عرض مشاركة مفردة
  #3  
قديم 21-12-2006, 12:59 AM
المصابر المصابر غير متصل
كاتب مغوار
 
تاريخ التّسجيل: Mar 2006
الإقامة: أرض الله
المشاركات: 3,304
إرسال رسالة عبر ICQ إلى المصابر إرسال رسالة عبر MSN إلى المصابر إرسال رسالة عبر بريد الياهو إلى المصابر
إفتراضي


إقتباس:
وكذلك قصر مفهوم "جماعة المسلمين" على تجمُّعٍ بعينه، هو خطأٌ وزعمٌ لا دليل عليه؛ فجماعة المسلمين –كما ذكرت آنفا- هي السواد الأعظم من أمَّة الإسلام، وهذه التجمُّعات أيًّا كان شكلها ليست الأمَّة ولا هي سوادها الأعظم، بل اتحادات لنصرة الدين بوسيلة محددة أو أدوات معينة؛ فمن أين أتى الزعم بأنهم هم الجماعة، وغيرهم ضال؟!

وتبرز خطورة هذا الفهم القاصر حين تكرَّس الخصومة بين فصائل العمل الإسلاميّ، ويصبح التكفير قُرْبةً إلى الله تعالى، فكلٌّ منهم يتقرَّب إلى الله بإخراج الآخر من الملَّة، ويتعبَّد لله بقطع ما بينه وبين أخيه، وتزداد الفتنة عندما تنتقل هذه الخصومة إلى دائرة المنابر العامَّة، ويندلع لهيبها في أوساط الأمَّة، وأدنى ما يمكن أن يترتَّب على ذلك هو الزهد في العمل الإسلاميِّ كلِّه الذي يفقد احترامه بسبب هذه المهاترات، ويبدو في صورة الفِرَق المتناحرة والشِّيع المتلاعنة، وبدلاً من أن توجَّه هذه الجهود وهذه الطاقات إلى دعوة العالَمين إلى الله تعالى، تُحوَّل إلى التكفير والتفسيق بل والضرب والقتل في أحايين كثيرة!.
هذه الجماعات أو التجمُّعات ليست أيٌّ منها هي جماعة المسلمين؛ ولهذا فإنَّها ليست نهاية المطاف، ولا يمثِّل أحدها على انفرادٍ جماعة المسلمين، ولا كلُّها مجتمعة، وبالتالي فليس هناك من زعمٍ في اعتبار هذه أو تلك هي الأصل وغيرها ليس كذلك، وليست هناك من مشكلة في وجود جماعةٍ واثنتين وثلاث تتعاون على البر والتقوى، طالما لم يتعدَّ الأمر كونها مجرَّد وسائل للنهوض بجماعة المسلمين، لا أكثر من ذلك ولا أقلّ.
علماً بأنَّ هذه التجمُّعات الموجودة قد نشأت لمواجهة تحدِّياتٍ معيَّنةٍ واجهت الأمَّة في القرن العشرين، وإطلالةٌ سريعةٌ على أسباب تكوين هذه التجمُّعات تُنبئ بذلك، وإذا كان الأمر كذلك، فإنَّ هذه التجمُّعات تصبح تكامليَّة لا تصادميَّة؛ بمعنى أنَّها كلَّها في صفٍّ واحد، وكلَّ واحدةٍ تقف في مواجهة تحدٍّ مختلفٍ عمَّا تواجهه الأخرى؛ فيكون الجمع هو الصحيح لا المواجهة، والأولويَّات قد تتغيَّر وتتبدَّل حسب الاحتياجات والتحدِّيات.
إذا كان الأمر كذلك؛ يصبح تحديد الانتماء لهيئة مرتبطاً بقدرة الفرد على تقديم أقصى جهدٍ في هذا السياق، بعيداً عن الأسماء والمسمَّيات والأشخاص والهيئات؛ فمن كان أداؤه الأَوفى والأعلى حين يعمل منفرداً فليعمل، ومن كان يعطي كلَّ طاقته حين ينتمي لجماعات إسلاميَّةٍ فلينتمِ، ومن كان يجد نفسه وطاقته من خلال جمعيَّات المجتمع ومؤسَّساته فليسارع إلى الاشتراك فيها دون إنكارٍ من أحدٍ على أحد، ولا لوم أحدٍ لأحد.

فعلامَ الخلاف والنزاع واللوم والتلاوم؟؟!

وما المانع أن يكون المسلم عضواً في جمعيَّةٍ وجماعةٍ في آنٍ واحد؟ بل ما المانع من أن يلتزم في جماعتين طالما يحقِّق ذلك الخير للفرد وللأمَّة؟ فإن حدث تعارضٌ ما يُترَك تقدير الأمر للفرد حسب ما يرى من خدمة دينه وأمَّته، مع التأكيد على ضرورة الالتزام بنظم وقواعد التجمُّع الذي انتمى إليه طالما رضيه وارتضى الانتماء إليه، إذ الالتزام هنا ليس التزاماً شرعيًّا باعتباره جماعة المسلمين، ولكنَّه التزامٌ إداريٌّ تنظيميٌّ لتسيير العمل وانتظامه.

