عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 27-12-2006, 04:12 AM
جروان جروان غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Dec 2006
المشاركات: 83
إفتراضي

ومنذ ذلك التاريخ ذمَّ الفقهاء على لسان الرسول عليه السلام المرأة ذماً شديداً ، مُعرّضين نصوص الإسلام للتناقض الواضح والصريح. فمن المعروف أن الإسلام قد أنصف المرأة علي ما كانت عليه قبل الإسلام . فحاول أن لا يغضب العرب ، طمعاً في انضمامهم إلى الإسلام وكسبهم إلي جانبه ، وهو الذي كان أحوج ما يكون إليهم . كما حاول أن لا يغضب القيم الإنسانية في الوقت ذاته باعتباره ديناً إنسانياً ، جاء لنصرة الإنسان ذكراً كان أم أنثي.

ولكن الفقهاء الذين انهمكوا في شؤون المرأة انهماكاً غير مسبوق ، إلى درجة أنه جاء وقتٌ كالعصر الحديث لم يجد فيه الفقهاء من موضوع يشغلون به المسلمين غير المرأة ، وحريتها ، وحجابها ، ونصابها ، وحيضها ، وصلاتها. ونسوا ما للرجل وحريته السياسية والاجتماعية والثقافية من حقوق وواجبات. وكما اخترع الفقهاء في العصر الأموي مثلاً الكثير من الأحاديث السياسية الموضوعة في وجوب اطاعة أولي الأمر ، حتى ولو أصبحوا كفاراً ، أو حتى ولو جلدوا ظهور رعاياهم وسلبوا أموالهم ، فإنهم كذلك اخترعوا ووضعوا أحاديث ملفقة عن وجوب اساءة معاملة المرأة ، واستطاع أعداء الإسلام فيما بعد ، أن يتخذوها سلاحاً ساماً ضد الإسلام ، ويواجهون بها المسلمين كدليل على احتقار الإسلام للمرأة ، ووضعها في المرتبة الدنيا من الرجل .

وجاء هذا الكم الضخم من الأحاديث النبوية للحطِّ من قيمة المرأة ، وكأن المرأة أصبحت عدو الإسلام الأكبر. وكأن الرسول لم يكن يشغله في هذا العالم غير المرأة . وخُيّل إلينا أن الفقهاء بوضعهم هذا الكم الضخم والمتناقض من الأحاديث ، إنما يسعون إلى تأنيث الإسلام ، وتكريسه للحطّ من قيمة المرأة .

وكانت الطامة الكبرى أن جاء الفقهاء في العصر الحديث ، ودون مراعاة لتغير وضع المرأة في المجتمع العربي المعاصر عما كانت عليه قبل 1400 سنة ، ورددوا الأحاديث ذاتها ، دون أية مراعاة لوضع المرأة الجديد في العالم وفي العالم العربي كذلك. فالمرأة في العصر الحديث ، وصلت إلى أعلى المراتب السياسية، حتى في الدول الإسلامية كرئيسة للوزراء ، وإلى أعلى المراتب العلمية ، كفوز شيرين عبادي المحامية الإيرانية التي فازت بجائزة نوبل للسلام عام 2003، وإلى أعلي المراتب الثقافية مؤلفة وباحثة وأديبه وشاعرة ، ورغم هذه المكانة الإنسانية الرفيعة التي نالتها المرأة ، فما زال الفقهاء يرددون أحاديث تقول :

( لا يفعلن أحدكم أمراً حتى يستشير ، فإن لم يجد من يشيره فليستشر امرأة ثم ليخالفها ، فإن في خلافها البركة ) .
ثم هذه الأحاديث الأربعة الأخرى التي تؤكد ذمَّ المرأة ، وهو ذم من الفقهاء ، وليس من الإسلام : ( شاوروهن وخالفوهن) ، ( عوّدوا النســـاء " لا " ، فإنها ضعيفة ، إن أطعتها أهلكتك ) ، ( طاعة النساء ندامة ) ، ( هلكت الرجال حين أطاعت النساء) ، وغيرها من الأحاديث.

فلو اتفقنا ووافقنا علي صحة هذه الأحاديث ، وأن الرسول الكريم قد قالها حقا ـ وفي هذا شك كبير ـ فهل يمكن أن تكون هذه الأحاديث عابرة للتاريخ ؟ بمعني أنها إن كانت صالحة لنساء القرن السابع الميلادي اللائي لم يتلقين أي تعليم يُذكر ، وكانت نسبة الأمية بينهن تتجاوز ربما 99%، ولم يحتلوا مناصب سياسية واجتماعية وثقافية وتعليمية وتربوية ومصرفية ، فهل هي صالحة لنساء القرن العشرين أو القرن الحادي والعشرين ؟ وهل نضع نساء القرن السابع الميلادي مع نساء القرن العشرين والحادي والعشرين في كفة واحدة ، وهنَّ اللائي برزن في مجال السياسة والتربية والتعليم والعلوم والقضاء ومختلف المجالات الأخري.

