أن قال رحمه الله: (وذلك أنّ الرجل لو أقرّ بما يستحقّه الربّ تعالى مِن الصفات، ونزّهه عن كلّ ما يُنزّه عنه، وأقرّ بأنّه وحده خالق كلّ شيء، لم يكن مُوَحِّداً، بل ولا مؤمناً حتّى يشهد أن لا إله إلا الله، فيقرّ بأنّ الله وحده هو الإله المستحقّ للعبادة، ويلتزم بعبادة الله وحده لا شريك له) انتهى.
<br><br>
وقال الإمام محمّد بن عبد الوهّاب رحمه الله في (ألدرر السنيّة) (1/47) عن توحيد الربوبيّة: (وهذا حق لا بدّ منه، لكن لا يدخل الرجل في الإسلام، بل أكفر الناس مقرّون به، قال الله تعالى (قل مَن يرزقكم مِن السماء والأرض أمّن يملك السمع والأبصار ومَن يخرج الحيَّ مِن الميّت ويخرج الميّت مِن الحيّ ومَن يدبّر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون) [يونس:31]، وأنّ الذي يدخل الرجل في الإسلام هو (توحيد الإلهيّة) وهو أن لا يُعبد إلا الله، لا ملكاً مقرّباً ولا نبيّاً مرسلاً) انتهى.
<br><br>
فتوحيد الربوبيّة لا يكفي العبد في حصول الإسلام، بل لا بدّ أن يأتي مع ذلك بلازمه مِن توحيد الإلهيّة، لأنّ مشركي العرب كانوا يشهدون بهذا التوحيد لله وحده، وكانوا مع هذا مشركين، يشركون في عبادة الله تعالى، فما نفعتهم شهادتهم بشيء.
<br><br>
[b][font=Simplified Arabic]قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في (مجموع الفتاوى) (14/212ـ213):
(أما توحيد الربوبيّة فقد أقرّ به المشركون، وكانوا يعبدون مع الله غيره، ويحبّونهم كما يحبّونه، فكان ذلك التوحيد الذي هو توحيد الربوبيّة حجّة عليهم.فإذا كان الله هو ربّ كلّ شيء ومليكه، ولا خالق ولا رازق إلا هو، فلماذا يعبدون غيره معه، وليس له عليهم خلق ولا رزق، ولا بيده لهم منع ولا عطاء، بل هو عبد مثلهم لا يملك لنفسه ضرّاً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً).
<br><br>
شهادة المشركين بتوحيد الربوبيّة لله تعالى
<br><br>
والدليلُ على أنّ المشركين كانوا يشهدون بتوحيد الربوبيّة قولُه تعالى (قل مَن يرزقكم مِن السماء والأرض أمّن يملك السمع والأبصار ومَن يخرج الحيَّ مِن الميّت ويخرج الميّت مِن الحيّ ومَن يدبّر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون) [يونس:31].
وقال تعالى (ولَئن سألتهم مَن خلقهم ليَقولُنَّ الله فأنّى يُؤفكون) [ألزخرف: 87].أي: فأين يُصرفون عن شهادة أن لا إله إلا الله، وعن عبادته وحده، وهم يشهدون أنّه لا ربّ غيره، ولا خالق سواه.
<br><br>
وقال تعالى ( ولَئن سألتهم مَن خلق السموات والأرض وسخّر الشمس والقمر لَيقولُنَّ الله فأنّى يُؤفَكون الله يبسط الرزق لِمَن يشاء مِن عباده ويَقدِر له إنّ الله بكلّ شيءٍ عليم ولَئن سألتهم مَن نزّل مِن السماء ماءً فأحيا به الأرض مِن بعد موتها ليَقولُنَّ الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون) [ألعنكبوت:61ـ63].
<br><br>
وقال تعالى (قل لِمَن الأرض ومَن فيها إنْ كنتم تعلمون سيقولون لله قل أفلا تَذَكّرون) [ألمؤمنون: 84ـ85].
