عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 09-12-2006, 09:19 PM
أبو صهيب الرومي أبو صهيب الرومي غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: May 2006
المشاركات: 9
Thumbs up القرود الستة و أوضاعنا السياسية

ولئن استمر بنا هذا الحال ، فستأتي دولة أخرى تطمس فيها كل معالم الدين ، باسم الدين ، وتقوم فيها البدع مقام السنن باسم اتباع السنة ، وتقوم شهوات النفس مقام العقل ، ودواعي الهوى مقام الرشد ، والضلال مقام الهدى ، والمنكر مقام المعروف ، والجهل مقام العلم ، والرياء مقام الإخلاص ، والباطل مقام الحق ، والكذب مقام الصدق ، والمداهنة مقام النصيحة ، والظلم مقام العدل .

فتصير الدولة والغلبة لهذه الأمور وأهلها هم المشار إليهم ، فتقشعر الأرض وتظلم السماء ، وينتشر الفساد في البر والبحر من ظلم الفجرة ، وتذهب البركات وتقل الخيرات ، وتتكدر الحياة من فسق الظلمة ، ويبكي ضوء النهار وظلمة الليل من الأعمال الخبيثة والأفعال الفظيعة ، ويشتكي الكرام الكاتبون ، والمعقبات إلى ربهم من كثرة الفواحش ، وغلبة المنكرات والقبايح ، وهذا والله منذر بسيل عذاب قد انعقد غمامه ، ومؤذن بليل بلاء قد ادلهمّ ظلامه ، فاعزلوا عن طريق هذا السبيل بتوبة نصوح ، ما دامت التوبة ممكنة وبابها مفتوح ، وكأنكم بالباب وقد أغلق وبالرهن ، وقد غلق وبالجناح وقد علق ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون. [1].

والمطلوب اليوم :
جهادٌ عام يعيد تصحيح الأوضاع جذريا في هدى الشريعة المنزلة ، لا شريعة الزعماء المبدلة ، ولا العواطف والأهواء المرسلة .

فيقوم العلماء بدورهم بإعادة صياغة سلطة الدولة لتكون آلة لحفظ الشريعة ، وجهاد الأعداء بها ، كما هو أصل مشروعيتها في الإسلام ، فالدولة في هذا الدين لاقيمة لها ، إن لم يُقم بها الدين القويم ، والقائم عليها لاوزن له ، إن عدل بها عن هذا الأًصل العظيم إقامة الدين ، وجهاد الأعداء به وعلى أساسه وحولها إلى وسيلة لشهواته التي يهدم بها الدين ، ويضعها تحت تصرف الكافرين ، بل هو العدو نفسه ، بل هو أخطر من كل الأعداء.

ويجب أن تُنزع سلطة الحل والعقد من أن تكون بيد الاستبداد ، فتوضع في يد الأمّة يتقدمها أولو الأيدي والأبصار ، من أهل العلم والجهاد الأخيار ، وتُنزع سلطة القضاء فتستقل استقلالا تماما ، ويُجعل من يتولَّى السلطة في إطار يأطره على الحق أطرا ، ويُصاغ نظام الدولة صياغة ملزمة تمنع من يتولى السلطة أن يمكنه بحال من الأحوال ، الانحراف بالدولة عن هدفها الأسمى وسر وجودها ، وسبب مشروعيتها في دين الإسلام ، وهو إقامة الدين ، وتولي أمر كل المسلمين ، وجهاد الكافرين .

وهذه النهضة لن تنجح إلا إذا تيقن القائمون :

أن أوضاع الأمة لن تصلح في ظل هذه الأنظمة لأنها بلا ريب أداة بيد الأعداء يهدمون بها الأمّة ، ويسخّرون حتى بعض علماء الشريعة ، ليخدّروا الشعوب باتباع المتشابه وتحريف نصوص الشريعة ، لتطويع الشعوب لعلوّ مناهج الكفر والكافرين باسم الدين .

وأن أكثر ما يُسمّى بالقضايا السياسية قد غدت اليوم تناقض أصل التوحيد ، والولاء والبراء ، ووجوب جهاد الأعداء .