فهل نشاور هؤلاء النسوة ونخالفهن ؟ وهل هلكت الرجال حين أطاعت هؤلاء النساء ؟ بل هل هلك المسلمون عندما تولت الصحابية السمراء بنت نهيك الأسدية الحسبة ، في مكة المكرمة، في عهد الرسول عليه السلام ، والحسبة فرع من فروع القضاء ، وكان لها صوت تُعنّف به الغشاشين ؟ وهل هلك المسلمون في المدينة المنورة عندما تلوت الحسبة شفاء بنت بني عدي في عهد عمر بن الخطاب ، وكانت ثاني إمرأة في الإسلام تتولي وزارة بلدية ، وكانت حقوقها مطلقة على أهل السوق رجالاً ونساءً ، تحلُّ الحلال وتحرّمُ الحرام ، وتقيم العدل ، وتمنع المخالفات ، كما قال الشيخ محمد الغزالي ( السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث، ص 48) ؟ وهل هلكت بريطانيا عندما كانت تاتشر رئيسة للوزراء ؟ وهل هلكت إسرائيل عندما كانت غولدا مائير رئيسة للوزراء ؟ وهل هلكت أمريكا عندما أصبحت كوندليزا رايس وزيرة خارجية ، وقبلها مادلين اولبرايت ؟ وهل هلكت باكستان عندما أصبحت بنازير بوتو رئيسة للوزراء ؟

والأمثلة كثيرة لا تحصى . فهل ندمت الشعوب على طاعة هذه النساء كما قال الحديث المنسوب للرسول الكريم ؟ فلماذا كل الاهتمام والانهماك في الحطِّ من قيمة المرأة وصب جام غضب الأحاديث النبوية عليها ، وكأن الإسلام جاء خصيصاً لهذا الغرض ؟

حقيقة تاريخية لا بُدَّ من ذكرها

يجب أن نذكر هنا حقيقة تاريخية ودينية ، وهي أن الحديث قد جُمع بعد مضى ما لا يقل عن مائة وخمسين عاماً على وفاة الرسول الكريم . وأن سير معظم رواة الحديث لم تكن عطرة تماماً . فسيرة أبي هريرة الدوسي ، أحد رواة الحديث الكبار جداً ، سيرة فيها الكثير من الطعون . فحين توفي النبي ، ولاّه الخليفة عمر عام 20 ه على البحرين ، بعد وفاة العلاء بن الحضرمي ، وسرعان ما عزله ، وولي مكانه عثمان بن أبي العاص الثقفي . أما السبب في عزله ، فكان عندما أجاب أبو هريرة الخليفة عمر، بأنه يملك عشرين ألفاً من بيت مال البحرين ، حصل عليها من التجارة . وكان رد الخليفة عمر : " عدواً لله والإسلام ، عدواً لله ولكتابه . سرقت مال الله ، حين استعملتك على البحرين، وأنت بلا نعلين ، تغوّطت بك أمك " وضربه بالدُرّة حتى أدماه . (العقد الفريد : 1/ 53 ) وقد منع ابن الخطاب أبا هريرة من رواية الحديث النبوي بقوله : " لتتركن الحديث أو لألحقنك بأرض القرود أو بأرض دوس" (البداية والنهاية 206/8).

ويؤكد أبو هريرة ذلك فيقول : " ما كنت أستطيع أن أقول قال رسول الله ، حتي قُبض عمر" أو : لو كنت أحدث في زمان عمر مثل ما أحدثكم لضربني بمخفقته " ( أضواء علي السنة 59 ) .

وأما عبد الله بن عباس ( حبر الأمة ) وهو من كبار رواة الحديث أيضاً . فقد ولد قبل الهجرة بسنة أو سنتين . وعندما توفي الرسول كان صبياً لم يتجاوز عمره أحد عشر عاماً ، ومع ذلك فقد روي حوالي (1660) حديثاً ، كما يؤكد ابن الجوزي ، أثبتها البخاري ومسلم في صحيحيهما. ويأخد المؤرخون علي ابن عباس صراعه الكلامي والفكري مع ابن عمه الخليفة الراشدي علي بن أبي طالب ، الذي قال في ابن عباس : " يأكل حراماً ويشرب حراماً ، ولم يؤدِ أمانة ربه " ) .

" وللحديث صلة "