أي: فتعلمون أنّه إذا كان هو وحده مالك الأرض ومَن فيها، وخالقهم وربّهم ومليكهم، فهو وحده إلههم ومعبودهم.فكما لا ربّ لهم غيره، فهكذا لا إله لهم سواه.
(قل مَن ربّ السموات السبع وربّ العرش العظيم سيقولون لله قل أفلا تتّقون قل مَن بيده مَلَكوت كلّ شيءٍ وهو يُجير ولا يُجار عليه إنْ كنتم تعلمون سيقولون لله قل فأنّى تُسْحَرون) [ألمؤمنون: 86ـ89].
<br><br>
فالمشركون كانوا يُسَلّمون في توحيد الربوبيّة ولا ينازعون فيه، فبيّن لهم سبحانه أنّكم إذا كنتم تعلمون أنّه لا خالق إلا الله وحده، وأنّه هو وحده الذي يأتي العباد بما ينفعهم، ويدفع عنهم ما يضرّهم، لا شريك له في ذلك، فَلِمَ تعبدون غيره وتجعلون معه آلهةً أخرى ؟ فاحتجّ عليهم بشهادتهم، فتوحيد الربوبيّة مستلزمٌ أن لا يُعبد إلا الله، كقوله تعالى (قل الحمد لله وسلامٌ على عباده الذين اصطفى أآلله خيرٌ أمّا يشركون أمّن خلق السموات والأرض وأنزل لكم مِن السماء ماءً فأنبتنا به حدائق ذات بَهْجة ما كان لكم أنْ تُنْبتوا شجرها أإلهٌ مع الله بل هم قومٌ يعدلون) [ألنمل: 59ـ60].والآيات بعدها، منها قوله تعالى (أمّن يجيب المضطرّ إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإلهٌ مع الله قليلاً ما تَذَكّرون) [ألنمل: 62]، يقول الله تعالى في آخر كلّ آية: (أإلهٌ مع الله) أي: أإلهٌ مع الله فعل هذا ؟ وهذا استفهام إنكار يتضمّن نفي ذلك، وهم كانوا مقرّين بأنّه لم يفعل ذلك غير الله، فلا بدّ مِن الجواب بلا.
<br><br>
فاحتجّ عليهم سبحانه في هذه الآيات بأنّ مَن فعل لهم هذا وحده فهو الإله لهم وحده.فكيف تجعلون معه إلهاً آخر لا يخلق شيئاً وهو عاجز ؟ وكيف تعبدون آلهةً أخرى سواه مع أنّكم تقولون أنّه ليس معه إلهٌ آخر فعل مثل فعله،فعُلِمَ أنّ إلهيّة ما سواه باطلة، كما أنّ ربوبيّة ما سواه باطلة بإقراركم وشهادتكم.
<br><br>
فقد تبيّن أنّ المشركين كانوا يعلمون أنّ جميع ذلك لله وحده ولم يكونوا بذلك مسلمين، بل قال الله تعالى عنهم (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) [يوسف: 106].
<br><br>
قال طائفة مِن السلف: تسألهم مَن خلق السموات والأرض ؟ فيقولون: الله.وهم مع هذا يعبدون غيره.
وقال مجاهد في الآية: إيمانهم بالله قولهم: إنّ الله خلقنا ويرزقنا ويميتنا، فهذا إيمان، مع شرك: عبادتهم غيره.رواه ابن جرير وابن أبي حاتم.وهو معنى قول ابن عبّاس وعطاء وعكرمة والشعبي وقتادة والضحّاك وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم كما في تفسير الإمام ابن كثير رحمه الله (2/475).
<br><br>
فالمشركون كانوا يؤمنون بربوبيّة الله وحده، ويشركون في عبادته، فكانوا كافرين بسبب إشراكهم في ألوهيّة الله تعالى وعبادتهم مع الله غيره، وهذا الذي أوجب سفك دمائهم وسبي نسائهم وإباحة أموالهم، مع أنّهم كانوا يشهدون بتوحيد الربوبيّة، فما نفعتهم شهادتهم شيئاً، ولا أدخلتهم في الإسلام، ولا أوجبت الكَفَّ عن قتالهم وتكفيرهم.
<br><br>