الشبهة الثانية :
من شبه القوم أن هؤلاء ليسوا بأهل ذمة ؛ وأن أهل الذمة هم الذين يدفعون الجزية . سبحان الله وصاحب هذا القول جاهل ولايعلم أنه جاهل لأنه لا يفرق بن الذمي والمعاهد فالذمي الذي يعيش في بلاد المسلمين أو إن بلاده فتحت من قبل المسلمين والمعاهد هو الذي يدخل بلاد المسلمين بعهد وأمان ويدخل في هولاء التجار ومن بربد ان يسمع كلام الله أو الرسل فمن أعطي الأمان من فبل أي فرد من أفراد المسلمين فقد عصم دمه وحديث أم هانئ رضي الله عنها شوكة في حلق المستدل بهذه الشبهة فرغم إهدار رسول الله لدم أبي هبيرة لكنه أمضى جوار الصحابية رضي الله عنها ولم يشترط دفع الجزية من عدمها حتى يمضي الجوار.فكيف إذا كان المجير السلطان الأعظم ؟! يحسن بنا في هذا المقام نقل كلام عظيم لأهل العلم في وجوب مراعاة الأزمنة والأمكنة وأحوال الناس عند تنزيل كلام أهل العلم فيتبين خطاء أولئك قال ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين : ( ومن أفتى الناس بمجرد المنقول في الكتب على اختلاف عرفهم وعوائدهم وأزمنتهم وأمكنتهم وأحوالهم فقد ضل وأضل ،وكانت جنايته على الدين أعظم من جناية من طبب الناس كلهم على اختلاف بلادهم وعوائدهم وأزمنتهم وطبائعهم بما في كتاب من كتب الطب على أبدانهم ،بل هذا الطبيب الجاهل وهذا المفتي الجاهل أضر ما على أديان الناس وأبدانهم والله المستعان ). وقال الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن آل الشيخ ( الدرر 8/65 ): ( والقصد من التشريع والأوامر : تحصل المصالح ودرء المفاسد حسب الإمكان وقد لا يمكن إلا مع ارتكاب أخف الضررين ،أو تفويت أدنى المصلحتين ،واعتبار الأشخاص والأزمان والأحوال أصل كبير فمن أهمله وضيعه ،فجنايته على الشرع وعلى الناس أعظم جناية).
وأضرب مثالاً يتضح به ما ذكرته
وهو أن و أهل العلم قد ذكروا لصحة عقد الذمة شرطين ألا وهما دفع الجزية والتزام أحكام الإسلام ، فيأتي بعض هؤلاء في عصر الضعف فينظر في أحوال كثير من المستوطنين لبلاد الإسلام من الكفار فيرى تخلف أحد الشرطين فيحكم بانقضاض عهد الذمة ،ثم يدعو إلى قتلهم واستباحتهم ،معرضاً عن تغير الحال – وهذا النوع من الفكر هو منزلق كثير من هؤلاء الذي يتطور عندهم فكر التكفير ويتدرج شيئاً فشيئاً وأهل العلم قد بينوا بأن هذه الشروط مقيدة بالقدرة عليها. يقول ابن القيم رحمه الله في أحكام أهل الذمة : ( وعلى هذا فإذا قويت شوكة قوم من أهل الذمة ،وتعذر إلزامهم بأحكام الإسلام أقررناهم وماهم عليه ،فاذا ا ذلوا وضعف أمرهم ألزمناهم بذلك ،فهذا له مساغ ). وعلى هذه المسألة تقاس كثير من الأمور.ومن أمثله ذلك إلزام الأمه بالجهاد في زمن الضعف والذي يترتب زياده هلاك للامه قال العز بن عبدالسلام رحمه الله في قواعد الأحكام في فصل اجتماع المصالح والمفاسد ( المثال الأربعون ) : ( التولي يوم الزحف مفسدة كبيرة لكنه جاز إذا علم أنه يقتل من غير نكاية في الكفار ،لأن التعرير بالنفوس إنما جاز لما فيه من مصلحة إعزاز الدين بالنكاية في المشركين ،فإذا لم تحل النكاية وجب الإنهزام لما في الثبوت من فوات النفوس مع شفاء صدور الكفار وإرغام أهل الإسلام وقد صار الثبوت ههنا مفسدة محضة ليس في طيها مصلحة والنبي وهو أشجع الخلق وفي معزكه الخندق كاد عليه الصلاة والسلام ان يصالح غطفان على ثلث ثمار المدينة لما رأى تكالب اعداء الله
|