ونرى أنَّ المسلم أمام أمرين:

الأوَّل: الالتزام باتِّجاهٍ من الاتِّجاهات القائمة باعتبار ذلك خطوةً مرحليَّةً في الطريق إلى جماعة المسلمين، والسعي من خلاله إلى نهوض الجماعة بمفهومها العامِّ والشامل.

وفي هذا ينبغي التنويه إلى أنَّ المقصود بالالتزام هنا الالتزام بتجمُّعٍ ما بمفهومه العامِّ الذي يشمل: الجماعات الإسلاميَّة الخيريَّة؛ جمعيَّات ومؤسَّسات المجتمع... إلخ.

على أن لا يعتبر انتسابه لهذه الجماعة هو نهاية المطاف؛ فهذه التجمُّعات وسائل لغايةٍ واحدةٍ تتمثَّل في جمع الكلمة وتنسيق الجهود في سبيل خدمة الأمَّة؛ فهي خطوةٌ مرحليَّةٌ على الطريق.

وهذه الجماعات والتجمُّعات لا يمثِّل أحدها على انفرادٍ جماعة المسلمين، وإنَّما هي خطواتٌ مرحليَّةٌ في الطريق إليها، وأنَّ التزام المسلم بـ"جماعة المسلمين" بمفهومها العامِّ والشامل أسبق من التزامه بهذه التجمُّعات الجزئيَّة؛ لأنَّ الأوَّل واجبٌ بأصل الشرع؛ فهو الذي دلَّت عليه النصوص، وانعقد عليه الإجماع. أمَّا الثاني فمستَنَد وجوبه هو المصلحة الراجحة، وكونه ذريعةً لإقامة بعض الواجبات الشرعيَّة التي قد لا يتسنَّى أداؤها إلا من خلال هذه الأطر.

ويوم أن تصبح هذه التجمُّعات مفرِّقةً للكلمة، أو مشوِّشةً على الولاء العامِّ للإسلام والجماعة، فإنَّ شرعيتَّها من الأساس تكون موضع نظر؛ لما تقرَّر من أنَّ الذرائع تأخذ حكم المقاصد حلاًّ وحرمة.

يقول الإمام ابن القيم -رحمه الله-: "لمَّا كانت المقاصد لا يُتوصَّل إليها إلا بأسباب وطرق تُفضي إليها، كانت طرقها وأسبابها تابعةً لها معتبرةً بها؛ فوسائل المحرَّمات والمعاصي في كراهتها، والمنع منها بحسب إفضائها إلى غاياتها وارتباطاتها بها، ووسائل الطاعات والقربات في محبَّتها، والإذن فيها بحسب إفضائها إلى غاياتها؛ فوسيلة المقصود تابعةٌ للمقصود، وكلاهما مقصود، لكنَّه مقصودٌ قصد الغايات، وهي مقصودةٌ قصد الوسائل، فإذا حرَّم الربُّ -تعالى- شيئاً وله طرقٌ ووسائل تفضي إليه، فإنَّه يحرِّمها ويمنع منها؛ تحقيقاً لتحريمها، وتثبيتاً له، ومنعاً أن يقرب حماه، ولو أباح الوسائل والذرائع المفضية إليه لكان ذلك نقضاً للتحريم، وإغراءً للنفوس به، وحكمته تعالى وعلمه يأبى ذلك كلَّ الإباء".

وإذا كان مفهوم "جماعة المسلمين" لا ينطبق على التجمُّعات الموجودة؛ ففي هذا الإطار ماذا تكون "البيعة" التي يعطيها المسلم لبعض هذه التجمُّعات حين التزامه بها؟ وما إلزاميَّتها؟

أمَّا البيعة التي تُعطَى لأيِّ تجمُّعٍ فهي ابتداءً بيعةٌ على عملٍ صالحٍ يتَّفق مع مقرَّرات الشرع؛ كفعل الخير، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والتعاون على البرِّ والتقوى، والمقصد منها الالتزام بالعمل الذي تمَّ الاتفاق عليه بين الطرفين، بصرف النظر عن الأوصاف والمسمَّيات.

وأمَّا إلزاميَّتها فهي لا تأخذ حكم التعاقد الملزم بين أطراف العلاقة التعاقديَّة، ولا يترتَّب عليها التزامٌ بين المتعاقديْن إلا بقدر ما تسبِّبه من ضرر، فالبيعة التي تُعطَى لهذه التجمُّعات لا تخوِّل لأمرائها الحقَّ في السمع والطاعة المطلقة، وإنَّما هي بمثابة العهد أو العقد، وقد جاء في فتاوى المذهب الحنفيِّ ما نصُّه: "رجلٌ أعطى العهد لشيخ، ثمَّ أعطاه لآخر، أيُّ العهدين يلزمه؟ قالوا: لا هذا ولا ذاك!".

