ثانياً : نسأل كل من يرجو لقاء الله والدار الآخرة :
لو أن مسألة التترس خالفت نصاً في كتاب الله ، فهل تُقدَّم المسألة الافتراضية، أم الآية المحكمة ؟ يقول الله تعالى : هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاء مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَؤُوهُمْ فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَاء لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا "[ الفتح :25 ]. ارجعوا إلى كتب التفاسير، ماذا قالوا فيها. رغم أن تفسيرها يظهر للعربي سليم الفطرة والفهم. قال العلامة السعدي رحمه الله في تفسيره : " ذكر الله تعالى أمورا مهيجة على قتال المشركين في مكة، وهي كفرهم بالله ورسوله ، وصدهم رسول الله ومن معه من المؤمنين ، أن يأتوا للبيت الحرام ، زائرين ومعظمين له بالحج والعمرة ، وهم الذين صدوا الهدي إلى أن يصل إلى محل ذبحه وهو مكة " ثم قال : " وكل هذه أمور موجبة وداعية إلى قتالهم ، ولكن ثَمَّ مانع وهو: وجود رجال ونساء من أهل الإيمان بين أظهر المشركين ، وليسوا متميزين بمكان يمكن أن ينالهم أذى".نهاية كلام ابن السعدي
لولا هؤلاء الرجال المؤمنون، والنساء المؤمنات أن يصيبهم الأذى والمكروه لأذن بقتال المشركين في مكة ". ثم ربط الله نزول العذاب على أهل مكة، بمفارقة هؤلاء أهل الإيمان، " لو تزيلوا " أي: لو فارقوا. يا أهل الإيمان والقرآن ؛ اللهُ تعالى يؤخر فتح مكة سنين عديدة ، خشية أن يُصاب هؤلاء المؤمنون بأذى ، وهؤلاء يسفكون دماء الأمة ، ويقتلون عشرات المسلمين ، للوصول إلى ثلاثة أو أربعة أفراد من جنسية معينة .؟ ومن العجائب أن صاحب المهذب رحمه الله قال وإن تترسوا [ أي الكفار من أهل الحرب] بأهل ذمة أو بمن بيننا وبينهم أمان كان الحكم فيهم كالحكم إذا تترسوا بالمسلمين لأنه يحرم قتلهم كما يحرم قتل المسلمين ). وقد قيد أهل العلم مسألة الترس بحالة الضرورة واختلفوا في حد الضرورة على أقوال منها : أن يحيط العدو ببلاد المسلمين- أحكام القرآن للجصاص- أو أن يكون المسلمون في حالة التحام مع العدو في القتال- المهذب للشيرازي- أو أن يترتب على عدم القتال ما يخشى منه على المسلمين من استئصالهم أو هزيمة تصيبهم أو كثرة قتلاهم أو أي ضرر يلحق بهم- فتح القدير- حاشية الدسوقي على الشرح الكبير- المغنى لابن قدامه- الأحكام السلطانية للما وردي- السيل الجرار للشوكاني. يا أهل الغيرة على الإسلام ، هل هذه القيود العظيمة التي وضعها أهل العلم تنطبق على حوادث المجمعات السكنية بالرياض والخبر ، بل من أعجب العجاب وقدرة الملك الغلاب ، أن هؤلاء قاموا غيرة على دماء المسلمين التي تسفك ، لكن هذه الفزعة حصدت أرواح المئات من أهل القبلة ، والواقع يصدق هذه المقولة ، إذا أحصى العاقل أعداد القتلى من الجنسية المقصودة ، وعدد من قتل من المسلمين في هذه الأحداث ؛ لوجد أن الذين سفكت دماؤهم من أهل القبلة عشرات أضعاف الفئة المستهدفة . والسؤال الذي يفرض نفسه : هل قتل ثمانية ، أو تسعة من جنسية معينه ، يُسوِّغُ لهؤلاء سفك عشرات من أهل القبلة ؟ اللهم لا ..
قال تعالى فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور [الحج: 46]
|