ومن ذلك الرضوخ لسلطة الكافرين تحت شعار القانون الدولي ، وميثاق الأمم المتحدة ، وتمكين الكفّار من صياغة دساتير الدول المسلمة ، وحقوق الإنسان المشتملة على السماح بالإلحاد والكفر ، والفحش والفحشاء ، والحرية الداعية إلى إقصاء الشريعة ، فكل هذه الاصطلاحات السياسية المعاصرة ، لها علاقة مباشرة بعقيدة التوحيد من أساسها ، وفي جعل أمرها بيد من يتولى السلطة ، يحكم فيها بهواه ، وينقاد لهيمنة الكافر إن أعطاه ما اشتهاه ، إعانة على هدم الدين ، والسكوت عن هذا الكفر المستبين ، بحجة ترك ولي الأمر يحكم في الأمور السياسية بما تقتضيه المصلحة ، يعني الاشتراك معه في هذه الجريمة ، فكيف بإضفاء الشرعية على أفعاله باسم الدين ؟!!

وأن من أعظم الصد عن سبيل الله ، وابتغاءها عوجا ، أن يرى عامة المسلمين كفر الزعماء ونفاقهم وموالاتهم أعداء الأمّة ، وظلمهم للعباد ، وتمكينهم الكفار في البلاد ، محميا من رجال الشريعة ، قد ألبسوه لباس الحق والعدل ، كما فعل رجال الكنيسة في أوربا مع الملوك والاقطاعيين ، حتى صاح الثائرون اشنقوا آخر ملك إقطاعي بإمعاء آخر قسيس !!

فالواجب أن ينحاز العلماء نائين بشريعة الله تعالى الآمرة بالعدل ، المحرمة للظلم ، الجامعة لكل صلاح وخير وفلاح ، ينحازون متبرئين من الاستبداد وأهله ، مظهرين النذير ، جاهرين بالنكير .

وأن الأمّة اليوم أحوج ما تكون إلى تمييز الحد الفاصل بين الإيمان والكفر ، وبين التوحيد والشرك ، وبين الحق والباطل ، وبين أولياءه وأعداءها ، فهذه أعظم مهمة للعلماء ، وإلى بيان الحق بيانا لالبس فيه فهذا أوّل واجب على ورثة الأنبياء ، وأن الحكمة هي في أن يقوم العالم اليوم هذا المقام .

وأن التغيير في الأمّة لم يكن قط إلا بتضحيات من رجال ، تقتحم الطريق اقتحام الأبطال ، وهم في بادئ الأمر قلّة ، غير أنهم يوزنون برسالة الحق الذي يحملونه ، وإنكارهم ذواتهم في سبيل تحقيقها ، ومواقف الصدق التي يجتازون فيها الامتحان ، لا بعددهم ، ولا بفصاحة ألسنتهم ، وتقعّرهم في الخطاب والبيان .

وأن التغيير الجاد يبدأ بالكف عن إملاء حقوق الزعماء على الشعوب !! كيف وقد انتزعوا كل حق لهم في رقبة شعوبهم ، بخلعهم شريعة الله تعالى من رقابهم .

وينطلق بتوعية الأمّة بما لها من حقوق ، وأنها يجب أن تنهض بحقها فتنتزعه انتزاعا ، وأعظم حقوقها هو انتصار شريعتها ، وجهاد أعداءها ، وحماية مقدساتها ، وأن يحكم فيها بالعدل ، ويُحمى حق كل مسلم في الأرض في إمامة عادلة يؤمر فيها بالمعروف وينهى فيها عن المنكر وتعز فيها الشريعة ، وينصب لواء الجهاد .

ولا تنتظر حتى يتصدق عليها الزعماء بحقوقها ، فإنهم لم يفعلوا ، ولن يفعلوا ، لأنهم دُمى أقيمت بدور مرسوم لها ، ستؤديه إلى أن تنهي صلاحيتها ، ثم يستبدل غيرها بها ، فمن يستجدي منها حقا ، كمن يستجدي من أعداءه في الحرب نصرا !

فإلى متى لاينحاز العلماء إلى أمتهم ، ويتقدمونها مطالبين بحقوقها المسلوبة ، ويعلنونها مدوية في وجه الطغاة المستبدين ، "امتازوا اليوم أيها المجرمون " ؟!

الكاتب:حامد بن عبد الله العلي

[16-11-2003]

________________________________________
(1) بعض هذا العبارات القيمة مقتبسة من كلام ابن القيم في الفوائد.