فإن فارق الشخص تجمُّعه، وقد التزم معه بعمل؛ فلا شيء عليه، بشرط ألا يُخلَّ فراقه بالتزامٍ تَعهَّد به وترتَّب عليه ضررٌ على الطرف الآخر، شأنه تماماً كشأن المتعاقد الذي أخلَّ بتعاقده؛ فوقع الضرر بسبب ذلك على الطرف الآخر، فلا يمكن بحالٍ إكراهه على الاستمرار في التجمُّع، أو اعتبار تحلُّله من عهده وانتمائه "خروجا" على "جماعة المسلمين".

الثاني: الالتزام بالطاعة لـ"جماعة المسلمين" بمفهومها العامِّ والشامل، دون الالتزام بتجمُّعٍ بعينه، مع الالتزام بالعمل للإسلام حتى ولو كان وحيدا، والاكتفاء في هذه المرحلة بإقامة صلاتٍ متوازنةٍ مع كافَّةٍ التجمُّعات الإسلاميَّة وبذل النصيحة الواجبة لأصحابها، والتعاون معهم جميعاً على ما عندهم من خير، دون الالتزام العضويِّ بأحدها إلى أن يأذن الله بتجاوز هذه الفرقة، وتقام جماعة المسلمين.

مع التذكير بأنَّ في ديننا ما اقتضت الضرورة الشرعيَّة الاجتماع لأجله؛ فالعديد من فروض الدين لا تقوم إلا بالاجتماع، كالاجتماع لأداء الفرائض كالجمع والجماعات، وكالانتصار للدين، ومجاهدة المنافقين والكافرين ونحوه، وما لا يتمُّ الواجب إلا به فهو واجب.

وعموماً فتحديد أيِّ اختيارٍ من هذيْن الاختياريْن مردُّه إلى المسلم نفسه؛ فحيث يرى نفسه أنفع فليذهب إلى ذلك دون تردُّد، فالانفراد وسيلة، والانتماء وسيلة، والغاية هي المراد، وما يحقِّق الغاية أقصى تحقيقٍ يصبح مراداً أيضا.

الخلاصة

- جماعة المسلمين هي الأمَّة، أو السواد الأعظم من الأمَّة حسب اصطلاح الفقهاء.

- الجماعات الموجودة لا تستند في تأسيسها إلى نصوص السنَّة المطهَّرة الواردة في لزوم الجماعة ووجوب البيعة إلا على سبيل الاستئناس، وإنَّما استنادها إلى النصوص العامَّة التي تحضُّ على التعاون على البرِّ والتقوى، وتنهى عن الفشل والتنازع، وفي هذا السياق عليها أن تسعى بكلِّ طاقتها للتعاون والتكامل والتعاضد، والابتعاد كلَّ الابتعاد عن التقاتل والتنازع والتخاصم.

- البيعة المعقودة لهذه التجمُّعات بمثابة العقد، والطاعة لها تكون في حدود ما اتُّفِق عليه في هذا العقد، ويكون التحلُّل منها عند الاقتضاء بإنهاء هذا التعاقد.

- مفهوم الجماعة أو التجمُّع أشمل من مجرَّد ما شاع من وصف "الجماعات الإسلاميَّة" فهو يشمل كلَّ هيئةٍ أو مؤسَّسةٍ أو جمعيَّةٍ من هيئات ومؤسَّسات وجمعيَّات المجتمع يمكن خدمة الإسلام من خلالها؛ إذ خدمة الإسلام هي الغاية، والكيانات هي الوسيلة، فبأيِّ شكلٍ كانت تبقى وسيلة، مجرَّد وسيلة.

- إذا لم تكن هذه التجمُّعات هي جماعة المسلمين، فلا مانع من عمل المسلم في جماعةٍ أو في أكثر من تجمُّعٍ منها، والتزامه بها طالما حقَّق ذلك مصلحةً للأمَّة، وانتفى التعارض بينها أو أمكن الجمع بينها.

- اقتضت الضرورة الشرعيَّة الاجتماع لأداء بعض الفرائض التي لا يمكن أداؤها إلا بالاجتماع، وما لا يتمُّ الواجب إلا به فهو واجب.

- إذا كان الأصل هو السعي من خلال تجمُّعٍ من هذه التجمُّعات القائمة إلى إيجاد جماعة المسلمين بالمعنى السياسيّ، فإنَّ بعض الناس لا يتسنَّى له أداء الدور إلا خارج هذه الأطر، أو تكون مصلحة العمل الإسلاميِّ في مكانه خارجها أغلب من المصلحة في لزومه لها، فهؤلاء يترجَّح في حقِّهم ما يحقِّق أكمل المصلحتين، وإذا عُرِف مقصود الشارع سُلِك في حصوله أوصل الطرق إليه.

وختاماً فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "من لم يوازن ما في الفعل والترك من المصلحة الشرعيَّة والمفسدة الشرعيَّة فقد يدع واجباتٍ ويفعل محرَّمات، ويرى ذلك من الورع، كمن يدع الجهاد مع الأمراء الظلمة ويرى ذلك ورعا، ويدع الجمعة خلف الذين فيهم بدعةٌ أو فجور، ويرى ذلك من الورع".

http://www.islamonline.net/arabic/ma...article1.shtml