الموضوع: صدام الحضارات
عرض مشاركة مفردة
  #8  
قديم 12-12-2006, 04:47 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

ثالثا: خطوط التقسيم بين الحضارات

أخذت خطوط الانقسام بين الحضارات تحل محل الحدود السياسية والأيديولوجية للحرب الباردة باعتبارها نقاط تفجر الأزمات والمذابح. فقد بدأت الحرب الباردة عندما قسم الستار الحديدي أوروبا سياسيا وأيديولوجيا. وانتهت الحرب الباردة بانهدام الستار الحديدي الفاصل في برلين، ليحل محله ستار (مخملي) ثقافي حضاري ليفصل بين المسيحية الغربية والإسلام ويفصل بين المسيحية الغربية والمسيحية الأرثوذوكسية (كما أشار ويليام ولاس).

فصنعت حدود ثقافية حضارية بين فنلندا وروسيا، ويمتد عبر روسيا البيضاء وأوكرانيا فاصلا غرب أوكرانيا الكاثوليكية عن شرقها الأرثوذوكسي متأرجحا للغرب ليفصل (ترانسلفانيا) عن باقي رومانيا ثم يمتد كمقص الخياط ليمزق يوغسلافيا ضمن نفس المعيار..

إن النزاع بين الحضارتين الغربية والإسلامية مستمر منذ1300سنة، فبعد صعود الإسلام انتهى اكتساح العرب للغرب عام 732م في معركة بلاط الشهداء، وقد حاول الصليبيون اكتساح المشرق العربي الإسلامي والسيطرة على الأراضي المقدس بحروب استمرت قرنين من الزمان، من القرن الحادي عشر الى القرن الثالث عشر. وبين القرن الرابع عشر والسابع عشر، قلب العثمانيون (المسلمون) الموازين عندما سيطروا على البلقان والشرق الأوسط وأخذوا عاصمة الإمبراطورية البيزنطية (استانبول) وحاصروا فينا مرتين. وبعد انهيار وضعف الإمبراطورية العثمانية في أوائل القرن التاسع عشر، عاود الأوروبيون السيطرة على شمال إفريقيا والشرق الأوسط.

وبعد الحرب العالمية الثانية تراجعت القبضة الأوروبية عن الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لتظهر دورة جديدة ابتدأت بظهور القوى القومية العربية، ثم تلتها وتحاذت معها أو حلت أو ستحل محلها قوى إسلامية، فظهرت جولات عنيفة من الصراع بين الحضارتين بتعبير يختلف من مرة لأخرى.

لقد كان لتحرك الغرب للدفاع عن مصالحه في حرب الكويت الأثر الكبير في فرز خطوط التوثب الجديدة في منطقة الشرق الأوسط. فبين مدافع عن الغرب وتصرفه وهو في الحقيقة يعبر عن أساه فيما لو سيطر (صدام حسين) على منطقة الخليج، وبين مفتخر بأن صواريخ صدام حسين قد دكت مواقع العدو في تل أبيب، وهذا الفرز سيكون لصالح القوى الثانية التي استاءت من وجود قوات الغرب في أراضي المسلمين بحجج ضعيفة.

وسيكون الصراع المقبل أكثر ضراوة ( لقد كتب هانتنغتون مقالته عام 1993) حيث سيجد الغرب حججه المطالبة بالديمقراطية، تقف ضده، كمن يطلب صعود عدوه للحكم، حيث ستفوز القوى الإسلامية والمعادية للغرب في أي انتخابات حقيقية.

كما أن إفقار المناطق الإسلامية من خلال التضييق عليها في تحقيق تنمية فعالة، قد دفع موجات من المهاجرين الإسلاميين الى الغرب، الأمر الذي خلق هواجس من الشعور بالقلق لتدفق موجات تتكاثر بمعدلات تفوق تكاثر الغربيين.

كما أن الإسلاميين قد وجدوا لأنفسهم جبهات مختلفة مع الوثنيين في جنوب السودان وبعض مناطق إفريقيا، ومع الأرثوذكس في خطوط تماس الشيشان وروسيا، وبعض مناطق يوغسلافيا، ومع الهندوس في الهند ..

بالجانب الآخر فإن حضارات أخرى قد تجاوزت حدود الدولة لتقف على خطوط الدفاع والصدام الحضاري، كما يحدث بصمت بين الصين والغرب، والصين واليابان، واليابان وأمريكا ..

إن الصراع الذي يتم توظيف كل الوسائل الاقتصادية والإعلامية، واستخدام مصطلحات فضفاضة للهجوم بين الحضارات كالانتقاص من تطبيق حقوق الإنسان، واستخدام المنظمات الدولية في تسليط الأضواء للنيل من تلك الحضارة التي تمثلها دولة أو دول، لا بد له أحيانا أن يتخطى تلك الوسائل ليصل الى الصدام المسلح العنيف .. وستكون مناطق الشرق الأوسط من أسخن مناطق العالم لتطبيق كل أساليب الصراع، حيث ستشهد فلسطين والعراق وشرق المتوسط بشكل عام جولات متعاقبة من التعبير عن هذا الصراع .

يتبع
__________________
ابن حوران