بسم الله الرحمن الرحيم
أصناف الصحابة
الصنّف الأوّل: الذين رضي الله عنهم وأثنى عليهم بمثل قوله تعالى:
(والسابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار والذين اتّبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعدّ لهم جنات تجري من تحتها الأنهار...) (1) .
وقوله تعالى: (محمّد رسول الله والذين معه أشدّاء على الكفّار رحماء بينهم تراهم ركّعاً سجّداً يبتغون فضلا من الله ورضواناً... وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرةً وأجراً عظيماً) (1) .
وقوله تعالى: (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً) (2) .
ونحن إذا تمعّنّا في هذه الآيات الكريمة نجدها ليست على إطلاقها، فالآية الأُولى تفيد: أهل بيعة الرضوانوأمّا الآية الثانية: فلا يخفى ما في آخرها من تقييد الوعد بمن أقام على الإيمان والطاعة.
وأمّا الآية الثالثة: فهي صريحة باختصاصها بأصحاب الشجرة، كما لا يخفى، ولكن ليس على إطلاقها، وكذا الآيات الباقية المرتبطة بالمقام ; لأنّ ذلك يستوجب الجبر المنافي للاختيار، الأمر الذي يؤدّي إلى عبثية الثواب والعقاب أو بطلانه، نعوذ بالله من هذه المقالة الفاسدة.
سلول، وهو بدري شجري ـ أعني من أصحاب بدر وبيعة الشجرة ـ ولا خلاف بين المسلمين في ضلاله ونفاقه، بل ينسب إليه جلّ ما ورد في الكتاب والسُنّة بخصوص النفاق والمنافقين وإن لم يكن له علاقة في كثير من هذه الموارد، وإذا كان الأمر على هذه الحال فكيف يشمله عموم هذه الآيات، أعني آيات الرضوان؟!
فإنّ قيل: ورد فيه ما يبيّن نفاقه.
قلنا: ونحن ما ادّعينا أكثر من ذلك، فهذه الآيات مقيّدة بابن أُبيّ بن سلول وكلّ من هو على شاكلته أو كان أسوأ حالا منه، فهو لم يكن وحده، فقد تخلّف معه يوم أُحد ثلث الصحابة كما هو مشهور
الصنف الثاني: الذين خلطوا عملا صالحاً وآخر سيّئاً، بمثل قوله تعالى: (وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحاً وآخر سيئاً عسى الله أن يتوب عليهم)
الصنف الثالث: المرجون لأمر الله، بمثل قوله تعالى: (وآخرون مرجون لأمر الله إمّا يعذبهم وإمّا يتوب عليهم) (2) .
وظاهر الآيتين واضح لا يحتاج إلى مزيد بيان كما لا يخفى.
فإن قيل: إنّ سبب نزول هاتين الآيتين في عدد من الصحابة.
قلنا: نعم، وهو يكفينا في المقام، وسياق الآيتين غير مانع من التعميم.
الصنف الرابع: المنافقون والفاسقون والمنقلبون على أعقابهم والذين في قلوبهم مرض، بمثل قوله تعالى: (إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنّك رسول الله... ذلك بأنّهم آمنوا ثمّ كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون)
وقوله تعالى: (وممّن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذّبهم مرّتين ثمّ
يردّون إلى عذاب عظيم) (1) .
وقوله تعالى: (أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون) (2) .
وقوله تعالى: (وما محمّد إلاّ رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم) (3) .
وقوله تعالى: (وأمّا الذين في قلوبهم مرضٌ فزادتهم رجساً إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون) (4) .
وقوله تعالى: (إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرضٌ غرّ هؤلاء دينهم) (5) .
وغيرها من الآيات الكثيرة في هذا المقام، وهي صريحة وواضحة الدلالة ليست بحاجة إلى مزيد بيان كما لا يخفى.
أمّا ما صرّحت به الأحاديث الشريفة المروية في الصحاح والسنن والمسانيد، فقد بلغ حدّ التواتر، وقد روى البخاري ومسلم عدداً كثيراً منها وفي عدّة مواضع من صحيحيهما.
خذ إليك مثلا ما أخرجه البخاري في صحيحه ج 8 كتاب الرقاق، باب في الحوض، ومسلم في ج 7 كتاب الفضائل، باب إثبات حوض نبيّنا (صلى الله عليه وسلم) وصفاته فمن ذلك ما رواه البخاري بإسناده عن أبي هريرة، عن النبيّ (صلى الله عليه وسلم) قال: بينا أنا قائم إذا زمرة حتّى عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم.
فقال: هلمّ!
فقلت: إلى أين؟
قال: إلى النار والله!
قلت: وما شأنهم؟
قال: إنّهم ارتدّوا بعدك على أدبارهم القهقرى.
ثمّ إذا زمرة حتّى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، فقال: هلّم!
قلت: إلى أين؟
قال: إلى النار والله!
قلت: ما شأنهم؟
قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى.
فلا أراه يخلص منهم إلاّ مثل همل النعم.
وما رواه البخاري ومسلم عن أسماء بنت أبي بكرـ واللفظ للأوّل ـ قالت: قال النبي (صلى الله عليه وسلم) : إنّي على الحوض حتّى أنظر من يرد عليّ منكم، وسيؤخذ ناس دوني، فأقول: يا ربّ منّي ومن أُمّتي، فيقال: هل شعرت ما عملوا بعدك؟! والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم...
هذا غيض من فيض ممّا روي في ارتداد كثير من الصحابة ورجوعهم على أعقابهم، وحقيق علينا أن نسأل من هم هؤلاء الصحابة الذين عنتهم هذه الآيات والأحاديث الشريفة والذين لا يخلص منهم إلاّ مثل همل النعم، كما في بعض نصوص البخاري؟! هل هم هؤلاء الصحابة العدول والمَرضيّ عنهم؟! ألا يتعارض ذلك مع هذه النصوص المتواترة؟!
|